قبسات من نور النبوة.. في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع بناته وأحفاده

Cover Image for قبسات من نور النبوة.. في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع بناته وأحفاده
نشر بتاريخ

مقدمة

لا يختلف الناس في كون الأولاد والأحفاد مما جعله الله تعالى زينة هذه الحياة الدنيا، يُدخلون الفرحة على أهاليهم بما يظهرونه من ابتسامات تشرق على وجوههم، ومن حركات رائعة تستعرضها أجسامهم، ومن أصوات جميلة تُخرجها أفواههم، ليُحدث هذا كله وسط البيت حياة سعيدة تسري في الأسرة كلها. يقول الله تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا 1هذه الشتائل من براعم وزهرات والتي تفتّقت عنها تربة الحياة وسط حديقة الأسرة كيف تُعامل بالعناية وتتعهد بالرعاية؟ وكيف تسقى بماء التربية وتروى بغيث التعليم؟ وسط بيئة موبوءة تهدد براعمنا وزهراتنا بأمراض معدية تصدر من نبات مريض، وبسموم قاتلة تنتقل عبر قنوات تتبنى التربية والتعليم وهي ما وُضعت إلا لتشويه الفطر السليمة في ناشئة بريئة لأول مرّة ترى النور. وسط هذه البيئة الموبوءة من أين لنا بنموذج كامل يبعث في شرايين زهراتنا وبراعمنا العافية حتى يترعرعوا في جوّ صحّي سليم يرجى منه الصلاح والفلاح. ما يحزننا أكثر في تاريخنا الماضي منه والحاضر ليس ما فعله في الأمة الاستعمارُ من تخريب للديار ونهب للثروات، ولكن ما شوّهه من فِطر كانت سليمة فأصبحت مريضة بوسائل إعلام مستوردة خبيثة.

بعضنا يضيق ذرعا من هذه البيئة الموبوءة وما يُمارس على الفطرة من تشويه فيبحثون يُمنة ويُسرة فلا يرون إلا ما يزيد للطين بلّة، ولأنهم لا يملكون علما ودراية ومعرفة عميقة بدينهم يحسبون ما يعرض أمام أعينهم على وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة هي النماذج الحقيقية. وهو سمّ دُسّ في عسل. بينما المسلم المؤمن لا تعدو عيناه عن النموذج النبوي الكامل إلى أي نموذج آخر بالرغم مما يُقدّم له من دعاية ومن إشهار.

من أجل بسط هذا النموذج النبوي في التعامل مع الأطفال من أولاد وأحفاد، نقتبس من نور النبوة بعضا من صور هذا التعامل لعلها تكون منارات للأسر الحائرة تهتدي بها إلى الحياة السعيدة.

الأسرة النبوية

تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بخديجة رضي الله عنها بمكة وهو ابن خمس وعشرين سنة، أي قبل بعثته بخمسة عشر عامًا، وبقيت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن أكرمه الله برسالته، فآمنت به ونصرته، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين، ولأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها خصائص كثيرة اختصت بها، منها: أن أبناء النبي صلى الله عليه وسلم كلهم منها إلا إبراهيم عليه السلام، وهم القاسم وعبد الله وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهم. وشاء الله أن يموت الولدان، واحدًا بعد الآخر، ولم يعيشا طويلاً.

أما البنات فقد تزوجن جميعًا من خيرة الصحابة رضوان الله عليهم، وقد توفيت ثلاث منهن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهنّ زينب ورقية وأم كلثوم رضي الله عنهن، ولحقت الرابعة به بعد وفاته بستة أشهر وهي فاطمة الزهراء رضي الله عنها.

قال النووي رحمه الله تعالى: “كان له صلى الله عليه وسلم ثلاثة بنين: القاسم وبه كان يُكَّنَّى، وُلِدَ قبل النبوة، وتوفي وهو ابن سنتين، وعبد الله وسُمي الطيب والطاهر، لأنه وُلِدَ بعد النبوة. وإبراهيم ولد بالمدينة سنة ثمان، ومات بها سنة عشر وهو ابن سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر. وكان له أربع بنات: زينب تزوجها أبو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد. وفاطمة تزوجها على بن أبى طالب رضي الله عنه. ورقية وأم كلثوم تزوجهما عثمان بن عفان رضي الله عنه، تزوج رقية ثم أم كلثوم وتوفيتا عنده ولهذا سُمّي ذو النّورين، تُوفيَت رقية يوم بدر في رمضان سنة اثنتين من الهجرة، وتوفيت أم كلثوم في شعبان سنة تسع من الهجرة”.

