كيف نكون مع كتاب الله؟

Cover Image for كيف نكون مع كتاب الله؟
نشر بتاريخ

يقول الله عز وجل يصف لنا رسوله المصطفى وأصحابه الكرام:محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم [سورة الفتح آية 29]. بمعيتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أشداء أقوياء في مواجهة طاغوت الكفر، رحماء بينهم للتعاون على ابتغاء فضل الله بالركوع والسجود والخضوع لله، صحبة يجتمعون بها حول النبي الكريم يقتبسون من قلبه الإيمان، ثم يجتمعون على ذكر الله وتلاوة القرآن، لتكتمل الصحبة السنية بصحبة كتاب الله. يقول سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “أوتينا الإيمان قبل القرآن، وأنتم أوتيتم القرآن قبل الإيمان، فأنتم تنثرونه نثر الدقل-رديء التمر-“ [رواه الحاكم]، أوتي الصحابة الإيمان من معيتهم لرسول الله وصحبته، قلوب اكتسبت من القلب الطاهر الكريم، ثم اجتمعت على ذكر الله وتلاوة كتاب الله، لتكتمل الصحبة السنية.

يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: “يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا،فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها” [رواه الترمذي وابن ماجة]. وصاحب القرآن صاحبه وحبيبه، الصحبة محبة وملازمة وتعهد، هي عقد بين القرآن وصاحبه، خطت بنوده آيات من وحي الرحيم، وكلمات من هدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:

أ- بنود العقد بين القرآن وصاحبه

1- “الذين يومنون بما أنزل إليك”

الإيمان بالقرآن أول بند من العهد، يقر في الجنان فينطقه اللسان وتتحرك به الأركان، نؤمن أنه كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ونؤمن بأفضليته وشرفه على سائر الكلام، وشرف أهله وأفضليتهم على سائر الناس.

2- “وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن”

تلاوته واجبة بأمر الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه. نتلوه امتثالا للأمر وطمعا في الثواب “اقرؤوا القرآن، فإنه يجيء يوم القيامة شفيعا لصاحبه” [رواه مسلم]. إن صاحب القرآن لابد له من تلاوته، لا يغنيه الإيمان القلبي.

3- “… يعرفونه كما يعرفون أبناءهم”

تلاوته بند من البنود، وحفظه وتعاهده أمر نبوي لا نصم عنه الآذان “تعاهدوا هذا القرآن، فو الذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها” [رواه الشيخان عن أبي موسى الأشعري]. القرآن يتفلت من الصدور تفلت الإبل من عقالها، ونحن نربطه ونشد عليه بالحفظ حتى نعرف آياته كما نعرف أسماء أبنائنا وصفاتهم، وما يحبون وما يبغضون حتى نحرص على ألا يروا منا إلا ما يرضيهم، وتعهد القرآن ملازمته وتمثل آياته بعد حفظها حتى لا يرى منا ما لا يحب.

4- “أفلا يتدبرون القرآن”

والتدبر أدب رفيع مع القرآن، ومفتاح يسير لزيادة الإيمان، والتأمل في الأكوان، هو تحذيق ناظر القلب إلى معانيه، وجمع الفكر على تدبره وتعقله. يقول سعيد النورسي رحمه الله: “القرآن الكريم هو الترجمة الأزلية لهذه الكائنات، والترجمان الأبدي لألسنتها التاليات للآيات التكوينية ومفسر كتاب العالم… وإن القرآن الكريم، ببياناته القوية النافذة، إنما يمزق غطاء الألفة وستار العادة الملقى على الموجودات، والتي لا تذكر غلا أنها عادية مألوفة مع أنها خوارق…”.

5- “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”

تعليم القرآن خيرية عظمى بعد تعلمه، تعلمه وتعليمه تلاوة وحفظا وتعهدا وتدبرا وإيمانا.

6- أعطوا القرآن خزائمكم

عن أبي الدرداء أن رجلا قال له: “إن إخوانك من أهل الكوفة يقرؤون عليك السلام”، قال: “وأنت فأقرئهم السلام، وقل لهم فليعطوا القرآن بخزائمهم، فإنه سيحملهم على القصد والسهولة، ويجنبهم الجور والحزونة”، والخزائم جمع خزام وهي حلقة من شعر تجعل في أنف البعير يشد فيها الزمام، أي اجعلوا القرآن مثل الخزام في أنف أحدكم فاتبعوه واعملوا به، فسيدلكم على أبواب الخير كلها، وإنما أنزل القرآن ليعمل به.

ب- ماذا يعطينا القرآن؟

ويقول قائل وتقول قائلة: بعد تحقيق البنود، قد وفينا العهد، فأين الثمن؟

هلم بنا نهز معا بجذع نخلة القرآن، تساقط علينا رطبا جنيا ثمرات طيبات:

1- جلاء الهم

روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ماقال عبد قط إذا أصابه هم وحزن:اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك،ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أوأنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أواستأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله عز وجل همه، وأبدله مكان حزنه فرحا”. القرآن ربيع القلوب ونور الصدور وجلاء الهموم، لا نتخذه تعويذة من التعاويذ لشفاء أسقام الجسد، بل هو شفاء للقلب من درن المعصية وغبار الغفلة وكدر الهم والعجز.

لا يتحقق ذلك لمن يقرأ الدعاء ويهجر القرآن.

2- خشوع القلب

أثر قلبي آخر هو ثمرة لتلاوة القرآن واستظهاره وتعظيمه. يقول الله تعالى واصفا موكب الأنبياء عليهم السلامإذا تتلى عليهم آيات الرحمان خروا سجّدا وبكيّا [سورة مريم: 58]، ويصف حال المؤمنين إذا تلي عليهم من كتاب الله بالرهبة والخشوع وزيادة الإيمان.

3- حفظ الله

وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا عبد الله بن عباس وهو غلام يافع، يستحثه على الإقبال ويحثنا وما زلنا يافعين في طريق الإقبال على الله تعالى “احفظ الله يحفظك”، عهد على الله أن يحفظ من يحفظه، من يحفظ كتابه تلاوة وتعهدا وتعليما وامتثالا، ومن يحفظه الله فليس يضره شيء في الأرض ولا في السماء وهو خير حفظا.

4- دخول الجنة ودرجة الشفاعة

اقرأ القرآن واعمل به تدخل الجنة، بل وتنال الدرجة الرفيعة التي لا تليق إلا بحافظ: الشفاعة. ويقول الشاك المتردد: أوليس الأنبياء وحدهم من يملكون الشفاعة؟ هاك الحديث أخي -أختي- وهاك البشرى:

عن الإمام علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من قرأ القرآن فاستظهره، فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار” [رواه الترمذي]. وصية تفهمنا أن الأصل، لا الاستثناء، أن يحفظ المسلمون والمسلمات كتاب ربهم.

5- أيرضيك أن تكون من أهل الله؟

هل هناك جزاء أوفى، وشرف أعظم لحامل القرآن من دخول الجنة ودرجة الشفاعة؟

نعم أن يكون من أهل الله أوفى، وأن يكون من خاصة أهله أوفى وأعظم. عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أهل القرآن أهل الله وخاصته” [رواه أحمد وابن ماجة والحاكم]، وأهل الله عباد من المؤمنين والمؤمنات، الأخيار وأخيار الأخيار المستمسكين بالعروة الوثقى، المرتلين القائمين، التالين العاملين بما في القرآن.

اللهم يا رب اجعلنا من أهل القرآن.