مؤسسة الإمام عبد السلام ياسين تنظم مؤتمرا علميا دوليا حول موضوع حقوق الإنسان

Cover Image for مؤسسة الإمام عبد السلام ياسين تنظم مؤتمرا علميا دوليا حول موضوع حقوق الإنسان
نشر بتاريخ

نظمت مؤسسة الإمام عبد السلام ياسين للأبحاث والدراسات، يوم أمس الأحد 13 أبريل 2025، مؤتمرها العلمي الدولي الرابع في موضوع: “حقوق الإنسان بين الإلزام المبدئي والتوظيف المصلحي”.

وقد شارك في أشغال المؤتمر، الذي تم تنظيمه عن بعد، ثلة من الباحثين الأكاديميين من داخل المغرب وخارجه، وتميّز بعرض 16 ورقة علمية عالجت موضوع حقوق الإنسان من مقاربات وزوايا متنوعة.

الجلسة الافتتاحية.. توجهات المشاركين وسياقات انعقاد المؤتمر

افتتح الأستاذ الدكتور أحمد الفراك مجريات الجلسة الافتتاحية، التي تعطرت بقراءة طيبة للقارئ المجود الدكتور عبد الإله بالقاري، قبل تمرير الكلمة للمدير التنفيذي لمؤسسة الإمام عبد السلام ياسين للأبحاث والدراسات، الأستاذ الدكتور عبد الباسط المستعين الذي رحب بالضيوف والمشاهدين وأوضح سياقات انعقاد المؤتمر وحيثيات اختيار الموضوع، لافتا إلى أنه يأتي ضمن برنامج المؤسسة الذي يندرج في سلسلة مؤتمرات درجت المؤسسة على تنظيمها منذ سنة 2012، ووضح أن تخصيص هذا المؤتمر بموضوع حقوق الإنسان بين المبدئية والمصلحية، هو استجابة لواقع لا يمكن حجبه رغم قدمه؛ حيث استفاقت الإنسانية المستباحة اليوم على حقيقته الناصعة وسارعت إلى إنكاره كل العقول النيرة المتحررة من قيود التعصب الإيديولوجي المقيت، والكامن في كيفية تعامل المجتمع الدولي مع حرب الإبادة الشعواء التي يشنها الجيش الصهيوني الغاشم منذ ما يزيد عن السنة والنصف دون حسيب ولا رقيب، بينما إذا تعرض الرجل الغربي الأبيض لأبسط خدش تقوم الدنيا ولا تقعد بالإدانة والاعتراض وتعبئة الجهود والجيوش لصد الاعتداء حقيقيا كان أم مفتعلا.

وفي كلمته في هذه الجلسة الافتتاحية، أشار الأستاذ الدكتور زكريا السرتي، أمين سر المؤتمر إلى أن الحدث جاء ليتفاعل مع ما تعيشه الأمة وفلسطين خاصة، إذ بادرت المؤسسة إلى إعلان المؤتمر منذ ما يقارب السنة، وتفاعل عدد كبير من الباحثين في حقوق الإنسان بأبعادها المختلفة؛ في القانون والعلوم السياسية وفي القضايا الفكرية والسياسية، مع فكرة المؤتمر، وأرسلوا مجموعة من الأبحاث والملخصات باللغتين الإنجليزية والعربية في دول مختلفة قبل منها بعد التحكيم عدد من الباحثين من المغرب وفلسطين وتركيا والهند وبلدان مختلفة. ثم شكر جميع الباحثين ممن قبلت أوراقهم وممن لم يوفقوا للاستجابة للمعايير العلمية للمؤتمر.

الجلسة العلمية الأولى: حقوق الإنسان من المنظورين الغربي والإسلامي

الجلسة الأولى التي أدار أشغالها الدكتور أحمد الفراك، خصصت لنقاش موضوع “حقوق الإنسان من المنظورين الغربي والإسلامي”، شارك فيها كل من الدكتور إسماعيل محمد شندي (عمايره) أستاذ الفقه المقارن بجامعة القدس المفتوحة بفلسطين، والدكتور عبد الصمد الرضى أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، والأستاذة نورة الفضيلي الباحثة بجامعة مولاي إسماعيل بالرشيدية، والدكتور محمد الخواتري الباحث في قضايا التجديد في الفكر الإسلامي، والدكتور البشير قصري الباحث في الفكر الإسلامي المعاصر ومقاصد الشريعة الأكاديمية.

