فاعلون يناقشون: “المغاربة بين مطرقة القمع وسندان الغلاء” في ندوة لـ “الفضاء المغربي”

Cover Image for  فاعلون يناقشون: “المغاربة بين مطرقة القمع وسندان الغلاء” في ندوة لـ “الفضاء المغربي”
نشر بتاريخ

“المغاربة بين مطرقة القمع وسندان الغلاء”؛ ندوة حقوقية نظمها الفضاء المغربي لحقوق الإنسان يوم الإثنين فاتح ماي 2023، أدارها الأستاذ محمد الصروخ، محام وعضو المكتب التنفيذي للفضاء، وقد استضاف لتأطيرها كل من الدكتور جمال العسري، الحاصل على الدكتوراه في الأدب العربي، وهو عضو المكتب السياسي لمكتب الاشتراكي الموحد، والأستاذ الحسن السني، الحاصل على الماستر في قانون الأعمال، وهو كاتب عام للفضاء المغربي لحقوق الإنسان ومحام بهيئة المحامين بالدار البيضاء، إضافة إلى الدكتور هشام عطوش الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي، بينما تعذر على الأستاذ عبد اللطيف الحماموشي المشاركة في آخر لحظة لظروف خاصة.

وأوضح الأستاذ الصروخ مدير هذه الندوة أن هدف هذه المأدبة الحوارية التفاعلية، التي جمعت ثلة من الفعاليات المدنية والسياسية والحقوقية والاقتصادية، هو “مناقشة موضوع من المواضيع الراهنة التي طغت على الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية”. معتبرا أن موضوع الندوة هو “عنوان لسياسات عمومية موغلة في قمع المغاربة، مكرسة للبطالة، قائمة على اقتصاد الريع الذي يجر المغاربة إلى فقر مدقع؛ من تجلياته الارتفاع الصاروخي للأسعار والتدني المهول للقدرة الشرائية للمغاربة، وبالموازاة مع ذلك فإن ارتفاع منسوب العنف والتضييق والحصار يتزايد بشكل تصاعدي مع الاحتجاجات الاجتماعية، وأيضا كلما ارتفعت أصوات منتقدة للسياسات العمومية الفاشلة وخطورتها وانعكاسها السلبي على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمغاربة، فتطفو على السطح قصص بذيئة وغير مستساغة في وسائل الإعلام الموالية لها ضدا على هؤلاء وعلى ذويهم وأقاربهم؛ من مراقبة وتهديد ومتابعات تنتهي عند بعضهم بالسجن سنوات طويلة”.

الندوة تناولت الموضوع من خلال أربعة محاور، هي: “قمع السلطة للمعارضة المغربية؛ الخلفيات والتداعيات”، و”غلاء الأسعار؛ المسببات والمسؤولية والمآلات”، و”انعكاس سياسات القمع والغلاء على الحقوق والحريات الأساسية”، و”الاحتجاج الاجتماعي ومطلب النضال الحقوقي الوحدوي”.

الدكتور جمال العسري في قراءته لأسباب وخلفيات الوضع الحقوقي والاجتماعي الراهن بالمغرب، اعتبر أنه “ليس هناك شيء جديد، الجديد أن المغرب فتح قوسا إبان انتقال الحكم من ملك إلى ملك، وسع فيه في بعض الحريات، ليضمن انتقالا سلسا، ثم بعد الاستقرار عادت الأمور إلى ما هي عليه”.

الجديد في الأمر بالنسبة للمتحدث هو “أننا كنا معتادين، كهيئات معارضة، أن المنافسة تكون نوعا ما شريفة، بتهم تجعلك كمناضل ترفع رأسك، فتكون المحاكمة سياسية أو نقابية أو محاكمة رأي، الآن أصبحوا يرفضون منح المناضلين هذا الشرف، وأصبحت المحاكمات والمتابعات ذات علاقة بالحياة الشخصية للمناضل، في محاولة لإبعاد أي تضامن مع المقموعين وإبعاد الصورة النمطية للإنسان المناضل المبدئي”.

ونبه الناشط الحقوقي إلى معضلة عدم تضامن القوى الحية المعارضة للسياسات الرسمية التي تتعرض جميعها إلى القمع وغاب تكتلها أمام هذه التجاوزات.

