ذ. النويني: الاعتقال السياسي اختيار ممنهج من قبل السلطات المغربية وأسلوب مفضل لديها

Cover Image for ذ. النويني: الاعتقال السياسي اختيار ممنهج من قبل السلطات المغربية وأسلوب مفضل لديها
نشر بتاريخ

قال رئيس الفضاء المغربي لحقوق الإنسان الأستاذ محمد النويني إن الاعتقال السياسي اختيار ممنهج من قبل السلطات المغربية وأسلوب مفضل لديها، مؤكدا أن هذه الظاهرة وما رافقها من انتهاكات جسيمة “لم تغادر المغرب ما بعد الاستقلال”، منبها إلى أن هذا المنهج “استعملته في مواجهة خصومها السياسيين، أمام فشلها في إعمال الوسائل الناعمة من قبيل الاحتواء والإدماج، والتطويع والتحكم من الداخل”.

وأثناء مشاركته، إلى جانب وجوه حقوقية وطنية، في ندوة “الاعتقال السياسي بالمغرب: سؤال الذاكرة والكلفة والمآل” عصر السبت 24 دجنبر الجاري، ضمن فعاليات الذكرى الأربعين لتأسيس جماعة العدل والإحسان، استعرض المحامي بهيئة الدار البيضاء عددا من النماذج وعبر مراحل مختلفة من الزمن السياسي المغربي الحديث، وهي النماذج التي دلّل من خلالها أننا فعلا إزاء “منهج واختيار رسمي” يهم ظاهرة الاعتقال السياسي في المغرب.

وأوضح، في الندوة التي أدار أشغالها المحامي عبد الحق بنقادى وشارك فيها كل من الحقوقيين عبد الإله بنعبد السلام ومحمد الزهاري ومحمد أغناج، والتي انطلقت بكلمة ترحيبية باسم الجماعة ألقاها المهندس لطفي الحساني، أن هاجس السلطوية بالمغرب في القضاء على المعارضة وكبح جماحها، دفعها بعد الستينات إلى “نهج سياسة الأرض المحروقة في مواجهة كل المناضلين بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية”، وضرب لذلك أمثلة عديدة؛ من قبيل معتقلي انتفاضة 16 يوليوز 1963 على رأسهم عبد الرحمان اليوسفي ومحمد الفقيه البصري وعمر بنجلون ومومن الديوري وهم من وصفوا أول دستور بالممنوح، واعتقال المئات من مناضلي الحركة الاتحادية (1971) وهي ما أطلق عليها بمحاكمة مراكش الكبرى وإيقاع عقوبات سالبة للحرية عليهم بل وصلت حالات منها إلى الإعدام، وملف منظمات الحركة الماركسية، وملف محاكمة 3 مارس  1973، واعتقالات الشبيبة الإسلامية سنة 1984 التي طالت 800  شخصا مع صدور 13 حكم بالإعدام من بينها الحكم الصادر ضد مطيع، ومحاكمات جماعة العدل والإحسان في شخص الأستاذ عبد السلام ياسين في 27 دجنبر 1983 والحكم عليه بسنتين نافذة، واعتقال مجلس إرشاد الجماعة والأستاذ عبد الله الشيباني بتاريخ 13 يناير 1990 والحكم عليهم بسنتين نافذة، واعتقالات طلبة وجدة خلال نونبر 1991 والحكم على 12 طالبا ب 20 سنة نافذة .

ونبّه إلى ما رافق هاته الاعتقالات من “أساليب وحشية في التعذيب” من قبل أبرز الجلادين أوفقير، العشعاشي، الدليمي، قدور اليوسفي، الحمياني، بالعديد من المعتقلات سيئة الذكر: دار بريشة، ودار المقري، ودرب مولاي الشريف، تزمامارت، وتافنديلت، والكورنيش، وأكدز، ومكونة…