في مداخلته التي حملت عنوان “دور التشريعات النبوية في رعاية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية – حق الكرامة أنموذجا”، بين الدكتور إسماعيل محمد شندي مفهوم الحريات الأساسية في الإسلام ورعاية التشريعات النبوية لها، وأبرز دور هذه التشريعات في ترسيخ الحقوق عامة وحق الكرامة خاصة وأهميتها في بناء الإنسان ورعاية حقوقه الأساسية وتفوقها على باقي التشريعات. ووزع مداخلته وأفكاره على أربعة مباحث: مفهوم الحقوق والحريات الإنسانية وأهميتها وأسسها وخصائصها، أنواع الحقوق والحريات ورعاية التشريعات الإسلامية لها (حق الحياة، حق الحرية، حق الأمن…)، مفهوم الكرامة الإنسانية وأهميتها، مظاهر تكريم الإنسان في الإسلام ودور التّشريعات النّبوية في رعاية حق الكرامة الإنسانية.

أما المداخلة الثانية، فخصصها الدكتور عبد الصمد الرضى لمعالجة موضوع “الحقوق العليا للإنسان ومقتضياتها بين المنظور الغربي والإسلامي”، إذ أوضح أن مسألة الحقوق تزداد أهمية لثلاثة أسباب: تنامي الحديث عن المشترك الإنساني، والتطورات التكنولوجية الهائلة، والتحولات الكبرى التي فرضها الواقع بعد طوفان الأقصى وما نراه من تشريد الإنسان. وقسم مداخلته على ثلاثة مباحث: حق الإنسان في الكرامة، وحقه في الحرية، وحقه في الهداية. مشددا على رعاية الإسلام لما أسماها الحقوق الثابتة المتعلقة بالإنسان بغض النظر عن دينه وهويته ومرجعيته وعرقه. وختم مداخلته بتوصيات منها: الاعتراف بالقيم المشتركة، والتوفيق بين المبادئ العالمية والخصوصيات المحلية، وتعزيز التواصل والحوار حتى يتم ترسيخ الحقوق والاعتراف بها.

وتحت عنوان “حقوق الإنسان في الفكر الغربي والإسلامي الأسس الفكرية والفلسفية” اعتبرت الأستاذة نورة الفضيلي أن ما يحدث في الأراضي الفلسطينية اختبار صارخ لحقوق الإنسان كما أقرها الفكر الغربي، وعرجت في حديثها على ثلاثة محاور رئيسية: حقوق الإنسان دراسة في المفهوم والخصائص، أسس حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي، الأسس الفلسفية لحقوق الإنسان في الفكر الغربي، لتنهي عرضها بمظاهر الاختلاف بين الإسلام والفكر الغربي. وفي الوقت الذي أشارت فيه إلى أن حقوق الإنسان من الحقوق التي تجمع بين الأمم باعتبارها إطارا يعكس تطلعات البشر نحو الحرية والعدالة والمساواة، وباعتبارها أحد الأسس التي تبنى عليها المجتمعات، أكدت أن الإسلام قدم رؤية متكاملة لحقوق الإنسان؛ فقد كرم الإنسان بحميع الحقوق وجعلها ثابتة وغير قابلة للتغيير، منوهة إلى أن القرآن ليس نصا دينيا معنيا بالعبادات فقط بل إطارا شاملا للحقوق بمختلف صورها.

“المقاربة المقاصدية لحقوق الإنسان في الإسلام من أصالة الحفظ إلى واقعية الطلب” كان عنوان مداخلة الدكتور محمد الخواتري، حيث قسم ورقته إلى محاور ثلاثة: التأسيس المقاصدي لحقوق الإنسان زمن النبوة، مقصد حقوق الإنسان في التاريخ الإسلامي من الحفظ إلى التبديد، مجالات تحقق مطلب حقوق الإنسان في السياق الإسلامي وبواعثها. وأشار إلى أن استقراء نصوص القرآن والسنة يبرز الاحتفاء والتكريم بهذا الإنسان دون سائر المخلوقات، وعن هذا الحق والتكريم تفرعت سائر الحقوق. قبل أن يقف طويلا عند الانقلاب على هذه الحقوق التي باتت مغيبة بسبب الانقلاب في نظام الحكم، مشيرا إلى تقاصر جهد علماء الأمة على التنبيه إلى خطورة هذا الانقلاب على المقاصد والحقوق، وداعيا إلى ضرورة الانتقال من صيغة الحفظ إلى صيغة الطلب باعتبار أن تلك الحقوق غائبة اليوم.

