المرأة في الفكر المنهاجي.. التكريم والكمال

Cover Image for المرأة في الفكر المنهاجي.. التكريم والكمال
نشر بتاريخ

مقدمة

من المسلم به لدى جميع المهتمين والمختصين بقضايا الأمة، أن قضية المرأة استأثرت باهتمام بالغ في الأوساط الفكرية والعلمية، وأُلّفت حولها كتب وألقيت من أجلها محاضرات، وعُقدت لها ندوات. وهذا يدلّ على أهمية موضوع المرأة وحيويته بالنسبة للخاص والعام، للمسلمين وغير المسلمين. يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى: “لو أصبح المسلمون فردا فردا على أتقى قلب واحد منهم، ولو اجتهدوا في الأعمال الصالحة الفردية ما اجتهدوا، ثم لم يؤلفوا قوة اقتحامية جماعية تكون المرأة فيها فعالة لفاتهم فردا فردا درجة الجهاد، ثم لفات الأمة ما فاتهم، ولترَدَّت الأمة بترديهم عن الدرجة العالية، ولتبدد حاضرها وضاع مستقبلها بتبدد إرادتهم وتشتتها” 1.

 فهناك شَرْع وُظّف بشكل سطحي وتجزيئي ظلم المرأة وأهانها، يحتاج إلى اجتهاد منهاجي حتى تُنصف المرأة. وهناك واقع مفتون في الداخل، وجاهلي في الخارج، فرض على المرأة التمرد على التقاليد والأعراف، يحتاج إلى تغيير حقيقي حتى ترتقي المرأة من حضيض المعاناة إلى الكمال الإيماني والخلقي والعلمي.

في الساحة العربية والإسلامية فضلاء يدافعون عن قضية المرأة ويريدون إنصافها، وهم عدد لا يستهان بهم، لكن التبعية للغرب خلقت لهم قلقا وتحديا حقيقيا لما يُطرح أمام أعينهم وأمام المرأة خصوصا من نموذج حيٍّ براقٍ (نموذج المرأة الغربي). في حين أفقدهم الاستبداد السياسي القدرة على التحرر من التراكمات التاريخية، التي ما فتئت المرأة المسلمة تستهجنها وتحسبها قيودا وأغلالا تمنعها من حريتها وحقوقها.

وللخروج من هذا المأزق الذي يشكل لهم الحرج، يقترح عليهم الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى التحرر من عائقين كبيرين:

 أولا: التحرر من عقدة السكوت المهين النفاقي عن قول الحق والحقيقة.

وثانيا: التحرر من الدائرة المغلقة التي يفرض فيها العدوُّ والخصمُ السؤال المحدد ويريدان الجواب المحدد.

هذا التحرر ضروري كذلك لإنصاف أيّ قضية من قضايا الأمة الصغيرة والكبيرة.

المرأة في القرآن تحظى بتكريم عظيم، إن أدركته وعلمت به سيكون لها الحافز القوي لتطلب الكمال الإحساني، حتى تكون من الطاهرات العفيفات التقيات المحسنات. ويتضح هذا في مجموعة من الآيات القرآنية المتعلقة بالمرأة، بحياتها الفردية والشخصية، بحياتها الأسرية، بسعادتها الزوجية، بحافظيتها، بحجابها، بعملها خارج البيت، بدعوتها وجهادها ومشاركتها في الحياة العامة والخاصة. اختارها الإمام رحمه الله بعناية ووظفها أحسن توظيف في حديثه عن المرأة، تدور معانيها على أمرين مهمّين: تكريم المرأة وطلب كمالها الإحساني.

تكريم المرأة

 لقد كرم القرآن الكريم المرأة وأعلى من شأنها باعتبارها العام إنسانا، يقول الله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا (الإسراء:70). وباعتبارها الخاص أما وأختا وزوجا وبنتا وفتاة. وكل اعتبار من هذه الاعتبارات له وضعه الخاص في القرآن وله حقوقه وعليه واجباته تجاه ربه ونفسه وتجاه أسرته ومجتمعه وأمته.

ومن مظاهر هذا التكريم: تمتُّع المرأة المسلمة بحقوقها كاملة كما عليها واجبات تؤديها. حقوق تتساوى فيها مع شقيقها الرجل، وهي حرّة في ذلك ومستقلّة. وما بيعة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء إلا دليل واضح على هذه الحرية والاستقلالية. يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (الممتحنة:12).