التعامل النبوي

ماذا ننتظر من رجل وصفه الله تعالى بأنه رحمة للعالمين، وبأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، إلا أن يكون نموذجا كاملا في تعامله لبناته وأحفاده،  بل ولكل أولاد المسلمين.

فقد كان صلى الله عليه وسلم يفرح لولادة كل مولود جديد في بيوته خاصة، وفي بيوت المسلمين عامة. فإذا ولد مولود أذن النبي صلى الله عليه وسلم في أذنه اليمنى وأقام له في أذنه اليُسرى. ليكون أول ما يسمعه المولود في الدنيا كلمة الله. ثم يحنّكه بحلو التمر، ويسميه بخير الأسماء وأحسنها.

كان صلى الله عليه وسلم يعامل الصغار بكل رحمة وعطف وحنان، يقبّلهم ويمسح على رؤوسهم ويحملهم بين يديه. فقد حمل حفيدته أمامة بنت زينب وهو يصلي رحمة بها حتى تكفّ عن بكائها. ومن ذلك ذهابه إلى بيت فاطمة رضي الله عنها؛ ليلقى ابنه الحسن بن علي عليهما السلام، فوقف في فناء البيت ونادى: “أَثَمَّ لُكَعْ، أَثَمَّ لُكَعْ”. حتى خرج له الحسن وهو صبي يسعى، فالتزمه وقبَّله، وهو يقول: “اللهمَّ إني أُحِبُّهُ، فأَحِبَّهُ، وأَحِبَّ مَن يُحبُّهُ” 2. ولما قبّل النبي صلى الله عليه وسلم حفيده الحسن بن علي رضي الله عنهما، تعجب الأقرع بن حابس من ذلك وقال: لي عشرة أولاد ما أقبّل واحدا منهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “من لا يَرحم لا يُرحم”. ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يداعب الحسن والحسين فيأخذ بكفّي أحدهما ويجعله يرقى بقدميه على صدره الشريف ثم يقبّله.

يدلّ هذا على محبته صلى الله عليه لأولاده وأحفاده محبة شديدة، حتى إذا خاف عنهم مكروها قام يرقيهم بالمعوذات، ويقول لحفيديه الحسن والحسين: “أعيذكما بكلمات الله التامّة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامّة”.

أما إذا صاروا أطفالا من سبعة أعوام فما فوق علّمهم وعوّدهم كيف يتحملون المسؤولية، وذلك من خلال مصافحتهم ومبايعتهم، ومنهم الحسن والحسين وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وقد بايعهم بيعة تشريفٍ وليس تكليف. وروى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلقن صبية بني هاشم إذا أفصحوا قول الله عز وجل: وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك. ولم يكن له ولي من الذل. وكبره تكبيرا سبع مرات. وعند البخاري: “باب الدعاء للصبيان بالبركة”. وكان صلى الله عليه وسلم يُستقبل بالصبيان عند قدومه من السفر. وقد أمرَنا صلى الله عليه وسلم أن نأمر الصبيان بالصلاة لسبع سنوات حتى يتربوا على حب عبادة الله تعالى منذ صغرهم.

لم يقتصر تعامل النبي صلى الله عليه وسلم للصغار عند هذا الحدّ بل كان يدربهم على أنشطة هي أشبه ما تكون بالرياضة، لتقوى أجسامهم ويتعودوا على القوة والجندية. فكان صلى الله عليه وسلم يضع أبناء عمه العباس منهم عبد الله وعبيد الله وكُثَيّرا في صفّ ثم يقول لهم: من سبق إلي فله كذا وكذا. فيتسابقون إليه فيقع بعضهم على صدره، وبعضهم على ظهره، فيلتزمهم ويقبلهم.

لم يخل هذا التعامل النبوي الراقي والرائع مع الأطفال من توجيهات يقدمها لهم صلى الله عليه وسلم كلما رأى أفعالا تنافي الأخلاق الفاضلة، وأعمالا تخالف الفطرة السليمة إذا صدرت عنهم. وإذا ما قدّم هذه التوجيهات قدمها في قالب من الرفق واللين، والرحمة والحكمة. فها هو صلى الله عليه وسلم يدخل على ابنته فاطمة رضي الله عنها وهي نائمة ويوقظها بقوله: “قومي فاشهدي أضحيتك”. وها هو يرى على ابن عمّه الفضل بن العباس تميمة وُضعت في عنقه لتحميه من العين، فيزيلها عنه ويرشد أولياء أمره إلى رقية الأبناء والبنات بالقرآن الكريم وبالأحاديث النبوية.