المداخلة الأخيرة في المحور الأول جاءت بعنوان “حقوق الإنسان في العالم الإسلامي: بعيدا عن التهيب والتسيب”، وفيها أكد الدكتور البشير قصري أن الثقافة التي ينتمي إليها الإنسان المسلم هي ثقافة مناهضة للاستبداد. وقسم بحثه إلى أربعة مباحث: مفهوم حقوق الإنسان وتطوره في السياقين الإسلامي والغربي، واقع حقوق الإنسان بالعالم الإسلامي، انحرافات المتسيبة وتحفظات المتهيبة، قواعد التوسط والتقصد لتجاوز التسيب والتهيب. ورغم تأكيده على أهمية الجهود التي تبذل في العالم الإسلامي لتحقيق تحسن في الحقوق، إلا أنه أكد على أن الوضع الحقوقي في العالم الإسلامي رسب في الامتحانات التطبيقية. واقفا عند سمات وأفكار فئة أقامت تهيبا وتخوفا من التعاطي مع هذه الحقوق وفئة انتهجت التسيب. وبعد أن أشار إلى ضرورة تخلص الفكر الإسلامي من مأسورية السلف أو الغرب، حذر من مزلقي إعادة تفسير الإسلام وفق الحقوق ذات الأصل العلماني، ووضع الإسلام موضع اتهام بناء على واقع الإنسان المسلم.

الجلسة الثانية: حقوق الإنسان بين الإلزام المبدئي والتوظيف المصلحي
Human Rights: Balancing Principle-based Obligation and Utilitarian Application
الجلسة الثانية، التي أدارها الأستاذ لحسن شعيب، جرت أطوارها باللغة الإنجليزية، حيث تطرق ثلة من الباحثين من داخل المغرب وخارجه إلى العديد من الأفكار التي ترتبط بمحور الجلسة.

1. Beyond Legal Frameworks: How Societal Factors Shape Women’s Rights in Western and Muslim-Majority Nations – Dr. Mohamed EL GHAZI, Ibn Zohr University – Morocco
قدّم الدكتور محمد الغازي، من جامعة ابن زهر، قراءة مقارنة في حقوق المرأة بين المجتمعات الغربية وتلك ذات الأغلبية المسلمة، ناقدًا الفرضية القائلة بتفوق الغرب. وبيّن أن السياقات الدينية والثقافية والعائلية في المجتمعات المسلمة تلعب دورًا تعويضيًا أمام غياب تشريعات دقيقة، بعكس المجتمعات الغربية التي تمتلك أطرًا قانونية لكنها تفتقر أحيانًا للفعالية الواقعية. كما تناول المفارقة بين القانون والممارسة، واقترح إطارًا تحليليًا مستندًا إلى نظرية الإمام عبد السلام ياسين في تجديد الدين. واختتم بدعوة إلى نموذج هجين لحقوق الإنسان يجمع بين المبادئ الإسلامية والفعالية التطبيقية.

2. Human Rights after the Palestinian Deluge: Who’s the Human? Whose Right? – Dr. Mounir BIROUK, Ibn Zohr University – Morocco
انتقد الدكتور منير بيروك من جامعة ابن زهر التوزيع غير العادل لحقوق الإنسان، مستشهدًا بما يحدث في غزة بعد 7 أكتوبر بوصفه دليلاً صارخًا على ازدواجية المعايير الغربية. وأكد أن الاكتفاء بتكرار نقد هذه الازدواجية لم يعد كافيًا، بل لا بد من الغوص في الجذور البنيوية التي تجعل الخطاب الغربي “الإنساني” متواطئًا مع الإبادة. وطرح تساؤلات فلسفية حول من يُعد “إنسانًا” في منطق هذا الخطاب، ومن تُحمى حقوقه فعلًا. كما دعا إلى اغتنام لحظة الألم التاريخي هذه لإعادة بناء نموذج إنساني كوني حقيقي، يقوم على العدل والإنصاف، لا على شعارات جوفاء.

