شذرات واقتباسات ملهمة من وصية الإمام ياسين

Cover Image for شذرات واقتباسات ملهمة من وصية الإمام ياسين
نشر بتاريخ

بقلم: محمد الحرش

ذكرى تتجدد معها معاني الوفاء لرجل بصم بعلمه وثباته وفكره وجهاده وتربيته تاريخ المغرب الحديث، في مجالات التربية والدعوة والتدافع والتنظير لمستقبل الحركة الإسلامية خصوصا والأمة بشكل عام.

ولعل المفهوم الأشمل للوصية هو طلب فعل شيء بعد وفاة الموصي، ولغة الوصية مشتقة من الوصل، فالوصية بذلك تعني إيصال خير الدنيا بخير الآخرة.

قال الراغب الأصفهاني: الوصية التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ.

فيما يلي شذرات واقتباسات ملهمة من وصيته، رحمه الله تعالى، التي خطها بيمينه وسجّلها بصوته

تذكرة لكل مؤمن ومؤمنة.

1- مرمى الوصية وغايتها:

يختزل الإمام، رحمه الله تعالى، الهدف المرتجى من وصيته في غايتين:

“مرمى وصيتي هذه وغايتها أن يقف عليها مؤمن وتقف عليها مؤمنة يسمعانها بصوتي مسجلة أو يقرآنها مسطورة فيترحمان على ثاوٍ في قبره أسير لذنبه راج عفو ربه. تلك أولى المقاصد… والقصد الثاني أن يتذكر متذكر خلاصة ما إليه دعونا لما كنا من سكان أرض الدنيا عابرين إلى دار البقاء. وصية ليتذكر متذكر ويدعوَ داع فتلتئم أواصر الصلة ويتحقق التزاور في الله والتحاب في الله عبر الأزمان. لا تحبس الصلة برازخ الموت.”

2- أولى وصايا الإمام المجدد رحمه الله تعالى: بر الوالدين والإحسان إليهما.

ربنا عز وجل قسّم الحقوق وجعلها مراتب، وجعل على رأس تلك الحقوق الحق العظيم بعد حقّ عبادته سبحانه وتعالى وإفراده بالتوحيد.

هذا الحقّ الذي ثنّى به سبحانه وما ذكر نبيًّاً من الأنبياء إلاّ وذكر معه هذا الحق.

 
يقول الإمام المجدد رحمه الله تعالى: “وصى الله عز وجل بالوالدين إحسانا وحسنا لاسيما عند الكبر في سن الضعف والحاجة والافتقار إلى اليد الحانية والقلب العاطف والمعاملة الجميلة الوفية المتحببة.”

3- ثم أوصى، رحمه الله تعالى، بإقامة الدين والاجتماع عليه في الأمر كله، عاما كان أم خاصا، في شؤون الدنيا والآخرة.

يقول رحمه الله تعالى: “وأوصي بما أوصى الله عز وجل به عباده الصالحين رسلَه عليهم السلام نوحا ومحمدا وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام من إقامة الدين والاجتماع على الدين كما نقرأ في سورة الشورى. والشورى في الأمر الخاص والعام والحكم دين من الدين. وأوصي بما وصى الله به عز وجل رسله أحبابه وأصفياءه وصية لأممهم، نحن أمةَ الإسلام أحق أن نأتمر به بما نحن الأمةُ الوارثة الشاهدة على الناس.”

4- ميز الله تعالى سورة الأنعام بوصايا لسائر الأنبياء وأقوامهم، وصايا منجية من عذاب الله وبانية لمجتمع العمران الأخوي، مجتمع يوحد الله ويحفظ فيه حق اليتيم، ويكال فيه بالقسط، ويعدّل فيه، ويوفى فيه بعهد الله.

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الصَّحِيفَةِ الَّتِي عَلَيْهَا خَاتَمُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَقْرَأْ هَذِهِ الآيَاتِ: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ” (الأنعام: 151)

أوصى الإمام المجدد، رحمه الله تعالى في هذا الأمر العظيم بالآتي:

“وأوصي بالوصايا الأربع التالية من سورة الأنعام مذكّرا بما ذكر الله عز وجل به من يريد أن يتذكر ويشكر: أن لا نقرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، وأن نوفي الكيل والميزان بالقسط، وأن نعدل ولا نحابي في الحق، وأن نفي بعهد الله. كل ذلك مفهوما في إطلاقه في الخُلق الفردي والتدين الخاص، مفهوما في تقيُّده بضوابط العمل الجماعي السياسي.”

5- ليخلص الإمام المجدّد رحمه الله تعالى لأم الوصايا الإلهية في سورة الأنعام: “تلك التي وردت في آية منفردة موجهة لنا معشر المؤمنين لعلنا نكون من المتقين. وتلك هي اتباع الصراط المستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض الذي إليه تصير الأمور ونصير بعد الموت. تُحذّرنا الوصية الأم من اتباع السبل التي تبعدنا عن الجادة وتفرقنا وتتفرق بنا عن سبيل الله.”

6- في زمن أهدرت فيه كرامة المرأة وتم تسليعها واعتبارها مادة تباع وتشترى بحسب رغبات الزبناء تأتي وصية الإمام، رحمه الله تعالى، مذكرة بالوصية النبوية بالنساء:

“وأوصي بما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سياق الموت آخر عهده بالدنيا. وصى بالنساء خيرا وأمرنا أن نستوصي بهن خيرا. لاسيما الأزواج والبنات. أكَّد في وصيته الأخيرة ما كان علَّمه من أن خيارنا خيرُنا لأهله. ضاربا لنا المثل بإحسانه لأهله سيداتنا أمهات المومنين رضي الله عنهن.”

7- ثم يوصي رحمه الله تعالى بالأمر العظيم في ديننا، الصلاة، أول ما يحاسب عليه الناس يوم القيامة من حقوق الله عز وجل.

“وأوصي بالصلاة، بإقامتها في المسجد والجماعة مع التحري الجميل في الطهارة اتباعا منتبها لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحركات والسّكنات والمواقيت والكيفيات.”

مؤكدا ومنبها ومحفزا:

“الصلاة! الصلاة! الصلاة! عمود الدين وعماده، فسطاط الدين وأوتاده”.

8- من آخر وصاياه القيمة، رحمه الله تعالى، الصحبة والجماعة باعتبارهما أساس في دعوة “العدل والإحسان”، يختزلان إرادة طلب وجه الله عز وجل وإلإرادة الجهادية البانية الطامحة لعمارة الأرض وصلاح أهلها.

الصحبة، ذاك الخيط النوراني الموصل لمعاني الدين كله من قلب لقلب.

والجماعة، الأمر الشرعي والشرط الضروري والقاعدة المؤسسة للدولة الإسلامية.

يقول رحمه الله تعالى: “وأوصي أن العدل قرين الإحسان في كتاب ربنا وفي اسم جماعتنا، فلا يُلهنا الجهاد المتواصل لإقامة دولة العدل في أمتنا عن الجهاد الحثيث لِبلوغ مراتب الإحسان. الإحسان أن تعبد الله كأنك تراهُ، ولا مدخل لك في هذا يا أخي ولا مدخل لك يا أختي في هذا المضمار إلا بصحبة تفتح أمامكَ وأمامكِ المغالق وتحدو بركبك إلى عالم النور والرقائق”.

“لذا أوصي بالصحبة والجماعة، بالصحبة في الجماعة”.

رحم الله الإمام وألحقنا به مسلمين طائعين لا مبدلين.