وأما بخصوص معاملته صلى الله عليه وسلم لبناته فقد كانت معاملة في منتهى الرحمة والمحبة والعطف والحنان. من هذه المعاملة النبوية، أنه دعاهن بالحسنى للإسلام رحمة بهن، فأسلمن كلهن، وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم. إذا أقبلن عليه أحسن استقبالهن والترحيب بهن. وكان صلى الله عليه وسلم خير من يستأمن على أسراره بناته رضي الله عنهن. يجتهد في أن يدخل السرور والفرحة على قلوبهن. أما إذا مرضت إحداهنّ فإنه صلى الله عليه وسلم يكون لها نعم الطبيب المداوي ونعم المواسي الرحيم. عن عَائِشَة أُمِّ الْمُؤْمِنِيِنَ رضي الله عنها قَالَتْ : إِنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ جَمِيعًا لَمْ تُغَادرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام تَمْشِي، لَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ: (مَرْحَبًا بِابْنَتِي) ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا: سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ، فَقُلْتُ لَهَا أَنَا مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ: خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسِّرِّ مِنْ بَيْنِنَا، ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهَا عَمَّا سَارَّكِ، قَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ قُلْتُ لَهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنْ الْحَقِّ لَمَّا أَخْبَرْتِنِي قَالَتْ: أَمَّا الْآنَ فَنَعَمْ، فَأَخْبَرَتْنِي قَالَتْ: أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّ “جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلَا أَرَى الْأَجَلَ إِلَّا قَدْ اقْتَرَبَ فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ”. قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، قَالَ: “يَا فَاطِمَةُ أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ” 3.

وحين تعترض لهن مشاكل في حياتهن الزوجية كباقي الناس يسعى صلى الله عليه وسلم بالرحمة والحكمة لإصلاح ذات البين. وقد ذهب ذات مرة إلى بيت فاطمة رضي الله عنها، فسألها عن زوجها علي رضي الله عنه، قائلا: “أين ابنُ عَمِّك؟”. فقالت: كان بيني وبينه شيء فخرج. فأرسل يبحث عنه، فقيل له: هو نائم في المسجد. فأتى إليه، وقد سقط رداؤُه عن جنبه، وعَلِقَ به التراب، فجعل يمسح عنه التراب، ويقول: “قم أبا التراب، قم أبا تراب” 4.

كما كان صلى الله عليه وسلم يشاركهن مناسباتهن سواء كانت أفراحا أو أقراحا. فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا 5. وفي رواية النسائي (كبشين كبشين). وقال الشيخ الألباني عن الرواية: إنها الأصح.

ولم يكن صلى الله عليه وسلم لتنتهي توجيهاته وتوصياته لبناته بمجرد أن تزوجن، بل كان يتابع التربية والتعليم والتوجيه والنصح حتى في وجودهن في بيوت أزواجهن. ليس تدخلا منه في شؤون الغير بل عونا لهن على أن يكنّ خير النساء وخير الأزواج. وقد بلغ صلى الله عليه وسلم من محبته لبناته ورحمته بهن أنه اهتمّ بمن سبقه في الوفاة فغسلهن ووضع شيئا من ثيابه مع كل واحدة منهنّ ليكون معها في قبرها رحمة وشفاعة. فعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ (زينب)، فَقَالَ: “اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مَنْ ذَلِكَ، إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي”، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ. أي: إزاره. فَقَالَ: “أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ” 6. “أشعرنها”: هو من الإشعار، وهو إلباس الثوب الذي يلي بشرة الإنسان.

أسوة وإتباع

يقول الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا 7. من خلال ما ذكرناه معاملاته صلى الله عليه وسلم ومن مبدأ التأسي به في هذه المعاملات النبوية يمكن أن نجمل هذه التوجيهات النبوية المدعومة بالحكمة الإنسانية في ما يلي:

– تربية الأنبياء لأولادهم اعتمدت على صلاحهم باعتبارهم الأصل الذي تتفرع عنه فروع الأبناء. وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا الكهف: 82.. ثم الدعاء لهم بالصلاح والفلاح: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ 8. وتبقى بعد ذلك الهداية من الله تعالى. فقد كان من السلف الصالح من يخصص لأولاده أعمالا صالحة يقدمها قربانا لصلاح أولاده وذرياته.