3. Human rights and freedoms in diverse societies – Mr. Ashif. Mekden, Indira Gandhi National Open University New Delhi – India

تناول السيد أشيف ميكدن، من الجامعة الوطنية المفتوحة بنيودلهي، مسألة تطبيق حقوق الإنسان في المجتمعات المتنوعة، مركزًا على الجدل القائم بين الكونية والنسبية الثقافية. وأوضح أن دعاة الكونية يرون وجوب تطبيق الحقوق بالتساوي في كل مكان، بينما يرى أنصار النسبية أن الحقوق ينبغي أن تُفهم ضمن السياقات الثقافية والدينية المحلية. وبيّن أن هذا الخلاف يحتدم في قضايا مثل حقوق المرأة، والمثلية، والحرية الدينية. كما أشار إلى أن تطبيق الحقوق يختلف باختلاف النظم السياسية والثقافات المحلية والموارد الاقتصادية. واختتم بدعوة إلى مقاربة متوازنة تحترم القيم الإنسانية المشتركة دون تجاهل الخصوصيات الوطنية والثقافية.

4. Minority education challenges in India – A special study on Muslim minority – Mr. Mujeeb Rahman MP, Jamia Jalaliyya – India
تطرق السيد مجيب الرحمن، من جامعة جامع الجلالية بالهند، إلى التحديات التي تواجه الأقليات المسلمة في بلاده، مسلطًا الضوء على أشكال التمييز المتعددة التي تطالهم في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية. وأوضح أن هذه الفئة تعاني من تهميش ممنهج رغم ما تنص عليه الدساتير الوطنية والقرارات الدولية من ضمانات، مشيرًا إلى محدودية تطبيق توصيات الأمم المتحدة. كما أشار إلى أهمية البحث الميداني لتشخيص واقعهم الحقيقي. واختتم مداخلته بالتأكيد على أن الحق في التعليم هو أحد أبرز حقوق الإنسان المنتهكة، وأنه يشكل مدخلًا أساسيًا لتحقيق الكرامة والعدالة.

الجلسة الثالثة.. حقوق الإنسان وازدواجية المعايير لدى الغرب

افتتحت الجلسة الثالثة، التي سيرها الدكتور عبد الرحمن الشعيري منظور، بمداخلة الدكتورة صباح العمراني الباحثة في العلوم السياسية، التي عنونتها بـ”ازدواجية المعايير الحقوقية عند الغرب نموذج غزة”، اعتبرت فيها أن العدوان المستمر على غزة من أكثر الأمثلة وضوحا على هذه الازدواجية التي يتعامل بها الغرب مع موضوع حقوق الإنسان، لافتة إلى أن هذا التناقض في التعامل يثير تساؤلات عديدة حول معايير الغرب الإنسانية والسياسية، وعن الأسباب المحتملة لهذه الازدواجية المقيتة ومدى تأثيرها على السلم والأمن العالميين، كما أنه يسائل فعالية الآليات الأممية في ضمان حقوق الإنسان ومحاربة الانتهاكات الصارخة.

أما الدكتور محمد مجدي قويدر الفلسطيني المقيم بتركيا، عضو رابطة علماء فلسطين ومدير تحرير مجلة المرقاة، فقد خصص مشاركته لموضوع “ازدواجية معايير الغرب في التعامل مع طوفان الأقصى”، وأكد أن معركة الطوفان كشفت ازدواجية في معايير الغرب والكيل بمكيالين والانتقائية في التعامل مع القضايا المماثلة، لافتا إلى أن الدول الكبرى التي طالما تغنت بحقوق الإنسان وزعمت زورا وبهتانا احترامها للقوانين؛ صمتت صمت القبور وصمت آذانها عن السماع وعميت عن رؤية الحقائق الماثلة للعيان إزاء ما ترتكبه إسرائيل من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وجرائم الحرب والإبادة الجماعية والتهجير القصري واستهداف المدارس والمستشفيات…

