كلمة الأمين العام لجماعة العدل والإحسان في ذكراها الأربعين: السياق، الخصوصية، والرسالة

Cover Image for كلمة الأمين العام لجماعة العدل والإحسان في ذكراها الأربعين: السياق، الخصوصية، والرسالة
نشر بتاريخ

قبل البدء

يوم الأحد 23 أكتوبر 2022 ألقى الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، الأستاذ محمد عبادي، كلمة بمناسبة الذكرى الأربعين على نشأة الجماعة. ومن المؤكد أن الكلمة حكمتها سياقات، وتميزت بخصوصيات، وحملت رسائل عدة يسعى هذا المقال إلى التوقف عندها بتركيز واقتضاب.

1- سياق الذكرى الأربعين

– تميز السياق الإقليمي بتنامي سطوة الثورات المضادة التي حلت محل آمال ثورات الربيع الديمقراطي المجهض.

– التراجع الحاد للعديد من القوى التنظيمية الحزبية التي ضعفت طموحاتها إلى مستوى التصالح البليد مع الواقع الكريه.

– خفوت أصوات مجمل تنظيمات الحركة الاجتماعية، واستسلامها لاختيارات الأنظمة السلطوية.

– أزمة مكونات من الحركة الإسلامية مع سؤال المصداقية، بعد التداعيات المخيبة الناتجة عن تجارب التدبير السياسي المباشر.

– تآكل هوية الحركة الإسلامية وخطابها، ولجوء العديد من مكوناتها إلى مراجعات همت منهج العمل، وتحولت إلى تراجعات على مستوى الأصول.

– فشو اليأس في أذهان النخب ونفسياتها، والتي اختارت دين الانقياد، أو الانسحاب من الشأن العام، والتخلي عن أمل غد تفشو فيه قيم: الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية.

– سيطرة الهوى من خلال منابر إعلام التفاهة التي استبدت بالساحة بعد إخلائها قسريا من منابر تحترم تعددية الآراء وتشتغل وفق قيم مهنية احترافية.

– استغلال النظام السلطوي توالي الأزمات التي رافقت جائحة كورونا، وحرب الروس وأوكرانيا… في إغناء المغرب بملايين من الفقراء من خلال إحصاءات رسمية، في حين تتربع العديد من الأسماء المقربة أو الممثلة للمخزن الاقتصادي على قوائم أغنياء العالم، أو يتم تسريب العديد من حسابات هذه الأسماء الخيالية ضمن فضائح الحسابات البنكية الدولية السرية، أو الجنات الضريبية.

– تنامي الفساد الأخلاقي الذي تفشي مؤشرات عدة بكونه تحول إلى سياسة استراتيجية عنوانها مسخ الفطرة الإنسانية.

– فتح الأبواب على مصراعيها لتغول الصهيونية بعد مسلسل التطبيع الذي أصبح إسهالا مس سرطانه مختلف القطاعات داخل الدولة والمجتمع.

2- خصوصية الكلمة

– تتخذ كلمة الأمين العام أهميتها كونها كلمة افتتاحية ومؤطرة لكل الفعاليات والأنشطة التي برمجتها جماعة العدل والإحسان احتفاء بالذكرى الأربعين لنشأتها.

– من المؤكد أن الكلمة لا تعبر عن فضيلة الأستاذ محمد عبادي باعتباره مربيا، أو داعية، أو عالما، أو سياسيا، أو مصلحا – وإن كان يحوز ذلك وأكثر – ولكنها كلمة جامعة لكل مؤسسات جماعة العدل والإحسان، والتي عبر عن تصوراتها وطموحاتها باعتباره الأمين العام للجماعة الأمين على شعارها: العدل والإحسان.

– من الملاحظ أن الكلمة جاءت بنفس: تربوي، تاريخي، تواصلي، قيمي، سياسي، اجتماعي، حقوقي، وحدوي، إنساني… مصاغة بروح العزة بالله التي تتحرك بإرادة اقتحامية، ورحمة إحيائية.

3- رسائل الكلمة

ركزت مضامين الكلمة على إبراز الروابط العلائقية بين أبناء وبنات العدل والإحسان (أ)، ومجالات من انشغالاتها (ب)، وثوابت قارة في منهجها على المستويين الوطني والخارجي (ج):

أ- روابط عمودية وأفقية في تنظيم العدل والإحسان

–  إن عطاء أربعين سنة من عمر جماعة العدل والإحسان يستدعي ابتداء شكر المنعم عز وجل طمعا في المزيد؛ فإن القناعة من الله حرمان. والكلمة غايتها: التواصل إخبارا بالحصيلة، وطلبا للنصح والتوجيه.