وعلى المستوى الاقتصادي، أوضح العسري أنه “لا يمكن لأحد أن ينفي أن المغرب يعيش أزمة اقتصادية خانقة، وأن الطبقة المتوسطة تتجه نحو الاندثار، وأن مجموعة من المنتوجات الغذائية سواء الخضر أو الفواكه أو الدجاج، والتي كانت صديقة لمائدة المواطن المغربي لم تعد متاحة، والسؤال الذي يطرح هو: كيف أن هذه الأزمة يحس بها الجميع ولكن إذا أنصتنا لتصريحات المسؤولين، خاصة الناطق الرسمي باسم الحكومة ورئيس الحكومة تحس أن المغرب لا يعيش أزمة، تزول الدهشة عندما نعلم أننا أمام رأيين؛ أحدهما للمعارضة التي تصطف مع الشعب والتي تقول بأن المغرب يعيش فعلا أزمة اقتصادية خانقة، خاصة أن نسب التضخم فاقت كل التوقعات، في المقابل يقول الحاكمون أننا لا نعيش أزمة، ذلك أن الأزمة ترتبط بموقع الرائي، فمثلا عندما نرى الحكومة الآن، والتي تمثل الصورة البشعة لزواج السلطة والمال، وأن رئيس الحكومة الذي يعتبر من أكبر باطرونات المغرب، من رؤساء أكبر الشركات، ومنها شركات المحروقات، همه الأساس هو حماية مصالح زملائه، وحماية رأس المال، والزيادة في أرباحهم، فكيف يمكن أن يقول إن المغرب يعيش أزمة مالية وهو في هذه السنوات تتضاعف أرباحه -حسب إحصائيات فوربس- لتتجاوز المليارات، ويصبح من أغنى أغنياء المغرب وأغنى أغنياء إفريقيا..”.

وساق الفاعل الحقوقي المثل العربي: “ما حك جلدك مثل ظفرك”، ليعلن كحل للضغط على النظام في اتجاه احترام حقوق المواطنين وتطبيق القوانين أنه يجب أن نعلم أنه منذ سقوط جدار برلين وظهور القطب الواحد تغير الشيء الكثير في العالم، وهذا يقتضي تغير نظرنا لما يجري في هذا العالم، كنا من قبل نتكلم عن المجتمع الدولي وضغطه ودفاعه عن حقوق الإنسان، خاصة المجتمع الغربي الذي كان يضع في صلب اهتماماته الديمقراطية وحقوق الإنسان في دول العالم الثالث… اليوم تغير العالم وأصبح الذي ينتظر أن يأتي الضغط من الخارج فإنه ينتظر السراب، كان يلزمنا – نحن كشعوب تنتمي إلى المنطقة العربية وكدول العالم الثالث – أن نغير نظرتنا لأوروبا منذ أحداث الربيع العربي، ومنذ الانقلاب الشهير الذي وقع في مصر، والإعدامات المتتالية التي وقعت فيها، والاعتقالات التي دامت لأكثر من 4 و5 سنوات بدون محاكمات.. ورئيس جاء بانتخابات وحكم بالإعدام ومات أو قتل.. والكثير من القيادات السياسية.. أين هو الغرب؟ أين هو البرلمان الأوروبي… في تونس الآن قيس سعيد دكتاتور حقيقي يقوم بما لم يقم به بن علي، وصل فعلا عن طريق الانتخابات ولكن انظر ماذا يفعل اليوم، فهل تحدث عنه البرلمان الأوربي”، ليخلص إلى أن الأمور اليوم تغيرت وأن الضغط يجب أن يأتي من الداخل لا الخارج.

من جانبه اعتبر الخبير الاقتصادي المغربي والأستاذ الجامعي الدكتور هشام عطوش أن تداعيات التردي الذي تعرفه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب في الوقت الحالي تحكمه ثلاث مقاربات؛ أولاها حقوقية صرفة، موضحا أن أجيال الحقوق اليوم هي أربعة، الحقوق السياسية والمدنية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والحقوق الثقافية والبيئية، والحقوق المرتبطة بحماية المعطيات الشخصية، خاصة مع الذكاء الصناعي وما يرتبط به من استعمالات ومثالا على ذلك أن مديرية مثل مديرية الضرائب لها كل الحقوق لمعرفة الحسابات البنكية وما تتوفر عليه من عقارات كما يمكن أن تتفاجأ بالحجز في وقت من الأوقات إذا أردت أن تتصرف مثلا في عقار أو ملكية ما..

ولذلك ربط المتحدث بين مسألة “القمع” وحرية التصرف في المملوك مع حق من الحقوق الاقتصادية، وهي حرية التصرف فيما تملك، فالإشكال يقول المتحدث، ليس في أداء ما عليك من واجبات، ولكنه يكمن في عدم التبليغ وأداء الغرامات والجزاءات الإضافية، مشددا على أن القمع قد تتعدد أوجهه مما هو سياسي إلى ما هو اقتصادي واجتماعي وغيره..

وقد لخص المتحدث بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في الحق في السكن والتعليم والشغل والعيش الكريم، موضحا أن العودة إلى التقارير الرسمية والدولية الواردة في التصنيفات في باب هذه الحقوق الأربعة، تؤشر إلى أن المغرب يوجد في ترتيب لا يحسد عليه فيما يرتبط بالتنمية البشرية، بحيث إنه يراوح المرتبة 123 عالميا، أما في التعليم فهو في المراتب الأخيرة، وبالتالي فإن القراءة الأولى ذات الطابع الحقوقي، هي مهمة لفهم ما يجري في المغرب حتى وإن كانت هناك منجزات.

وأشار عطوش إلى أن “التحرير الريعي” هو الخيار الأساسي الذي اختاره المغرب، ومفاده “ثروة+” وقد تكون لعائلة معينة أو لأشخاص معينين أو كل من يدور في نفوذ معين، وهذا أول رؤوس النجمة الخماسية التي تتوسط علم المغرب، أما الخيار الثاني ضمن هذه الخيارات الخمسة الأساس هي تحيل إلى السياسات، ومضمونها هو “تصدير+” و”مواطن مؤدي+”.