– أن ما يبعث الأطفال على الإحساس بالسعادة والحنان هو أن يحظوا بتقبيل من قبل والديهم على خدودهم وجباههم عند ذهابهم إلى النوم أو استيقاظهم منه، وعند ذهابهم إلى المدرسة أو عودتهم منها، فقد كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما يرى ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها يقف لها ويقبلها بين عينيها. وأثناء هذا الاهتمام وبعده الدعاء لهم بالصلاح والنجاح والفلاح في كل أمورهم. وهذا ينافي التقليل من قيمة الأطفال والتنقيص من كرامتهم بالشتم والتوبيخ المبالغ لمجرد أخطاء قد يرتكب منها الآباء والأمهات ما لا يُحصى عدّا ولا يوزن ثقلا، ولا يقاس طولا.

– تربية الأبناء تتلخص في حفظ الفطرة. فإن الأعداء لا يحاربون الواجهة إنما يحاربون الخلفية التي تمثل المدد والسند والروح والاستقرار.

– التربية أن نساعد الطفل لتنمو فيه طفولته طبيعيا حتى يصبح راشدا. فلا نرغمه على أن يعيش زمانا هو دونه ولا أن يقفز مرحلة ليعيش أخرى.

– أن نضرب الأبناء على الأخطاء لخجل من الأصحاب والجيران إنما هو انتقام لأنفسنا وليس تربية لأبنائنا.

– عقاب الطفل من دون بيان العلة والسبب، يدفع الطفل إلى ربط الخطأ بالعقاب وليس بالعيب.

– عدم وصف الأبناء بأوصاف مشينة وتسميتهم بأسماء تافهة فتترصخ في ذهنه ويتماهى معها حتى يتمثلها حقيقة، في حين يجب وصفه ونعته بأوصاف وأسماء سامية تشجعه ليتقمصها في حياته حقيقة.

– أكبر أخطاء الآباء سعيهم إلى صناعة شخصية الأبناء وفق شخصيات يحملون مقاييسها في عقولهم.

– كثيرا ما نجني على الأطفال حين نصفهم بالغباء لمجرد تأخر ذكائهم وضعف نتائجهم المدرسية، فمن يستقرئ التاريخ يجد من الشخصيات المشهورة من كانت طفولته غالبا ما توصف بالغباء لكن سرعان ما فاجأت من حولها بالنبوغ والتفوق، فاكتشفت وأبدعت واخترعت وما تزال بصماتها على صفحات التاريخ خالدة تحكى ولا تُمحى.

خاتمة

كانت تلك قبسات من نور النبوة لطريقة التعامل مع الأولاد والأحفاد. مع العلم أن البيئة التي كانت تتم فيه هذه الأعمال التربوية والتوجيهية بيئة صالحة ولذلك تمّت عملية التربية بنجاح. وعليه فإن الحديث عن أي تعامل ناجح دون التفكير في إيجاد البيئة الصالحة التي تبدأ بصلاح الأسرة من أب وأم، مرورا بصلاح المجتمع، وانتهاء بصلاح الأمة لا يعدو أن يكون كلاما مجردا لا يحرك ساكنا. ولكن في انتظار أن يفتح الله على هذه الأمة بفتح مبين تبقى الأسرة هي البيئة الأمثل لنمو هذه الشتائل من الأجيال الحالية والقادمة بإذن الله. أسرة تكون الأمثل حين يكون فيها الاستقرار المبني على المودة والرحمة والعطف والحنان والحوار والتفاهم والتطاوع. وتكون الأسرة صالحة عندما يكون الأب صالحا، والأم صالحة، والابن صالحا، والبنت صالحة، والعمل صالحا.

رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا 9.


[1] الكهف:46.
[2] ينظر مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري مسلم وابن حبان.
[3] رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى.
[4] صحيح مسلم والبخاري وغيرهما.
[5] رواه أبو داود رحمه الله.
[6] رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى.
[7] الأحزاب: 21.
[8] الأحقاف: 15.
[9] الفرقان: 74.