نظم تجمع “مغربيات ضد الاعتقال السياسي” ندوة حول موضوع “المرأة والاعتقال السياسي” بتقنية “زووم”، بتاريخ 14 أبريل 2023، شارك فيها كل من الأستاذات: سعاد براهمة، خديجة رياضي، عائشة جوزي (زوجة المعتقل السياسي د. محمد باعسو)، رشيدة البارودي (أم المعتقل السياسي د. رضى بن عثمان)، وسيّرتها الأستاذة حكيمة الشاوي.
افتتحت القيادية بحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، الأستاذة حكيمة الشاوي بتعريف الهيئة المنظمة، موضحة أنها تكتل لنساء مغربيات من مختلف ربوع المغرب وبلدان المهجر، هن مناضلات من مختلف المشارب الفكرية والسياسية ومنهن أيضا المستقلات، يجمعهن هدف رفض الاعتقال السياسي والنضال المشترك والمستمر من أجل إنهاء الظاهرة، تركز في عملها على المعتقلات السياسيات دون تجاهل المعتقلين السياسيين.
وعرجت على إعطاء نبذة عن نشأتها ومسيرتها النضالية، قبل أن تعطي الكلمة للمناضلة الحقوقية المحامية سعاد براهمة، رئيسة الجمعية المغربية للنساء التقدميات، والتي تمحورت حول المرأة وعلاقتها بالاعتقال السياسي؛ كقريبة لمعتقل سياسي، أو كمعتقلة، أو كمدافعة عن المعتقلين السياسيين.
نبهت المحامية البراهمة إلى كون موضوع الاعتقال السياسي المؤنث لا يجد الاهتمام الكافي مقارنة مع نظيره المذكر، على أساس أن المعتقلات السياسيات قلة، بل هناك من يظن أن المرأة المغربية لا تعاني من الاعتقال السياسي، في حين أن واقع بلاد نظامه السياسي مستبد يقابل كل من يفضح استبداده بالنقد والتعبير عن رأيه بالاعتقال ذكرا أو أنثى.
وقسمت المناضلة الحقوقية مداخلتها إلى ثلاثة محاور؛ الأول تحدثت فيه عن المرأة والاعتقال السياسي كأم وكزوجة وكأخت، والمعاناة الكبيرة التي تعيشها هؤلاء النسوة، وما يلعبنه من دور ريادي في التعريف بقضايا المعتقلين السياسيين، والمطالبة بحقوق المعتقل السجنية، فيخضن لأجل ذلك معارك ضارية، من وقفات وندوات واعتصامات وإضرابات.. إضافة إلى ما يواجهنه اجتماعيا من وصم الاعتقال والعزلة بفعل التضييق المخزني، ناهيك عن أنهن يجدن أنفسهن ملزمات بالاهتمام بأسرهن على جميع المستويات..
المحور الثاني خصصته براهمة للحديث عن المعتقلة السياسية نفسها، كاشفة أنها تعيش، إضافة إلى المعاناة العامة التي يعيشها كافة المعتقلين السياسيين رجالا ونساء، معاناة خاصة والتي تبدأ منذ حملها لأفكار معينة، فتجد نفسها في مواجهة العائلة والخروج إلى الشارع من أجل الدفاع عن أفكارها والسفر من أجل مواقفها والتي تواجه بتخوف من العائلة.. ثم حين تتعرض للاعتقال تواجه وضعا آخر مختلفا يتمثل في الرعب من التعذيب والذي يستغل فيه الموروث الثقافي، ويتم التخويف بالاغتصاب بل ويتم الاغتصاب أحيانا، مشيرة إلى تاريخ المخزن الحافل بالتعذيب الجسمي والجنسي.. إضافة إلى التخويف بالفضح في حياتهن الخاصة والتهديد باغتصاب بناتهن..
المحور الثالث خصصته المحامية بهيئة الدار البيضاء للكلام عن المرأة المرتبطة بالاعتقال السياسي، كمحامية وكمدافعة عن حقوق الإنسان وعن معتقلات ومعتقلي الرأي، والتي تشترك أيضا في نصيب من المعاناة مع زملائها المحامين، ولكنها تنفرد بمعاناة خاصة أيضا، حيث تؤخر القضايا إلى أوقات متأخرة جدا فتضطر للبقاء خارج البيت، خصوصا إن كان لها أبناء صغار يحتاجون إلى رعاية، إضافة إلى ما يمكن أن تتعرض له من التضييق بسبب مواجهتها للقضاء..
بعدها تناولت الحقوقية البارزة، الأستاذة خديجة الرياضي الكلمة الثانية، والتي تمحورت حول موضوع استغلال النساء في الاعتقال السياسي في المغرب.
قدمت الرياضي لكلمتها بالتحية لكل المعتقلات السياسيات، وضمنهن الأسيرات الفلسطينيات، قبل أن تبرز أن للنساء علاقات متعددة بالاعتقال السياسي، تلك التي أوردت المحامية البراهمة، وأضافت ظاهرة جديدة باتت تستعملها السلطة في المغرب؛ هي استغلال النساء وقضاياهن وموقعهن من أجل الإطاحة والزج ظلما بالمعتقلين السياسيين في السجون.