ومعنى ذلك حسب المتحدث؛ أننا نصدر أكثر على حساب الداخل، وقد ظهر الأمر جليا حينما غلت أسعار المواد الغذائية التي ينتجها المغرب في صفوف الخضراوات التي تذهب إلى خارج البلد خاصة مع العمق الإفريقي.. أما الرأس الثالث فهو مرتبك بالآليات التي وقف عليها المتحدث، والرأس الرابع هو التداعيات، في حين الرأس الخامس هو المراجعات، لأن الدولة لا تراجع الخيارات ولا السياسات الرئيسة بقدر ما تراجع ما أسماه عطوش بالتداعيات ومن ذلك مثلا الإعانات لأصحاب النقل…

بدوره ذهب الأستاذ الحسن السني الكاتب العام للفضاء المغربي للحقوق والحريات، إلى أن الاقتصاد المغربي يعاني من إشكالات بنيوية. وبينما أشار إلى إن حرب روسيا وأوكرانيا قد تكون سببا في كشف جزء من هذه الإشكالات إلا أنها “تكمن في صلب البنية الاقتصادية المغربية”، وهي ما يجعل من المواطن المغربي عرضة لجميع موجات الغلاء وارتفاع المعيشة.

وبسط السني الإشكال في نقطتين مهمتين حسب معالجته للموضوع، هما الإنتاج والتمويل. موضحا أن المغرب كان عليه على الأقل الحفاظ على سياساته السابقة في إنتاج المواد الغذائية على سبيل المثال، وذهب إلى أن اختيار المغرب إنتاج المواد على أساس ربحي هو منطق الشركة وليس منطق الدولة، لذلك لا نجد الأولوية في إنتاج مواد أساسية تقوم عليها حياة الناس ويتوقف توفرها على الاستيراد بنسب مهولة، مثل الزيت والقمح وغيرها، وهو ما يجعل المغاربة عرضة لتطور الأسعار في الخارج وتقلبات السوق الدولية.

وعن طبيعة التفاعل الداخلي المغربي مع قمع المعارضين، ذهب المحامي المغربي إلى أن المجتمع المدني الذي يتمتع بقدر من المصداقية والموضوعية برهن على أنه مجتمع حي من خلال كل الملفات التي مرت، سواء ملف الريف أو محاكمة الصحافيين والمدونين، وكانت هناك تنسيقيات محلية ووطنية ورأينا التآزر بين مكونات المجتمع الذي أنشأ تنسيقيات ضد الاعتقال، وتنسيقيات التضامن مع عائلات معتقلي الريف والتنسيقية الوطنية للتضامن مع الراضي والريسوني وباقي المعتقلين، وبالتالي فالمجتمع المدني كان حاضرا من خلال هيئات الدفاع في المحاكمات أو عبر الاحتجاجات والبيانات ومجموعة من الأنشطة.

أما التفاعل الداخلي مع غلاء الأسعار، فقد أكد المتحدث أنه لا يرقى إلى المستوى المطلوب، موضحا أن الشكل الذي أصبح الغلاء يهدد به جيوب المغاربة يفرض أن يكون التفاعل عاما موحّد الصفوف ويهم جميع مكونات المجتمع المدني بصرف النظر عن مشاربهم ودون انتقائية، وبينما أقر السني بوجود حراك في الموضوع، أقر في المقابل بأن هذا الحراك فئوي وغير منظم ولم يعط ثماره.

وفي حديثه عن “المعارضة” والمعارضين، أورد السني أشكال القمع “الكثيرة” التي يقابل بها النظام هؤلاء المعارضين، والتي “تبدأ بالحق في الحياة (كمال عماري في آسفي وزيدون في الرباط)، السلامة الجسدية للمتظاهرين (تجمع الطلبة الأخير كيف كسرت عظامهم وهو ما عاينته شخصيا)، هناك فبركة الملفات القضائية (عمر الراضي، الريسوني، بوعشرين، محمد أعراب باعسو الذي يقضي في السجن أكثر من 4 أشهر ولم تبتدئ محاكمته بعد)، هذا القضاء الذي تحدثت عنه التقارير الدولية بمعطيات وهم يجيبون عنها بعناوين سياسية. القمع يمس أيضا أرزاق الناس (المعطي منجب ممنوع من التصرف في ممتلكاته، البيوت المغلقة، إعفاءات أطر وطنية (168 إطارا تعفى في 60 يوما وكلهم ذوو نفس الانتماء، وكلهم تم إعفاؤهم بنفس الشكل).. هناك أيضا المس بالحق في التنظيم (المقرات)، المس بتنظيم المظاهرات والتظاهر (ملف الريف حيث خرج الناس للاحتجاج بشكل سلمي). هناك التجسس والمعطيات الشخصية يتم العبث بها وتكشف بشكل مفضوح وتكلف المغرب كلفة كبيرة جدا..”.