صناعة الحرية (51).. عبد الله ساعف: ياسين مناضل سياسي

Cover Image for صناعة الحرية (51).. عبد الله ساعف: ياسين مناضل سياسي
نشر بتاريخ

السياسيون… وياسين

عبد السلام ياسين في الحقيقة، رجلٌ لا يتوقف عن الحضور المسؤول في أداء واجبه الرسالي، في حله وترحاله، في حريته وحصاره، عاش قاصدا في تفكيره وواحدا في نظره، يقصد في مشيه وهو يحلل ظاهرة ما أو يبدي موقفه من قضية ما، ويرتب أولوياته بحسب الغاية التي يسعى إليها، يفكر تفكيرا كليا ثم ينظم داخل كليات مشروعه الأجزاء في موضعها حتى تؤدي وظيفتها ضمن الكل لا خارجه، ولا يشتغل بهوس السياسات الصغيرة التي يهرول إلى الثرثرة حولها الصغار. وأكتفي في هذه الفقرة بآراء ثلاثة سياسيين: عبد الله ساعف ومحمد الحبيب الفرقاني ومحمد الحبابي.

عبد الله ساعف: ياسين مناضل سياسي

الأستاذ عبد الله ساعف

وبذلك التميُّز كان السيد عبد السلام “رجلا نادرا” فرض حضوره على علماء ومفكري وسياسيي ومثقفي عصره، اتفقوا معه أو اختلفوا، فهو شاهد قوي على عصره، ولذلك لم يجانب الصواب المفكر والوزير السابق عبد الله ساعف لما قال: “أظن أن أي مغربي يجب أن يحيي روح عبد السلام ياسين، أحيي فيه المناضل السياسي بنضاله وأفكاره التي غدت نقاشات واسعة شاركنا فيها في عدة مجالات، في الملفات الكبرى التي عشناها في المغرب، في التسعينات وحتى آخر إنتاجاته قبل سنتين أو ثلاثة.

أُحيي عبد السلام ياسين المفكر، كتاباته معروفة عند المثقفين المغاربة… أعطى الكثير للمنظومة على عدة مستويات، وقد تابعت ذلك بشكل دقيق في الستينات وجزء من السبعينات، أتاحت لي المسؤولية التي كنت أتحملها في حكومة التناوب (وزير التربية الوطنية) فرصة الاطلاع على رصيده، في بني ملال بخط يده 1، وأكثر من ذلك الصورة التي بقيت في الأوساط التعليمية، أستاذ ثم مفتش، الصورة التي وجدتها عند من لازال يتذكر أنه أستاذ جدِّي ملتزم بالرسالة التعليمية، كان يتميز دائما بمحاربته للمحسوبية والرشوة، والانتهازية. تحية صادقة للمرحوم، وأظن أن الآثار المكتوبة ستعطي الكثير في المستقبل” 2.

هذه واحدة من شهادات السياسيين الكبار في المغرب، الذين تابعوا إنجاز الرجل منذ ستينيات القرن العشرين وهو يُسهم بجدية واجتهاد وتجديد في وضع أسس المنظومة البيداغوجية المغربية، قبل أن ينتقل إلى واجهة النضال السياسي القاسي، وهو يقاوم بضمير حي الإفلاس السياسي ويعالج آفات النفاق والتكلف والتظاهر في الحياة السياسية، ليصنع الحرية في الفعل السياسي بقلمه وموقفه وحياته. في الوقت الذي كان فيه “المتسلقون” في المناصب السياسية يحسِّنون سِيَرهم ويصنعون شهرتهم بتزيين الباطل والرقص في أعراسه.

في الصورة[3[ref]مصدر الصورة من: شادلي، المصطفى. “مقاربة سيميائية لمتون سياسية مغربية”، مجلة علامات، مكناس، عدد 19، 2003م، ص 114.[/ref]] أسماء لشخصيات سياسية مغربية مشتهرة.

ياسين مفكر سياسي كبير كما يشهد كبار السياسيين في المغرب 3، وكما تشهد مؤلفاته وتصريحاته، ظل على قائمة الذين قالوا “لا” في أزمنة “نعم” 4، لا يضحي بالموقف الأخلاقي المبدئي من أجل كعكة مسمومة، ينشغل تمام الانشغال بالقضايا الكبرى للوطن وللإنسان وللعالم، ولا يتوانى في فعل الخير إذا استطاعه، وفي قول الحق إذا عرفه، صدَّقه من صدقه وصدّ عنه من صد عنه، ويصدع برأيه عندما يلوذ الناس بالصمت. ويتحدث عن الواقع كما هو وإن كان نقلُ الواقع كما هو يعدُّه الأكثرون نقدا، ويجهر بالحق في وجه السلطان في زمن لا ينبس فيه رجل بنصف كلمة إلا قُتل. بل إن مواقفه القوية أخجلت في نظري كبار المناضلين، وقد أطرق المناضل الكبير والوزير الأسبق عبد الرحمن اليوسفي ولم ينبس بكلمة لما فاتحه محمد الحبابي في شأن “مذكرة إلى من يهمه الأمر” 5. والصمت في ذاته كلام بليغ. وكيف ينطق وقد خيبوا مسعاه عنوة بإجهاض آخر تجاربه السياسية قبل ابتعاده عن السياسة نهائيا وقتل مشروعه قبل موته.


[1] عُيِّن الأستاذ مفتشا إقليميا للتعليم الابتدائي ببني ملال في ماي 1958م.
[2] ساعف، عبد الله. “ياسين تميّز كأستاذ بمحاربته المحسوبية والرشوة والانتهازية” (شهادة في الذكرى الأولى لوفاة الأستاذ عبد السلام ياسين)، منشور بموقع (www.alyaoum24.com) يوم 16 دجنبر 2013م، وشوهد في 30 أبريل 2020م.
[3] أذكر منهم: عبد الله إبراهيم والفقيه البصري ومحمد الحبيب الفرقاني ومحمد الحبابي وعمر الخطابي وامحمد خليفة وعبد المجيد بوزوبع، وغيرهم كثير. ويحتاج إيراد شهاداتهم ومواقفهم وحدها إلى كتاب، وقد يتيسر ذلك مستقبلا.
[4] انظر: مقال “قالوا “لا” في أزمنة “نعم”.. 5 معارضين وملكين”، منشور في مجلة أصوات (www.maghrebvoices.com)، يوم 14 دجنبر 2017م، وشوهد في 26 ماي 2020م.
[5] الحبابي، محمد. “الحبابي: زرت عبد السلام ياسين ووجدته مثل قديس”، كرسي الاعتراف، يومية المساء المغربية، حاوره الصحفي سليمان الريسوني (كتبتُ هذا الهامش ليلة اعتقاله 22 ماي 2020م)، عدد الإثنين 11 دجنبر 2012م.