أعلن فاعلون حقوقيون عصر اليوم، الجمعة 21 يناير 2022 تأسيس مكون جديد يعزز المشهد الحقوقي، يروم نشر ثقافة حقوق الإنسان والعمل على الحد من انتهاكها ومساندة الضحايا، اختار له مؤسسوه اسم “الفضاء المغربي لحقوق الإنسان”.
السياق ودوافع التأسيس
الإعلان الذي نُظمت من أجله ندوة صحافية في المقر المركزي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بالرباط، وحضرها صحفيون وفاعلون حقوقيون ومدنيون، تميز بتقديم تقرير شامل عن “وضعية الحقوق والحريات بالمغرب”، وأطرها أعضاء المكتب التنفيذي الأساتذة محمد النويني وعلي المغراوي ومحمد الصروخ وأدار أشغالها الأستاذ عبد الحق بنقادى.
وقال رئيس “الفضاء المغربي لحقوق الإنسان” الأستاذ النويني إن التأسيس جاء ثمرة سنة ونيف من التفكير والتداول، مع ثلة من النشطاء الحقوقيين الذين يؤمنون برسالة الدفاع عن الحقوق والحريات، والذين يسعون إلى التعاون والتنسيق مع المؤسسات والجمعيات ذات الأهداف المشتركة، بغية “نشر وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان، ورصد الانتهاكات الحقوقية المتنوعة، والعمل على الحد منها ومساندة ضحاياها، وتنبيه مرتكبيها في حدود إمكاناتها”.
وأوضح أن أهداف الفضاء المغربي لحقوق الإنسان تتقاطع مع أهداف باقي مكونات الحركة الحقوقية “الساعية لتشكيل قوة اقتراحية ضاغطة، من أجل الارتقاء بحقوق وكرامة الإنسان بالمغرب، ونشدانا للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية”.
وبخصوص سياق انعقاد الندوة فقد أكد المحامي بهيئة الدار البيضاء أنها تنعقد في ظل ظرفية دولية تواجه فيها قضية حقوق الإنسان تحديات كبيرة؛ ذلك أن الاستخفاف بحقوق الإنسان ينتشر على نطاق واسع، حيث “الانتهاكات الفظيعة والممنهجة لحقوق الإنسان؛ وتفشي الإفلات من العقاب؛ وتصاعد خطاب الكراهية، والإقصاء والتمييز؛ والاستقطاب الاجتماعي، وعدم المساواة في الحصول على الموارد والفرص… إلى غير ذلك من الخروقات”. أما على المستوى المحلي فسجل استمرار الاعتقالات بسبب الرأي وارتفاع في عدد المحاكمات السياسية ومحاكمات الرأي وانتهاك معايير المحاكمة العادلة خاصة مع الصحفيين والمدونيين رغم المناشدات والنضالات والإضرابات عن الطعام المستمرة، واستمرار التضييق على حرية الرأي والتعبير وقمع الصحافة الحرة.
كل هذه السياقات، ناهيك عن الظروف والقيم الإنسانية المشتركة، رآها النويني ينبغي أن تكون “مصدرا للوحدة، لا للانقسام”؛ إذ يجب أن “نمد الناس بالأمل والإسناد ونقدم لهم رؤية لما يمكن أن يحمله المستقبل… ينبغي تحويل الأمل إلى عمل ملموس له تأثير حقيقي في حياة الناس والإنسانية جمعاء”.
أجواء الندوة الصحافية
الندوة الصحافية لـ “الفضاء المغربي” التي كانت بمثابة إعلان التأسيس، حضرها عدد من المنابر الإعلامية وعدد من الحقوقيين البارزين في مقدمتهم الحقوقي عبد الرزاق بوغنبور، ومحمد الزهاري وربيعة بوزيدي وهشام قنديل وأبو الشتاء مساعف، وغيرهم، كما حضرها بعض عائلات المعتقلين، أبرزهم والدة المعتقل السياسي نور الدين العواج.
ويرى الحقوقي المغربي البارز الأستاذ عبد الرزاق بوغنبور في تصريح خص به موقع الجماعة أثناء حضوره للندوة، أن الحركة الحقوقية اليوم على أقسام، منها ما هو مواز للدولة تتبناها وتدعمها، ومنها ما يظهر في الساحة مكون من نشطاء حقوقين معروفين هدفهم دعم العمل الحقوقي الجاد باعتماد الآليات الدولية. ومن بينها “الفضاء المغربي لحقوق الإنسان” الذي أعلن عن تأسيسه اليوم، وهو يعتمد على مقاربتين؛ الأولى هي اعتماده على المرجعية الدولية في حقوق الإنسان، والثانية هي اعتماده على تقارير وضعية حقوق الإنسان في المغرب.
وشدد بوغنبور على أن المنظمة التي لا تضع تقارير عن حقوق الإنسان لا وجود لها في حين أن هذا المولود الجديد استهل تأسيسه بتقرير شامل عن وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، وهو ما سيجعل منه إضافة نوعية داخل المشهد الحقوقي الذي يحتاج المزيد من التشبيك والعمل المشترك من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب.
من جهته قال الحقوقي المغربي الدكتور محمد الزهاري لموقع الجماعة: “نحن لا يمكن لنا إلا أن نرحب بأي مبادرة في إطار تأسيس جمعية حقوقية لتعزيز المشهد الحقوقي الوطني، والتصدي لمنسوب التجاوزات الذي ارتفع منذ سنوات”، وأضاف “نحن لى المستوى الوطني في حاجة إلى أي مبادرة ممكن أن تسهم في وقف هذه التجاوزات وفضحها، وكل من يمكن أن يصنف في خانة المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان في شموليتها وكونيتها”.
