د. الرجواني ينتقد الأداء السياسي للجماعة انطلاقا من فعلها الاحتجاجي

Cover Image for د. الرجواني ينتقد الأداء السياسي للجماعة انطلاقا من فعلها الاحتجاجي
نشر بتاريخ

افتتحت جماعة العدل والإحسان ندوتها التي نظمتها بعد عصر اليوم السبت 5 نونبر 2022، تحت عنوان “جماعة العدل والإحسان بعيون الآخرين”، والتي تأتي في إطار الفعاليات الاحتفالية للجماعة بمناسبة مرور أربعين سنة على تأسيسها، بكلمة للدكتور عصام الرجواني، أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة وباحث مهتم بسوسيولوجيا الحركات الإسلامية.


وقد اعتبر الرجواني أن خلق فرص للتواصل بين مكونات المجتمع المغربي “شجاعة أدبية من الجماعة تحسب لها، وهي بذلك ترسخ تقليدا مهما في المغرب، وهو أن نخلق مساحات للتواصل بين مختلف الفاعلين السياسيين.. – تقليد – يعزز إمكانية حبس هذه الفضاءات بالاستعمال العمومي للنقد، وهذا لا يمكن إلا أن يكون له عائد إيجابي على الارتقاء وتخليق النقاش العمومي بين مختلف الفعاليات والحساسيات والشخصيات”. وأوضح أن مداخلته تأتي في سياق اشتغاله على جماعة العدل والإحسان في أطروحته التي نال بها شهادة الدكتوراه في شعبة علم الاجتماع، والتي كانت حول “الديناميات الاحتجاجية بالمغرب.. دراسة السلوك الاحتجاجي للحركات الإسلامية – جماعة العدل والإحسان نموذجا”.

وقف الباحث في بحثه على ثلاثة عناصر أساسية، في إطار تقييم تجربة الجماعة انطلاقا من المدخل الاحتجاجي لها، أولها: جماعة العدل والإحسان موضوعا للدراسة في بعض العوائق المعرفية والمنهجية، ثم الخلاصات الأساسية لهذا العمل البحثي، ثم ختم بسؤال مفتوح حول: ماذا تبقى من فكرة القومة في مشروع جماعة العدل والإحسان؟

فيما يخص العنصر الأول؛ اعتبر المتحدث أن  أبرز الإشكالات المنهجية تتجلى “في مقاربة الحركات الإسلامية.. في غياب نماذج تفسيرية تعيد تعريف الظاهرة من خلال تفهم وإدراك دلالات مفهوم السياسة في النموذج الفكري والتصوري لهذه الحركات، وهو ما يجعل من المتعذر قياس سلوكها بمؤشرات موضوعية ومضبوطة، خاصة وأن مجمل التراث المتحصل في هذا المبحث يتعامل مع الإسلاميين وكأننا إزاء أحزاب سياسية أو منظمات غير حكومية”، وهو ما حاول الباحث استدراكه “من خلال العمل على مفهوم ونظريات الحركات الاجتماعية، حيث تغدو حركات اجتماعية ذات أساس ديني تعارض النظام (أسس ومثاليات الاجتماع السياسي والاقتصادي والثقافي لبنية الدولة الحديثة)، وتحدوها في ذلك مثالية تمثل الخلافة على منهاج النبوة نموذجها السياسي ومرحلة العهد النبوي نموذجها الاجتماعي والثقافي والقيمي..”.

وكشف الرجواني أن الإشكال الثاني الذي اعترض بحثه “مرتبط بصعوبة ضبط حدود النموذج الفكري والمشروع السياسي لجماعة العدل والإحسان بالنظر لارتباط هذا المستوى بالمتن التأسيسي للشيخ المؤسس ارتباطا عضويا، فكتابات الأستاذ عبد السلام ياسين تعتبر المرجع الفكري والإديولوجي الأساس لجماعة العدل والإحسان.. حتى صار من الصعب التمييز بين مواقف الجماعة الفكرية والسياسية وبين أفكار ومواقف مؤسسها..”. 

العائق الثالث، يضيف الرجواني، “مرتبط بحالة التكتم الشديد اليي تطول الدينامية الفكرية والسياسية الداخلية للجماعة، حيث لا تنكشف أمامنا بصيغ واضحة تسمح بمواكبتها وبتقييمها تقييما موضوعيا بعيدا عن التأويلات المتعسفة التي تجد أصلها أحيانا في غياب المعلومة والتكتم حولها..”.

