في الذكرى 11 لرحيل الإمام عبد السلام ياسين.. مشروع الرجل أم رجل المشروع؟

Cover Image for في الذكرى 11 لرحيل الإمام عبد السلام ياسين.. مشروع الرجل أم رجل المشروع؟
نشر بتاريخ

شكلت محطات ذكرى رحيل الإمام المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله فرصا للتداول فـي شتـى القضايا المرتبطة بالمشروع التحرري الذي ندب حياته له تأصيلا وتقعيدا وأجرأةً وتنزيلا، وإسهاما فـي فعاليات الذكرى الحادية عشْرة، حضرنـي تساؤل أقرب إلـى الوجودي: هل كانت جماعة العدل والإحسان مشروع الرجل أم كان هو رجل مشروعها؟  بتعبير أدق، هل كانت الجماعة وسيلة يقدم من خلالها الأستاذ المرشد نفسه للناس قائدا وزعيما أم كان إطارا وحاضنة لمشروع مجتمعـي أسهم الرجل فـي إرساء معالمه؟ وكيف السبيل للتمييز بين الوصفين؟

مشـروع الرجل:

أوتـيَ الإمام المرشد كاريزما خاصّة أكسبته هيبة ووقارا ليس فـي قلوب محبيه فقط، بل فـي قلوب من عاشـروه عموما، ومن المخالفين تصورا ورؤية تغييرية تحديدا؛ كاريزما أسهمت فـي بلورتها عوامل وهْبية وكسبية صاغت شخصية فريدة رشحتها الأقدار الإلهية لمَهمّة استثنائية، مَهمّة الإسهام فـي انبعاث الأمة وتجديد دين الأمة.

  واعتبارا للجهود التـي بذلها الرجل فـي تقعيد المشروع وتنزيله من جهة، ولمواقفه الرجولية الـتــي كادت أن تكلفه حياته من جهة ثانية؛ مواقفُ اعتبرها الكثيرون بالنظر إلــى ظروفها وسياقها انتحارا ورميا بالنفس إلـى التهلكة: “رسالة الإسلام أو الطوفان” نموذجا، التي نصح من خلالها الملك الراحل الحسن الثانـي؛ كاريزما ومواقفُ رفعت منسوب جاذبيته وامتلك القلوب ببذله وتضحياته، وهو ما دفع البعض ممن نصّبوا أنفسهم منتقدين للرجل باتهام أعضاء جماعة العدل والإحسان بتقديسه، واعتباره مهووسا بالزعامة واتخاذ الجماعة إطارا لتحقيق رغبته الشخصية؛ تقدير جعل منتقدي الجماعة يتوقعون أفول نجمها بعد رحيل مرشدها، ما دامت الجماعة هـي المرشد، وبدونه لا يمكن أن تقوم لها قائمة، فاستعجلوا وفاة الرجل، وتربصوا بجماعة زاغت وفق تقدير فقههم السلطانـي الدوائر، وتتفرق بأتباعه بُعيد رحيله السبل، وتوارى الجماعة كما يتوارى جثمان الميت.

رجُلُ المشـروع:

 مقابل توصيف “مشروع الرجل” حيث تعتبر الجماعة إطارا لتلبية طموح شخصـي، ينتصب توصيف “رجل المشروع” الذي يعتبر المشروع مقدَّما علـى صاحبه، ويجعل الإمام المرشد رحمه الله فاعلا مركزيا فــي بناء المشـروع، تنظيرا وتربية لأجيال من بنات وأبناء الجماعة وتأسيسا لأجهزتها التنظيمية؛ بناء تبلور علـــى مدى قرابة أربعة عقود، فاستوت الجماعة – توفيقا من الودود الكريم – ملاذا تربويا ذا حظ وافر – ولا نزكـي علـى الله أحدا – من التأسـي النبوي، ونموذجا أخلاقيا مشهودا له بالجدية ونكران الذات والتنافس فـــي الميدان مع الأخيار والفضلاء لخدمة الشعب والتحيز لمطالبه.

لقد أثمرت جهود الإمام المرشد جماعة مؤسساتية أنجبت – ولا تزال – أطرا مجتمعية ضاقت بكفاءاتها المهْنـية حُويْصلة المخزن الذي بادر لاتخاذ قرار تعسفـــي غير مسبوق فـي التدبير الإداري سماه “الإعفاء من المهام الإدارية”، فـي محاولة يائسة بئيسة، تحيل علــى ما يسمــى “تجفيف المنابع” للحيلولة دون إشعاع الجماعة ومنع أطرها من التواصل من خلال مهامهم الوظيفية مع الشعب.

اليوم، وبعد أحد عشر عاما علـى رحيل الإمام المرشد رحمه الله، تتبوأ جماعة العدل والإحسان، والمنة لله العزيز الوهاب، المشهد إن علـى المستوى التربوي السلوكـي من خلال محاضن التربية الإيمانية التي تنجذب إلـى أنوارها فئات واسعة من بنات وأبناء الشعب يروون ظمأهم الروحـي من حياضها؛ فئات بشهادة الأغيار انتشلتهم الجماعة من موجات الإلحاد وتيارات الغلو والتطرف؛ وإن علـى المستوى الفكري والعلمـي من خلال حضور علمـي وفكري لأطرها العليا، وفــي تخصصات ومجالات متعددة،  يُسهمون فـي الحياة الفكرية والعلمية بإنتاجات وازنة؛ وإن علـى المستوى السياسـي والتدافعــي من خلال حضور ميدانــي تقويضا للفساد والاستبداد، وتوفيرا لإنضاج شروط تعاون فضلاء البلد من أجل بناء مشروع مجتمعـــي يضمن للشعب الكرامة والحرية والعدالة.

بعد أحد عاما، لم يتعثر سير جماعة العدل والإحسان كما تمنـــى المتربصون خصوم الحرية والانعتاق من نير الاستبداد، الراتعون فـي ريع المخزن، بل ازدادت مع توالـي الأعوام رشدا وسدادا، وظهر بالبرهان والدليل الواقعــي صدق مشروعها المجتمعــي، وتأكد لمن كان يحتاج لتأكيد أن جهود الإمام المرشد رحمه الله لم تذهب سدى لما اختار – توفيقا من الله تعالــى –  أن يربـي رجالا ونساءً يُستأمنون علــى مشروع تحرري للأمة يتجاوز الحدود القطرية، تشوفا لبشارة نبوية أن بعد دياجير قرون العض والجبر فجر الخلافة علـى منهاج النبوة تتفيأ البشرية فيه بنور الهداية وتنعم فيه بالحرية والكرامة فــي ظلال مجتمع العمران الأخوي.      

والحمد لله رب العالميــــن.