فأصبحت المرأة لها الحق أن ترث وتُورث، لها الحق أن تملك الضيعات والعقارات والأموال، لها الحق في اختيار الزوج واشتراط الشروط، لها الحق أن تجير من تشاء في الحرب أو السلم، لها الحق أن يستشيرها الرجل كما استشار النبي صلى الله عليه وسلم زوجه أمّ سلمة رضي الله عنها في أمر الصحابة الذين لم يقبلوا بصلح الحديبية. لها الحق أن يساعدها زوجها في بيتها فتكون مهمتُه مهمةَ أهله. لها أهليتها الكاملة في العبادة وفي التكاليف الشرعية، ولها أهليتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وقد جاء هذا التكريم والحث عليه والأمر به، بعد أن عاشت المرأة ظروفا قاسية بكل اعتباراتها العامة والخاصة، إهانة واحتقارا من طرف المجتمع الجاهلي. فإما أنها كانت متاعا يُورث وسلعة تباع، وإما عارا وهي الأنثى المولودة فتُدفن حيّة تحت التراب. يقول الله تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُون (النحل:58-59).

نُذكّر بهذه الحقيقة المرّة لأنه لا يمكن أن نعرف التكريم الذي حظيت به المرأة في الإسلام إذا لم نعرف كيف كانت مكانتها في القديم، في الحضارة الصينية، الهندية، اليونانية، الرومانية، اليهودية والنصرانية. فكل هذه الحضارات أجمعت على أن المرأة شيء من الأشياء، إنها خُلقت لخدمة سيدها الرجل، وهو بالنسبة لها كإله تطيعه. ويتساءلون بعد هذا كله: هل لها الحقّ في العبادة؟ وبالتالي هل لها الحق في دخول الجنة؟ 2. حتى جاء الإسلام وأنقذها من كل هذا الحيف والظلم وأعطى لها القيمة الحقيقية كإنسانة مكرمة عند الله تعالى. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من وُلد له أنثى فلم يدفنها ولم يهنها، ولم يؤثر ولده عليها، أدخله الله بها الجنة” 3.

ولم يقف التكريم عند هذه القيمة الإنسانية، بل أصبح له عند الله حرمة عظيمة خاصة في المجتمع المسلم. وتكون الحرمة أعظم كلما ارتقت المرأة في مدارج الدين لتصبح مؤمنة فمحسنة بعد ذلك. بمعنى أن الاعتداء على هذه الحرمة بالإذاية وعدم حمايتها حماية مادية ومعنوية، يوجب لعنةَ الله وسخطه والعياذ بالله تعالى. يقول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (النور:23).

طلب الكمال

 سعي المرأة لتحقيق كمالها يكون بتمسك هذه المرأة بالقرآن كتاب ربها، وتعلقها به تعلقا كاملا فكرا وشعورا وسلوكا، لتحقق مراد الله في نفسها وهي أَمةٌ مطيعة لربها، ومرادَ الله في أمتها وهي مؤمنة مجاهدة وسط إخوانها وأخواتها من المؤمنين والمؤمنات. وهو تمسك تشارك فيه الرجلَ من نفس المنطلق، كعبد من عباد الله وأمة من إماء الله خُلقا لعبادة الله تعالى ومعرفته ومحبته والشوق إلى لقائه. وبنفس الغاية والهدف والأجر والثواب، وهو طلب وجه الله تعالى وابتغاء رضاه. يقول الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (النحل:97).

هذا التمسك بالقرآن بالنسبة للمرأة يعتبره الإمام رحمه الله سلوكا إيمانيا وجهاديا، دونه عقبات تحتاج إلى اقتحام. وقد أجملها في وضعيتين صعبتين تعيشهما المرأة، بحيث إنهما ساهمتا بشكل كبير، في منعها من أن تكون من تلك النماذج النسوية الطالبات للكمال والجمال، أمثال اللّواتي تربّين في مدرسة النبوة. وهاتان الوضعيتان هما:

الوضعية الذاتية: تتمثل في طغيان النفس وتحكم الهوى، فقد أمسكا بإرادة المرأة ليقوداها إلى الهلكة الأبدية والخسران المبين. يقول الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (النازعات:37-38). فلا مكان في تلك المقامات العالية عند الله لإماء الهوى وعبيد النفس الهابطة، إنما هي مقامات لعباد الرحمان وهم المتقون. وللتفصيل في الأمر يستشهد الإمام رحمه الله بآيات من سورة الفرقان حول (عباد الرحمان)، وبآيات من أوائل سورة البقرة حول (صفات المتقين). فهو يهيبُ بالمرأة المسلمة أن تتصفّح هذه الآيات القرآنية حتى تدرك على أيّة أرض هشّة تقف بأقدامها، وما هي القمّة السّامقة والعالية التي ينبغي أن تتطلع إليها لتعتليها بخطوات ثابتة حتى تحقق كمالها.

الوضعية الموضوعية: تتجلى في وجود المرأة وسط مغريات كثيرة تفتنها عن طلب الكمال، وعدو متربص من هنا وهناك يخطط من أجل تضليلها، وأصدقاء يشكلون لها بيئة للغفلة، وحاجات اقتصادية وصحية تشغل وقتها، وعوائق ترجع لتخلف المجتمع وأخرى تنتج عنه وتتجدد.