انتقل، بعدها، الرجواني إلى العنصر الثاني من مداخلته والذي يهم خلاصات أطروحته؛ وجمعها في خمس:

“الأولى- القول بأن الاحتجاج بالمفهوم السياسي الحديث، باعتباره أحد المجالات التي تفسحها الأنظمة الديمقراطية، من أجل الاستدراك وتصحيح الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا يحضر بنفس الشكل في السياق المغربي، سواء بالنسبة للنظام السياسي الذي لا يزال يتوجس إلى حد كبير من كافة التعبيرات الاحتجاجية، أو حتى بالنسبة للحركات الاجتماعية ومن ضمنها الحركات الإسلامية المعارضة، فالاحتجاج في السياقات السلطوية يشكل مدخلا للتعبير عن الوجود ووسيلة لنيل الاعتراف”..

“الثانية- إن رصد المسار التاريخي والانعطافات التي عرفتها الجماعة منذ بداياتها الأولى إلى حدود اللحظة الراهنة، كشف لنا كيف أن الفعل الاحتجاجي قد شكّل مدخلا لحضور الجماعة في المجال السياسي وتأكيد مرئيتها في الفضاء العام، دون أن يعني ذلك بأن لحظات غيابها تعني أنها قد دخلت في حالة سكون، وهذا الأمر نجد تفسيره في طبيعة هوية الجماعة باعتبارها بنية للتربية والتأطير الديني”.. وعد الباحث أن اعتدال سلوك الجماعة ساهم فيه الانفتاح النسبي للنظام السياسي المغربي.

“الثالثة- إن صفة الاعتدال التي ميزت السلوك السياسي والاحتجاجي لجماعة العدل والإحسان يأخذ معناه من راديكالية المواقف التي تعلنها الجماعة في المجال السياسي، وهو ما يدفعنا إلى التفكير في خاصية التركيب الذي يميز السلوك العام للجماعة، فهي “حركة جذرية” من حيث بنية المواقف، و”حركة معتدلة” من حيث بنية السلوك الاحتجاجي، وهو ما لخصناه من خلال القول بأن جماعة العدل والإحسان “حركة راديكالية بأدوات إصلاحية”؛  راديكالية على مستوى المواقف وإصلاحية على مستوى السلوك والممارسة والبرامج”..

“الرابعة- ترتبط بطبيعة القضايا التي تتخذها الجماعة موضوعا للاحتجاج، فإلى جانب الاحتجاج ضد مظلومية الجماعة.. فإن قضايا السياسات العمومية والإصلاح الاقتصادي واستدراك الأعطاب التنموية لا يشكل في تقديرنا أفقا بالنسبة للجماعة، ما دامت ترفض شرعية النظام السياسي من أساسه، بل إن الانشغال بهذه التفاصيل يشكل مأزقا للنموذج التفسيري الذي تؤطر به الجماعة موقفها السياسي وقراءتها للتاريخ الإسلامي بشكل عام”..

“الخلاصة الخامسة- تتجه الحركة الإسلامية الاحتجاجية إلى الهيمنة على الحقل الاحتجاجي بالمغرب، وذلك بالنظر إلى ميزتها التنافسية مقارنة مع باقي الحركات الاجتماعية، فهي ما زالت تستثمر أحد أهم الموارد الرمزية متمثلة في الخطاب الديني والوعود الاحتمالية التي تبنيها الدعوة الدينية في سياق نضالها السياسي والاجتماعي، وهو ما يوفر لهذه الحركات ظاقة تعبوية فائقة، لكن في نفس السياق تحمل هذه الموارد معها عددا من التحديات التي تشكل مأزقا حقيقيا كلما انفتحت بنية الفرص السياسية واستلزمت من الفاعلين والحركات الاجتماعية استثمارها عبر توضيح الأطر التي يمكن من خلالها تعبئة الجمهور بسلوك اختيارات معينة، فبالنسبة لجماعة العدل والإحسان ما يزال يشكل المتن الياسيني ضغطا كبيرا”..

في ختام مداخلته ربط الدكتور الرجواني ما ذهب إليه في خلاصته الخامسة بسؤال: ماذا تبقى من فكرة القومة ومشروع المنهاج النبوي في مشروع جماعة العدل والإحسان اليوم؟ ليقول: “إن رصد الدينامية الفكرية والسياسية الداخلية لجماعة العدل والإحسان من خلال استقراء مجمل المتن الفكري والمواقف السياسية لمؤسس الجماعة واستحضار الفرق الحاصل في بناء الاستدلال الفكري والسياسي بينه وبين الجماعة وقياداتها اليوم، يؤشر على تحولات في تعاطي الجماعة مع تفاعلات الواقع السياسي بالمغرب”..