وفي المداخلة الثالثة ضمن هاته الجلسة، تحدث الدكتور الزبير محمود سابع الزبير بالاشتراك مع الدكتور شرفي عيسى علي عبد الله، وهما أستاذان مساعدان ومتعاونان من جامعة قضارف في السودان، عن “حقوق الإنسان بين الحاجة الإنسانية والمجتمعية والتوظيف المصلحي”، وقد تحدثا في هذه الورقة عن انعكاسات التوظيف السياسي لمبادئ حقوق الإنسان على السيادة الدولية، وشددا على أن هذه المبادئ تنطلق من الحاجة الإنسانية والمجتمعية، وذلك بمحاولة إيجاد توازن بين حقيقة هذه المبادئ والحاجة إليها، ثم المحافظة عليها وحمايتها من أي انتهاك، وهو ما يتطلب أن تكون كل الأفعال والأحوال لصالح كرامة الإنسان في ذاته، لأن حقوق الإنسان متكاملة بين بني البشر بصرف النظر عن جنسيتهم ومكان إقامتهم أو أصلهم الإثني والعرقي أو ألوانهم أو دينهم…

وخص الأستاذ محمد النويني المحامي والباحث في القانون الدولي الإنساني ورئيس الفضاء المغربي لحقوق الإنسان؛ “المقاومة الفلسطينية، بين شرعية القانون الدولي ومنزلق ازدواجية المعايير السياسية” بالحديث، موضحا أن شرعية المقاومة الفلسطينية والمقاومة بصفة عامة، تنبثق من حق الشعوب والأمم في تقرير المصير وفي تحرير الأرض، وهو حق غير قابل للتصرف ويعطي الشرعية للمقاومة المسلحة كوسيلة للوصول إلى حق تحرير الأرض ودحر المستعمر ثم حق تقرير المصير، الذي صنف من أهم المبادئ التي تضمنها ميثاق الأمم المتحدة لسنة 1951. مشيرا إلى أن هذا الحق صنف على أنه أحد أهم مبادئ القانون الدولي الإلزامي الذي لا يمكن إخضاعه لمنطق موازين القوى، حيث ورد هذا المبدأ في العديد من المعاهدات الدولية لاحقا.

في المشاركة الخامسة التي حملت عنوان “الطبيعة السياسية لحقوق الإنسان الدولية” اختار الدكتور المصطفى بنموسى، الباحث في العلاقات الدولية والمحاضر بجامعة محمد الأول بوجدة، معالجة الإشكالات المرتبطة بالمعايير المزدوجة من قبل الدول الغربية التي تتغنى بحقوق الإنسان في مرحلة ما ثم تتغاضى عنها في مراحل أخرى، عبر ثلاثة محاور؛ تناولت المعايير المزدوجة في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، مفسرا هذا السلوك بأسباب عدة منها اعتبار الدول المهيمنة القضية الإنسانية مجرد وسيلة للضغط على الدول التي لا تتوافق مع سياساتها، أو استعمالها كوسيلة لتبرير التدخل العسكري في دول بعينها، أو عبر الدعم المقدم للأنظمة الاستبدادية التي تتهم بانتهاك هذه الحقوق.. وقد مثل لذلك بعدة أمثلة منها ما يقع حاليا من إبادة شنيعة في غزة وما يصاحبها من انتهاكات حقوقية أظهرت التحيز المفضوح لدولة المحتل الإسرائيلي.. ازدواجية أحدثت تأثيرات سلبية على المستوى العالمي؛ تمثلت في الطعن في المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان، إضعاف المنظمات الدولية، نهاية الوصاية الأخلاقية للغرب، مع الانكشاف الأخلاقي وسقوط شعارات حقوق الإنسان..