 وبعدما أطلع المرأة على وضعيتها التي لا تليق بامرأة تنتسب إلى دين الإسلام وأمة الإسلام، دعاها إلى ما دعاها إليه ربها عز وجلّ بأن تقتحم العقبة إلى الله عز وجل كما بسطها سبحانه وتعالى في سورة البلد. وهو اقتحام يتطلب منها أن تمتلك القوة الإيمانية والإرادية أو لنقل القوة الذاتية المتسلحة بالصبر والإيمان. وهذا الاقتحام يتمّ عبر ثلاث مراحل تقطعها المرأة المسلمة وتتخطى بها العقبات:

الأولى: التوبة الصادقة: وهي توبة تامة تُلزم بها المرأةُ نفسَها لتدخُل ما فتح الله تعالى لها من أبواب الاجتهاد في الدين، لا يسبقها سابق إلا بالتقوى والعمل الصالح. قال الله عز وجل يعرض تلك الأبواب المفتوحة على المرأة والرجل بنفس الخطاب: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (الاحزاب:35).

الثانية: البيعة الاختيارية: رافدها الاقتناع القلبي والحضور العقلي، الذي يعرف قدْر ما تتحمله الذِّمة من مسؤولية. فالمسلمات الداخلات في الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعنه بيعة فخمة مشهودة صارمة بما أخبر الله عز وجل به في قوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (الممتحنة:12). وبهذا ترقى المسلمة بمخالطتها للمؤمنات وبذكر الله والصلاة وبالعمل الصالح، فتتحرر شيئا فشيئا من سيطرة الهوى وغلبة المحيط المفتون لتنتهي بانتماء إيماني وانضمام إلى جماعة المسلمين.

الثالثة: القدوة الحسنة: تقتدي المؤمنة بالصحابيات حتى ترتقي في معارج الدين وتتخذهن نموذجا يحتذى في سلوكها الإيماني والدعوي. وبهذا الاقتداء ترفعها همتُها لتصبح ضمن من يخاطبها الله عز وجل بخطاب التشريف والتكليف، الذي خاطب به نساءَ النبي صلى الله عليه وسلم: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ، فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا. وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (الأحزاب: 32-34).

وبهذه الخطوات تنتقل المرأة من دنيا الفتنة والتيه والعبث إلى رحاب الطهارة والعفاف، الذي هو كمالها الإيماني والإحساني. يقول الإمام رحمه الله تعالى: “هذه خطوات المسلمة من دنيا التسيب والزينة الدنيوية، من حضيض التبرج والتهتك، إلى مرتبة الطاهرات” 4. مما يؤهلها للدخول في الوَلاية العامة التي تتحمل من خلالها وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمسؤولية عن إقامة دين الله تعالى. يقول الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (التوبة:71).

خاتمة

في الختام ختم الله لنا ولكم بالحسنى وزيادة نشير إلى:

– أن التصور المنهاجي حين يتحدث عن تحرير المرأة اليوم وغدا، إنما يتحدث عن صلاح المرأة في محنتها الحاضرة، كيف تكون مؤمنة بربها ومربية، ومشاركة وفاعلة جنبا إلى جنب مع الرجل، وذلك باستيحائها للنموذج النبوي الصحيح، وتنسّم عبيره، وتجديد أجوائه، والانغراس في بيئة إيمانية تجدد ذلك النموذج روحا وسلوكا وعلما واتباعا واعتصاما.

– أن التصور المنهاجي وإن كان يشارك هذه الدعوات الجادة، والحركات الصادقة عبر التاريخ نحو تحرير المرأة على اختلاف أهدافها، إلا أنه يفوقها عندما يرتقي بهذه المرأة من هذا المجال المشترك إلى مجال التنوير المبارك. ففي التحرير قد تثبت المرأة ذاتها، لكنها في التنوير تحقق ذاتها وتتجاوزها لتكون منقذة لغيرها من الحائرات.

– أن الشريعة السمحاء ما ظلمت المرأة في شيء، بل الانحطاط التاريخي هو الذي جهّلها، وحبسها وراء الجدران، وحرّم أن يظهرَ ظفرُها في الوجود. وفي المقابل بدل أن يكون الصلح على غرار الغرب بين عالم المرأة وعالم الرجل على بساط التحرر من الدين. يكون الصلح على شريعة العدل والإحسان. وهي إطار تسامحي بين الرجال والنساء. كيان عَرْضيٌّ يندمج فيه عالم المرأة بعالم الرجل وينسجم.

– أن التصور المنهاجي لم يبق في حديثه عن قضية المرأة حبيس المعاني الكلية، بل انتقل منها إلى المعاني الجزئية التي تكون قابلة للتطبيق والممارسة في الحياة الفردية والجماعية في الدنيا وفي الآخرة.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.


[1] ياسين عبد السلام، تنوير المؤمنات ج1، ص:20.
[2] ينظر البهي الخولي، الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة، ص: 10-14.
[3] رواه الإمام أحمد أبو داود..
[4] ياسين عبد السلام، العدل الإسلاميون والحكم، ص:265.