أجرى موقع الجماعة نت حوارا مع الأستاذ عبد الصمد فتحي رئيس الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، تطرق فيه لعدة قضايا مرتبطة بالأقصى والقدس وفلسطين، ومن بينها دعوة الهيئة إلى تنظيم أسبوع الإسراء والمعراج بمناسبة ذكراه التي تحل ليلة 27 رجب الموافق 27 مايو. وفيما يلي نص الحوار:
دعت الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة إلى تخليد ذكرى الإسراء والمعراج خلال أسبوع بأكمله ابتداء من يوم الثلاثاء المقبل والمشاركة في المسيرة العالمية نحو القدس في 6 يونيو من الشهر المقبل، ما هو السياق العام والسياق الخاص لهذه الدعوة؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين. إن دعوة الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة إلى تنظيم أسبوع الإسراء والمعراج تأتي بمناسبة تخليد ذكرى الإسراء والمعراج والتي تحل على الأمة الإسلامية يوم 27 رجب الموافق 27 مايو، لما لهذه المناسبة من دلالات إيمانية وعقائدية مرتبطة بقضية الإنسان وعلاقته بخالقه سبحانه وتعالى وعبوديته له ودور تحقيق العبودية في النصر والتمكين، ومرتبطة بقضية الأمة خاصة قضيتها المركزية وهي القدس والمسجد الأقصى وصراع الأمة مع بني إسرائيل، وتزداد أهمية هذه المبادرة في الوقت الحالي نظرا لما تمر منه اليوم قضية القدس والمسجد الأقصى من ارتفاع وتيرة التهويد والاقتحامات المتتالية للأقصى والتهديد بتقسيمه زمانا ومكانا مع اليهود كما فعل بالمسجد الإبراهيمي.
إننا ندعو أن يتوج هذا الأسبوع التعبوي والتربوي والتنويري، بالمشاركة الفاعلة في المسيرة العالمية نحو القدس لتعبر الأمة للكيان الصهيوني وللعالم بأن قضية الأقصى هي قضية أمة وليست قضية الفلسطينيين وحدهم، أو الشرق الأوسط كما يريدون أن يوهموا الرأي العام، ولكي نضع حدا لاستغلال الكيان الصهيوني لانشغال الأمة ببعض جراحها حيث تمادى في الإجهاز على كرامة الإنسان المقدسي، بالأسر والتشريد والتضييق، وعلى الهوية الإسلامية للقدس والمسجد الأقصى بالطمس والتزوير لمعالمها.
هل يمكن أن تلخصوا لنا في عجالة أهم فعاليات الذكرى هذا العام؟
يمكن إجمال أهم فعاليات الذكرى المرتبطة بالإسراء والمعراج والمسجد الأقصى والأسرى في ما يلي:
• إحياء رباطات بين العشاءين في المساجد ذكرا ودعاء وتلاوة وتدبرا للقرآن الكريم خاصة سورة الإسراء.
• تنظيم محاضرات وندوات حول الإسراء والأقصى والأسرى.
• تنظيم حفلات فنية حول الإسراء والأقصى.
• تنظيم دورات في المعارف المقدسية.
• تنظيم معارض للصور تعرف بالقدس والمسجد الأقصى وحارة المغاربة.
• الترويج للأشرطة السمعية البصرية المرتبطة بالموضوع وتوزيع مطويات تعريفية بالأقصى.
• الانخراط في المسيرة العالمية نحو القدس يوم 6 /6/2014.
استحضرتم في فعاليات الذكرى البعد التضامني مع تناول سورة الإسراء تلاوة وحفظا وتفسيرا ومدارسة، وتنظيم رباطات بين العشاءين توجها إلى الله تعالى… ما هو سر هذا الجمع بين البعدين التربوي والجهادي في هذه الفعاليات؟
الربط بين البعد التربوي والجهادي أو الإحساني والعدلي مرده إلى التوجيه القرآني في سورة الإسراء، الذي جمع بين البعدين؛ فالبعد الإحساني نجده في قوله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، التي بين فيها الحق جل وعلا كيف أن مقام العبودية لله تعالى بلغ به رسول الله صل الله عليه وسلم ما لم يبلغه نبي ولا رسول ولا ملك مقرب، بأن أسرى الله به وأراه الآيات الكبرى وأعظم ما كان في الإسراء والمعراج هو دخول المصطفى المختار عليه أفضل الصلاة والسلام على رب العالمين ولقاؤه بالحق جل وعلا ما زاغ البصر وما طغى. هذا القرب واللقاء هو ما أكرم الله به أمة حبيبه، بأن فرض عليها الصلاة والتي هي صلة بالله وقرب منه سبحانه وتعالى؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ” أخرجه مسلم.
أما البعد العدلي والجهادي للأمة هو ما بينه الله سبحانه وتعالى في قوله: وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴿4﴾ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ﴿5﴾.
بعد الحديث عن الإسراء تأتي هذه الآيات وما يليها للحديث عن الأمة وصراعها مع بني إسرائيل مبرزة صفات المنصورين وهي العبودية لله والبأس الشديد وهي القوة التي ينبغي على الأمة أن تكتسبها لتخرج من غثائيتها.
