مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة من منظور التشريع الإسلامي

Cover Image for مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة من منظور التشريع الإسلامي
نشر بتاريخ

لقد وضع الإسلام المساواة كمبدأ عام بين الناس جميعا‏، وجعل روحه تسري كدعامة لجميع ما سنه وقضى به من نظم وأحكام تضبط علاقات الأفراد رجالا ونساء‏، وكان من تقديره لقيمة الإنسانية المشتركة بين الجميع تكريم الجنس البشري بنوعيه دون تمييز بين رجل وامرأة‏.‏ لذلك ترسخت في عقيدة المسلم أن الناس سواسية وليس هناك تفاضل في إنسانيتهم بين رجل وامرأة إلا بالتقوى والعمل الصالح، لقول الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ (سورة الحجرات، الآية 13).

مظاهر المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام

ساوت الشريعة الإسلامية بين الرجل والمرأة في قضايا كثيرة وميزت بينهما في قضايا أخرى قليلة، إذا ما قارناها بقضايا المساواة بينهما؛ فالشريعة الإسلامية تساوي بين الجنسين في الحقوق والواجبات والمزايا والعقوبات وأشياء أخرى كثيرة، لكن عظمتها تكمن في كونها لا تلغي الفروق الذهنية والنفسية والجسمية والتركيبة بين الجنسين. وتتجلى أهم مظاهر المساواة فيما يلي:

– الإقرار بوحدة الأصل في الخلق بين الذكر والأنثى، من حيث الانتماء إلى الطبيعة البشرية، وهذا ما أشار إليه قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً (سورة النساء، الآية: 1).

– لم تفرق الشريعة الإسلامية بين الرجل والمرأة في ماهية التكريم، ولم تختص أو تميز الرجل بالتكريم دون المرأة، بل إن القرآن الكريم خص بالذكر الكثير من النساء العظيمـات؛ فعددت فيهن قصص قرآنية تحمـل الكثير من العبر والعـظات؛ فذكر امرأة فرعون وأم موسى وغيرهن.

– المساواة في أصل الخطاب الشرعي موجهة للناس جميعا من غير تمييز، حيث جاء في محكم تنزيله: وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا (سورة سبأ، الآية 28)، فالائتمار بما يأمر به الدين والانتهاء عما ينهي عنه يسري على الجميع من غير استثناء، رجالا ونساء، وهذا هو أساس المساواة.

– التكامل الفطري بين الرجل والمرأة من أجل القيام بوظيفتيهما في الاستخلاف، فقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (سورة التوبة، الآية 71).

– الإقرار للمرأة بكافة الحقوق والحريات التي منحت للرجل دون تمييز، فلها حق اختيار الزوج دون إكراه، وأن تحصل على المهر دون تفريط، ومنحها حقها في المواريث دون التزام بأن تقدم منه شيئا للزوج.

المساواة بين الأصل والاستثناء في الإسلام

إن الإسلام حفظ إنسانية المرأة وأمن كرامتها ونظر إلى طبيعتها وما يصلحها، فخصها ببعض الأحكام زيادة عن الرجل أو نقصانا عنه؛ فأسقط عنها بعض الواجبات كصلاة الجماعة، وفرق بينها وبين الرجل في بعض أحكام الميراث والشهادات والنفقات وغير ذلك، وهذا لا يتنافى مع مبدأ مساواتها بالرجل في الإنسانية والكرامة، لأن الإسلام كما ساوى بين الرجل والمرأة في أمور تتطلب ذلك، فقد فرق بينهما في أمور أخرى بالقدر الذي يتناسب مع طبيعة كل منهما. ويمكن حصر هذه الأمور في التطبيقات التالية:

– إن العلاقة بين الزوجين في الشريعة الإسلامية تقوم على أساس رئاسة الزوج للأسرة وهو ما يعرف شرعا بالقوامة، هذه القوامة إذا وضعت في سياق النصوص المؤسسة والموجهة للعلاقة الزوجية، ظهر أنها قوامة خدمة ورعاية ومسؤولية، بالإضافة إلى كونها قوامة تراض وتشاور وتفاهم. فهي ليست سلطة تحكم وتعسف كما يصورها دعاة النزعة الأنثوية.

– إن النفقة المتضمنة في قوله تعالى: وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ (سورة النساء، الآية 34) واجبة على الرجل، فالله تعالى جعل الرجل هو المختص بوجوب المهر ونفقات الزوجة والأولاد والأسرة، ولم يوجب شيئا من ذلك على الزوجة.

– إن جعل ميراث المرأة نصف ميراث الرجل في بعض الحالات باعثه الاختلاف الحاصل في تحمل التكاليف المالية، فالرجل هو المكلف بتجهيز بيت الزوجية وبالإنفاق على الأسرة وغيرها من التبعات المادية. ومراعاة الشريعة الإسلامية لهذا الاختلاف تحقيقا لمبدأ العدل؛ حتى يواجه كل منهما مطالب الحياة مواجهة عادلة حسب إمكانياته وقدراته.

– التفاوت بين المرأة والرجل في الشهادات ليس انتقاصا لأهلية المرأة، وإنما هو مراعاة لطبيعتها وخلقتها. ودليل ذلك أن الشرع جعل للمرأة الأهلية الكاملة للشهادة في مجال الأمور الخاصة بالنساء، فجماهير الفقهاء أجازوا قبول شهادة النساء في المسائل الخاصة بهن، حتى ولو كن منفردات بهذه الشهادة.

وخلاصة القول، إن الإسلام بمنظوره التشريعي والقانوني ومن خلال النصوص الشرعية المتعلقة بالتكاليف والحقوق والواجبات بشكل عام، يعتمد على عدم التفريق بين الجنسين الرجال والنساء، وإنما الأصل في ذلك التساوي، كون كلا الجنسين يتمتعان بحقيقة إنسانية واحدة، وقدرات عقلية وشعورية وجسمانية تؤهلهما للقيام بما يتوجب عليهما من مسؤوليات دينية واجتماعية وسياسية واقتصادية مع مراعاة الاختلاف بینهما تحقيقا للتكامل والتوازن.