ووضح الزهاري أن المغرب بشساعته وبتنوع مرجعيات نشطائها الحقوقيين في حاجة إلى هذه المبادرة، لأنه في نهاية المطاف كل من يمكن أن يتخذ قرار الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة والتصدي لهذه الممارسات لا يمكن إلا يرحب به بشكل من الأشكال.
ملخص تقرير “الفضاء المغرب” لوضعية حقوق الإنسان بالمغرب
تقرير الفضاء المغربي الذي تلا ملخصه في الندوة نائب الرئيس، الدكتور علي مغراوي، أوضح أن العنوان الأبرز لحالة حقوق الإنسان ببلادنا هو “استغلال السلطات العامة بشكل ممنهج لجائحة كورونا لتكريس مزيد من السلطوية والإجهاز على العديد من الحقوق والحريات مع الإصرار على ترسيم المقاربة الزجرية للتعاطي مع مطالب الشعب المغربي بكل فئاته”.
واعتبر التقرير أن حالة الطوارئ الصحية، “شكلت ذريعة غير مقبولة للدولة للاستمرار في انتهاك العديد من الحقوق والتنصل من الكثير من الأدوار والمهام الأساسية الموكولة لها للنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية خاصة أمام تداعيات جائحة كورونا وما خلفته من آثار صعبة كان لها بالغ الأثر على الأوضاع العامة للمغاربة”.
وأكد تقرير الفضاء أن السياق العام المميز لوضعية حقوق الإنسان خلال سنة 2021 على المستوى الدولي والإقليمي والوطني تميز بخصائص وسمات، “شجعت على انتهاك الحقوق والحريات”، مشددا على أن هذا المحيط شجع الصهيونية على الاستثمار في التطبيع كخيار استراتيجي “لتبييض انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي ضد الشعب الفلسطيني ومواصلة ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية” من احتلال واستيطان وسياسة الأبرتايد واضطهاد جماعي ضد الفلسطينيين، وتهجير وحصار واعتقالات عشوائية وتعذيب للأسرى والأسيرات.
وسجل التقرير ما وصفه بـ “تراجع” حماية حقوق الإنسان من طرف المؤسسات والآليات الدولية الرسمية التابعة للأمم المتحدة، مردفا أنها “أضحت مرتهنة لسياسات نظام دولي غير عادل”.
وانتقد تزايد وتيرة قمع الحريات والاعتداء على المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان مع استمرار الاستثمار في أسلوب التشهير “الذي أصبح منهج دولة وبأدوات وعناوين مكشوفة”.
كما سجل مواصلة الاعتقالات بسبب الرأي وارتفاع في عدد المحاكمات السياسية ومحاكمات الرأي وانتهاك معايير المحاكمة العادلة خاصة مع الصحفيين والمدونيين رغم المناشدات والنضالات والإضرابات عن الطعام المستمرة واستمرار التضييق على حرية الرأي والتعبير وقمع الصحافة الحرة .
ومن السمات التي جاء فيها هذا التقرير “استمرار الدولة في توظيف مجموعة من القوانين المفصلة على مقاس السلطة بهدف تضييق مجال الحريات”.
وبخصوص الانتهاكات المرتبطة بالحق في الحياة اعتبر الفضاء المغربي أن العديد من الملفات المرتبطة بهذا الموضوع لازال يكتنفها الصمت والغموض، مع استمرار الدولة في التستر على الجناة دون الكشف عن الحقيقة وجبر ضرر العائلات المكلومة.
أما ما يتعلق بالحق في التنظيم والتجمع، انتقد تقرير الفضاء المغرب “استمرار السلطات العامة في التضييق الممنهج على الحريات العامة ومحاصرة العديد من الهيئات والتنظيمات السياسية والحقوقية والمدنية بسبب مواقفها المعارضة لسياساتها”.
وقال تقرير الفضاء بخصوص الحق في التظاهر السلم، إن هذه السنة استمرت فيها التدخلات العنيفة المفرطة وغير المبررة في استعمال القوة من طرف القوات العمومية، في حق مجموعة من المسيرات والوقفات والتظاهرات السلمية، فضلا عن استمرار الاعتقال السياسي والتضييق على المدافعات والمدافعين على حقوق الإنسان.
ووقف التقرير في شقه الثاني على تدهور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في ظل جائحة كورونا الذي وصفه بـ “المقلق“. ويزداد الأمر قلقا وفق تقرير الفضاء، مع تنصل الدولة من أدوارها الأساسية في مجموعة من المجالات. أهمها الحق في الشغل، الحق في التعليم والحق في الصحة.
وشدد تقرير الفضاء على أن السلطات خلال حالة الطوارئ الصحية، رفعت وتيرة الإجهاز على الحقوق والحريات وأصرت على تبني النهج السلطوي، وترسيم المقاربة الأمنية من خلال سن قوانين وإجراءات وتدابير لكتم كل الأصوات الحرة، “والملاحظ أيضا أن الدولة تدافع بكل شراسة عن هذا التوجه وتحارب من ينتقد هذه المقاربات البعيدة كل البعد عن شعار دولة الحق والقانون”.
ودعا الفضاء كل الفاعلين والناشطين الحقوقيين إلى تنسيق الجهود وتوحيد المبادرات والخطوات الرامية إلى الدفاع عن الحقوق والحريات ومواجهة جميع أشكال السلطوية والتعسف والشطط وخرق القانون.