–  جماعة العدل والإحسان فسيلة غرسها الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، ومن تمام التحدث بنعمة الله أن ينسب الفضل إلى أهله، وقد أورث أبناء وبنات الجماعة ما يمكن إجماله في رباعية: الربانية، والعلم، والحكمة، والهمة:

‌ أ-أ- أما الربانية، فمن تجلياتها: الروحانية، والتبتل، وهم لقاء الله، والاهتمام بأمر الله، ولكل فرد نصيب من الورد النبوي.

أ-ب- وأما العلم، فمن تجلياته: كمال التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم والذي لا يتم إلا أن يكون العمل خالصا صوابا، وصوابه أن يكون على علم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن ثماره بروز طلائع من الباحثين والكتاب والعلماء والدعاة في المجال المعرفي.

أ-ج- وأما الحكمة، فمن تجلياتها: اتباع أنجع أساليب التدبير والتسيير والدعوة، وألطف طرق التعامل الرفيق مع الخاصة والعامة.

أ-د- وأما الهمة، فمن تجلياتها: همة جماعية ربطت أرواح أبناء وبنات الجماعة بالأستاذ المرشد رحمه الله، وببعضهم البعض حتى غدوا بنيانا مرصوصا يتفانى في خدمة الوطن كل حسب تخصصه.

ب- أما المجالات التي انشغلت الكلمة في تبيانها، فيمكن حصرها في الآتي:

أولا: المجال النسائي

حيث أبرزت الكلمة خاصيات العمل النسائي لجماعة العدل والإحسان والذي من مميزاته:

ب-أ- كمال الولاية بين المؤمنين والمؤمنات بدلالتها القرآنية.

ب-ب- الاستقلالية الكاملة للعمل النسائي داخل الجماعة في التدبير التربوي والتعليمي والدعوي وغيره.

ب-ج- تنسيق عضوات العمل النسائي مع أعضاء الجماعة والتعاون فيما هو مشترك من الأعمال والمهام والوظائف في إطار الجسد الواحد.

ثانيا- مجال التدافع السياسي الاجتماعي

–  الحضور القوي في الميدان طيلة أربعة عقود من عمر الجماعة مما جلب عليها بأس الدولة ونقمتها.

–  التأكيد على أنه ليس هدف جماعة العدل والإحسان الاستيلاء على السلطة بل الانتصار لقيم: الوحدة، والعدالة، والحرية، والكرامة، والأخوة، والتكافل والتعاون، والتي من حق كل فرد أن ينعم بها داخل هذا البلد.

 – عدم معاداة جماعة العدل والإحسان الأشخاص ﻷشخاصهم، بل تجعل القيم بوصلتها ومعيارها، لذلك تشفق حتى على من يعاديها حرصا على مصيرهم الدنيوي والأخروي.

ثالثا: ثوابت في رسالة جماعة العدل والإحسان

أ- على المستوى الوطني:

– انحياز جماعة العدل والإحسان المطلق إلى قيم الشعب المغربي، فلا حياد في معارك مواجهة الظلم والفساد، لا سيما مع تنامي موجات المسخ الأخلاقي مع الغزو الصهيوني المكثف للبلد.

– نداء الجماعة المتكرر لأطياف المجتمع من أجل حوار غير إقصائي يؤسس لقواعد تعاقد اجتماعي جديد.

– تذكير الجماعة لمن هم داخل الصف أو خارجه بلاءاتها الثلاث الشهيرة: لا للعنف، لا للسرية، لا للتبعية للخارج.

ب- على المستوى الخارجي:

– دعوة الجماعة أبناء الأمة لعدم الاستجابة للدعوات الطائفية التي تظل دعوى جاهلية تشعل ويلات حروب أهلية بين أبناء الوطن الوحد.

– دعوة الجماعة مختلف النخب إلى تغليب الخطاب الوحدوي الجامع الحافظ لنسيجي: المجتمع والدولة.

– مسؤولية اﻷمة الممتدة داخل كل الأقطار الإسلامية حيث يغدو الأفق الاستراتيجي استشراف وحدة الأمة التي يستوجبها الشرع، والمصلحة، والمسؤولية.

– دعوة العدل والإحسان خطاب يصل الرحم الإنساني، ويفتل في الأخوة الآدمية وقوفا في وجه الاستكبار وتحررا من طغيانه، ونصرة لكل المستضعفين على اختلاف أجناسهم وتنوعها، واعتبارا أن رسالة الجماعة رسالة رحمة ومحبة وسلام.