وانتقل بعد ذلك إلى التنبيه إلى خاصية تميز النظام السياسي المغربي وهي أن الصورة التي  يقدمها من حين إلى آخر تبدو غير واضحة، وتطغى عليها “الضبابية وعدم الاستقرار، فأحيانا يعطي انطباعا بالحركة والتحول وفي وقت آخر يعطي إحساسا بالجمود والثبات، ليبقى التوازن بين الحركة والجمود هي السمة الأساسية للنظام المغربي”. وفي هذا الاتجاه، يضيف الفاعل الحقوقي، نسجل أن النظام المغربي أظهر سنة 1989  بعض الانفتاح ومحاولته لإدماج المعارضة، خصوصا أثناء تصاعد الضغوط الدولية مع نهاية الحرب الباردة، وكذا التحركات التي كانت تقوم بها شخصيات أوربية مرموقة، لفضح ظاهرة الاعتقال السياسي بالمغرب، والحقائق التي كشفها الكاتب جيل بيرو في كتابه الشهير “صديقنا الملك”، وأيضا كتابات افلين السرفاتي زوجة ابراهام السرفاتي، وكتابات مومن الديوري…

وأمام هذا الضغط، يضيف المتحدث، عمدت السلطات المغربية إلى تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سنة 1990، وإنشاء وزارة لحقوق الإنسان في سنة 1993 وتضمين محتشم لمفهوم حقوق الإنسان في دستوري 1992 و 1996. وذكّر أيضا بإصدار الملك عفواً عن أكثر من 400 سجين سياسي، لكن مع استثناء معتقلي طلبة العدل والإحسان الإثنى عشر المحكوم عليهم ب 20 سنة.

وعرج النويني على تجربة تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2004 باعتبارها هيئة غير قضائية أنشئت لتصفية ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفها المغرب من 1956 إلى 1999، بالكشف عن حقيقة حالات الإخفاء القسري والاعتقال السياسي وتعويض الضحايا، وإصدار توصيات لتفادي تكرار الانتهاكات.

لكنه سجل على هذه التجربة أنها لم تتمكن من إصلاح الإطار القانوني والمؤسسي الذي سمح بوقوع هاته الانتهاكات ولمنع تكرارها، ولم تتطرق لملفات العدل والإحسان، من قبيل ملف الأستاذ عبد السلام ياسين الذي قضى 3 سنوات سجنا، ولم تنظر في ملف الأستاذين محمد العلوي وأحمد الملاخ، قضوا ستة أشهر في درب مولا شريف، ولم تلتفت الهيئة إلى ملف طلبة العدل والإحسان المحكومين بعشرين سنة سجنا نافذا دون سند قانوني، وكل هذه الملفات تنتمي للفترة الممتدة بين 1956 و1999 التي تولت الهيئة دراستها والتحقق من الانتهاكات التي ارتكبت خلالها. ناهيك عن انتهاكات جديدة حدثت في فترة انتداب هيئة الإنصاف والمصالحة (أكثر من 2000 معتقل على خلفية أحداث 16 ماي  2003)، وفي نفس المرحلة جاءت اعتقالات الأبواب المفتوحة أكثر من 7000 موقوف وموقوفة، والمختطفين السبعة بفاس وما تعرضوا له من تعذيب جسدي ونفسي بمقر الفرقة الوطنية بالدار البيضاء سنة  2010.

وعرج المتدخل أيضا عددا من النماذج والأمثلة، كمسارعة الدولة إلى تبني دستور 2011 ، تدعي فيه “تشبتها بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليه عالميا” في سياق بروز حركة 20 فبراير سنة 2011 بالمغرب في إطار رياح الربيع العربي، لكن للأسف، يضيف، بقي حبيس التشريع والتقنين دون التنزيل والتطبيق على أرض الواقع. وكإنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي تعرض لانتقادات بدوره من طرف عدد من الحقوقيين لأنه لم يقم بالكشف عن عديد من الملفات المرتبطة بالاختفاء القسري، ولعدم تجاوبه مع التظلمات التي يرفعها المواطنون ضد السلطة الحكومية، أو التظلمات التي تكون الدولة طرفا فيها.

واعتبر المحامي والحقوقي النويني أن الانفراج  النسبي الذي عرفه المغرب إبان حركة 20 فبراير لم يدم طويلا، حيث شهدت الحقوق المدنية والسياسية ما بعد 2014 ترديا وتراجعا كبيرين، وهو ما عدّه “يعكس البون الشاسع بين الخطاب الرسمي والممارسات السلطوية في قمع الاحتجاجات السلمية واعتقال الصحفيين والمدونين ونشطاء الحراك الاجتماعي وكذا المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان”.