ما أثر إسرائه صلى الله عليه وسلم نحو البيت المقدس ومعراجه منه على مكانة القدس والأقصى في قلب الأمة ووعيها؟
شكل الإسراء والمعراج في ذاكرة الأمة ووجدانها القاعدة التي تأسست عليها قدسية الأقصى ومكانته وحرمته عند الأمة وقد جلت سورة الإسراء تلك القدسية والبركة التي يحظى بها المسجد الأقصى، كما جلت محوريته في صراع الأمة مع بني إسرائيل.
إن سورة الإسراء ترسم للأمة المسلمة سنن الله التي لا تحابي أحدا ومعالم الطريق القويم في صراعها مع بني إسرائيل والتي يمكن إجمالها، وفق تفسيرات علماء معاصرين وفي مقدمتهم الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، في ما يلي:
أ- بنو إسرائيل سيفسدون في الأرض ويعلون مرتين.
ب- الفساد والعلو الأول مارسه اليهود إزاء الدعوة المحمدية فسلط الله عليهم عبادا له أولي بأس شديد وهم الصحابة الكرام، كما وصفهم الحق جل وعلى أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا.
ت- أعاد الله الغلبة لليهود على المسلمين بعد أن تخلوا عن أسباب النصر والعزة وأصيبوا بالوهن.
ث- جمع الله بني إسرائيل من شتات بأن جاء بهم لفيفا إلى فلسطين ومدهم بالمال والبنين وجعلهم أكثر نفيرا، فهم اليوم الأغنى في العالم ولهم النوع البشري الذي يقابل غثائيتنا، وهم اليوم الأكثر قدرة على استنفار العالم وقواه العظمى، وفي مقدمتهم أمريكا، لأهدافهم ومصالحهم.
ج- البيان القرآني يبرز حقيقة الكيان الصهيوني وهي أنه ليس دركيا لأمريكا في المنطقة، وليس الابن المدلل لأمريكا، بل اليهودية الصهيونية هي الروح التي تلبس أمريكا وكثيرا من الدول تحركها وتستنفرها.
ح- يبشرنا الوحي أن العلو والفساد الثاني لليهود يأتي بعده وعد الله الأخير بأن ينصر الله المسلمين على بني إسرائيل، ويسوؤوا وجوههم ويدخلوا المسجد الأقصى كما دخلوه من قبل في فتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وهذا ما بينه رسول الله صل الله عليه وسلم حيث قال: “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال!! فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود”. رواه مسلم في صحيح.
خ- شروط النصر العبودية لله، والبأس الشديد بإعداد القوة ومحاربة الوهن والغثائية.
يتعرض المسجد الأقصى لتصاعد المخاطر المحدقة به ما بين الحفريات التي تهدد أسسه والتهويد والاقتحامات المتكررة، فهل تواكب جهودُكم في هيئة النصرة وجهود باقي الأطراف هذا التصعيد وهذه المخاطر؟
للأسف الشديد فالجهود المبذولة، مهما عظمت، من طرف مكونات الأمة لا ترقى للتحديات الجسام التي يتعرض لها المسجد الأقصى، كما أن تخاذل الأنظمة عن القيام بواجبها وانشغال الشعوب بجراحها رفع من حجم التحديات مما يدق ناقوس الخطر. إن الأقصى في خطر محدق أكثر مما مضى مما يتطلب استنفارا عاما للأمة وتعبئة لكل مقدراتها من أجل نهضة جماعية لحمايته وإنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى تحقيق التحرير الموعود إن شاء الله. إن الأقصى في حاجة إلى وحدة الجهود وتضافرها، كما هو في حاجة إلى بذل المال والجهد والنفس والنفيس من أجل تحريره، ولا تحرير له بدون تحرير الأوطان ولا تحرير للأوطان بدون تحرير الإرادات ولا تحرير للإرادات بدون التوجه الخالص والعبودية لمن سبحانه أسرى بعبده نور الوجود محمد صلى الله عليه وسلم إلى الأقصى الذي بارك حوله.
بعد اندلاع الربيع العربي استحوذت معاناة الشعوب العربية خاصة في سوريا واليمن وليبيا ومصر على جزء كبير من الاهتمام الذي تحظى به القضية الفلسطينية، هل تتفقون مع هذا الرأي؟
نعم إن الربيع العربي وارتداداته قد استأثرت باهتمام أكبر، في حين تراجعت القضية الفلسطينية بسبب الزلازل العربية، لكن هذا التراجع في الاهتمام لا يعكس مكانة القضية في ضمير الأمة ووجدانها، ثم ماذا كانت تقدم هذه الدول للقضية الفلسطينية، غير المتاجرة والانبطاح للكيان الصهيوني.
إننا نرى أن نهضة الأمة نحو التحرر والانعتاق من أنظمة الاستبداد خطوة مهمة نحو تحرير القدس والمسجد الأقصى، فإذا وجهت الشعوب اليوم جهودها لتحسم المعركة مع صنائع الصهيونية وأوليائها من بني جلدتنا من المفسدين المستبدين والمتخاذلين والمنبطحين، فهي بذلك في قلب الصراع من أجل تحرير القدس وفلسطين.