المشاركة السادسة، حول “المؤسسات الأممية وتحديات الموازنة بين الحاجيات الإنسانية ورعاية مصالح الدول الداعمة”، التي تشارك فيها الأستاذ رشيد صبور الباحث في التاريخ والدكتور هشام بن محمد الباحث في الاقتصاد وقضايا الحكامة والتنمية البشرية، تحدثت عن البون الشاسع بين النظرية والممارسة في مجال حقوق الإنسان، وأبرزت علاقة تأثير الدول المانحة اقتصاديا وسياسيا على المؤسسات الحقوقية الدولية، عبر سياسة التجميد (حق الفيتو)، سياسة التنديد (الفارغة من أي فعل حقيقي على أرض الواقع)، سياسة التهديد والضغط الاقتصادي، عبر إيقاف المساعدات للدول الرافضة لسياستها (قرار أمريكا وقف مساعدات جنوب إفريقيا بسبب متابعتها المجرم الإسرائيلي، وانتهاجها سياسة الدعم المشروط لهيئات الإغاثة (الأونروا..)، والضغط الاقتصادي على الدول بسبب تغول الشركات المتعددة الجنسية التي تعد أذرعا لها. الورقة سلطت الضوء على بعض الآليات التي من شأنها أن تحد من سياسة الكيل بمكيالين؛ منها اقتراح استراتيجيات عبر المدخل السياسي والقانوني وأيضا الاقتصادي، العمل على إنهاء الهيمنة على القرار الأممي بزيادة مقاعد للدول الإسلامية في الهيئات الدولية، توسيع نطاق المسائل الإجرائية خصوصا في المسائل التي تشكل تهديدا للسلم العالمي، توطين البدائل وتفعيل المقاطعة الاقتصادية لصد الهيمنة..

واختتمت هذه الجلسة بطرح حول “حقوق الإنسان وحرياته في عالم ما بعد طوفان الأقصى”، ألقاه الأستاذ عبد القادر فرطوطي الباحث في الفكر الإسلامي المعاصر، تحدث فيه أيضا عن حقوق الإنسان بين الالتزام المبدئي والتوظيف السياسي، الذي بدا جليا بعد طوفان الأقصى. تطرقت الورقة المطروحة إلى تعريف الحقوق والحريات والغرض منها نظريا وتطبيقيا، ثم بعض سياقات وآليات التوظيف السياسي للحقوق في ظل النظام العالمي السائد وآثاره الإنسانية والأخلاقية بعد طوفان الأقصى ونتائجه المحلية والدولية، ثم آليات التصدي للتوظيف السياسي السلبي لحقوق الإنسان على المستويات الفكرية والتشريعية. وخلص الباحث إلى بعض الاستنتاجات وختم ببعض التوصيات، منها: ضرورة تعزيز استقلالية المؤسسات الحقوقية، تكوين هيئات دولية مستقلة، العمل على تعزيز الحماية القانونية للفاعلين في حقوق الإنسان، السهر على تطوير مواثيق دولية ملزمة على مستوى التنفيذ ودعم آليات المحاسبة الدولية وتجويد العمل…

الجلسة الختامية: توصيات المؤتمر

أنهى المؤتمر أشغاله بجلسة ختامية أشاد في كلمتها الأولى الدكتور عبد الباسط المستعين، المدير التنفيذي لمؤسسة الإمام عبد السلام ياسين للأبحاث والدراسات، بكافة الباحثين الذين قدموا دراساتهم لهذه المأدبة العلمية التي كان الهدف الأهم منها استنهاض همم الباحثين الذين لابد أن يكون لهم دور في الفهم والتوجيه في الأحداث الجارية، ليعلن نتائج النسخة الثانية من جائزة المنهاج النبوي، حيث فاز الباحث الأستاذ يوسف بربيط من المغرب في صنف الكتب، والدكاترة عبد الصمد المساتي (المرتبة الأولى) ومحماد رفيع (المرتبة الثانية) وسمير زردة (المرتبة الثالثة) في صنف المقالات العلمية المحكمة المنشورة بين سنتي 2020 و2024، في حين تم حجب الجائزة في صنف الرسائل نظرا لعدم استيفائها للمعايير المحددة في قانون الجائزة.

وعرض في الثانية الدكتور عبد الصمد المساتي، المقرر العام لأشغال المؤتمر، أهم خلاصات وتوصيات المؤتمر، ومنها:

– التأكيد على أن مسألة حقوق الإنسان قضية تهم الإنسانية جمعاء سواء في النظر أو الممارسة.

– الاعتراف بالقيم المشتركة خاصة الكرامة والعدل والحرية وتعزيزها واعتبارها أساسا للتعاون المستقبلي بين الأجيال.

– التوفيق بين المبادئ العالمية والخصوصيات الثقافية..

– تعزيز الحوار بين مختلف الفاعلين في مجال حقوق الإنسان لتطوير فهم أعمق للحقوق وتطبيقها بشكل عادل…

طالع تفاصيل أكثر عن أشغال المؤتمر

تعرف أكثر على مؤسسة الإمام عبد السلام ياسين للأبحاث والدراسات