وأكدت الرياضي أن الاعتقال السياسي هو في حد ذاته إحدى تجليات الطبيعة السياسية للنظام السياسي التي لم تتوقف يوما في المغرب.. رغم التزامات الدولة سواء في إطار الإنصاف والمصالحة أو في إطار دستور 2011 باحترام حرية الرأي وتجريم الانتهاكات الحقوقية.. التغيير حصل فقط في الأساليب المعتمدة من طرف الحكم بخصوص قمع الأصوات المعارضة، تقول الرياضي وتضيف أنه اتخذ أشكالا جديدة تظهر جبن القائمين على هذا الاعتقال، والذين يفتقدون الجرأة لمواجهة الخصوم السياسيين والمعارضين.. وعدت بعض مميزات هذه الأساليب الجديدة، منها: التشهير، التنصت والتجسس والابتزاز، وتهم الحق العام خصوصا ذات الطابع الأخلاقي كالخيانة الزوجية والزنى، والتهم المرتبطة بالعنف الجنسي، والتهم المرتبطة بالنساء كالاغتصاب، والاتجار بالبشر والتي أصحبت تستعمل بكثرة.. فبرز استغلال مقيت للنساء ليس فقط لأنه تم الزج بهن عنوة في هذه القضايا ولكن لأنه كذلك يستغل نبل نضال الحركة النسائية ضد العنف..
وذكّرت الرياضي بمتابعة المعتقلين السياسيين بقوانين يفترض فيها حمايتهم، مثل محاكمة السيدة سعيدة العلمي بقانون يفترض فيه أنه يحمي النساء من العنف، وأيضا التهرب من متابعة الصحافيين بقانون الصحافة الخالي من العقوبات السالبة للحرية فأصبحوا يحاكمونهم بالقانون الجنائي..
المداخلة الثالثة، كانت شهادة حية لأم المعتقل السياسي الدكتور رضى بن عثمان، السيدة رشيدة بارودي، هي “صرخة أم مكلومة تعيش في محنة لا تبقي ولا تذر”، حسب تعبيرها.
واعتبرت أن هذه التجربة التي تجمع نساء فرضت عليهن فرضا وقبلنه طواعية، أعطتهن نفسا قويا وتجربة جديدة في الحياة، داعية لالتحام هذه التجارب من أجل نضال مشترك لتصبح قوة رادعة في وجه المستبد.
وفصلت بارودي في محنتها الشخصية منذ اعتقل ابنها بسبب نشر صورة موجودة على google earth، بتهمة الإرهاب التي ترتبت عنها تهمة المس بالمقدسات باعتبار أن السياسة الخارجية من اختصاص ملك البلاد، وحكم على إثره بأربع سنوات كان لها أثر عميق على الأسرة، حيث أنجبت زوجته طفلتها الثانية شهرين بعد اعتقاله في غياب زوجها..
هذا الوضع لم يترك للأم، حسب قولها، من خيار غير الصمود والعمل اليومي والمثابرة لتثبت للعالم أن ولدها بريء من كل ما نسب إليه، فقصدت الهيئات الحقوقية (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان) التي احتضنتها وساندتها في محنتها..
الشهادة الثانية والتي مثلت موضوع المداخلة الرابعة، كانت للأستاذة عائشة جوزي زوج الدكتور محمد أعراب باعسو، التي حكت قصة اعتقال زوجها وما واكبها من ضغوطات نفسية على العائلة، مؤكدة أن الباطل إلى زوال وأن الحق منتصر ولو بعد حين.
اتفقت عائشة زوجي ما جاء في المداخلات السابقة، كاشفة عن الحملة الإعلامية التشهيرية التي انطلقت منذ الوهلة الأولى لاعتقال زوجها والتي مست أعراض العائلة وشرفها دون أن يتم تحريك أي متابعة ضد هذه المنابر، وهو ما كان له الأثر السلبي على العائلة والمعارف والجيران. إضافة إلى الضغط الكبير الذي مورس عليها قصد تقديم شكاية الخيانة الزوجية ضد زوجها بالرغم من عفته التي يعرفها القاصي والداني والتي لا تشك فيه أبدا، وإنما كان القصد جماعة العدل والإحسان التي ينضوي تحتها، تروي جوزي، يؤكد هذا الأمر الطريقة الغريبة والمبالغ فيها التي تم بها اعتقال الزوج، ثم إحالة الملف إلى الوكيل العام بعد رفضها بشكل قاطع تهمة الخيانة الزوجية ليتم تحويل التهمة إلى الاتجار بالبشر، واستمرار اعتقال الزوج مع تمتعه بجميع ضمانات الحضور، إضافة إلى انتهاء التحقيق الذي تمت إطالة جلساته دون أي مبررات مقنعة..
وأوردت زوجة المعتقل السياسي الدكتور باعسو مجموعة من مظاهر المعاناة المرتبطة بزيارة الزوج وما يعيشه من تضييق داخل السجن بلغت حد الامتناع عن إدخال الدواء له..
يذكر أن اللقاء عرف فتح المجال للمتابعين من أجل طرح تساؤلاتهم التي تمت الإجابة عنها.
وشددت المسيرة الشاوي باسم “مغربيات ضد الاعتقال السياسي” على متابعة النضال إلى حين الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وإنهاء ظاهرة الاعتقال السياسي بالمغرب.