فقه الطهارة (الوضوء -3-)

Cover Image for فقه الطهارة (الوضوء -3-)
نشر بتاريخ

نواقض الوضوء

الطهارة نزاهة عن الأوساخ، ورفع للأحداث كما تقدم في موضوعنا، وقد تصدر من الإنسان أحداث أو أسباب أو غيرهما  تنقُض الطهارة وتمنع من القيام بعبادة الصلاة لمنافاتها لها، فيُحتاج من جديد إلى طهارة الحدث أو الخبث..

فما نواقض الوضوء؟ وما أقسامها؟

قال الإمام ابن عاشر – رحمه الله تعالى –

فَصْلٌ نَواقِضُهُ سِتَّةَ عَشَر ** بَوْلٌ وَرِيحٌ سَلَسٌ إِذَا نَدَر

وَغَائِطٌ نَوْمٌ ثَقيِلٌ مَذْيُ ** سُكْرٌ وَإِغْمَاءٌ جُنُونٌ وَدْيُ

لَمْسٌ وَقُبْلَةٌ وَذَا إِنْ وُجِدَتْ ** لَذَّةُ عَادَةٍ كَذَا إِنْ قُصِدَتْ

إِلْطَافُ مَرْأَةٍ كَذَا مَسُّ الذَّكَرْ ** وَالشَّكُّ فِي الْحَدَثِ كُفْرُ مَنْ كَفَرْ

نواقض الوضوء

هي الأشياء التي تنقض الطهارة وتبطلها. وهي على ثلاثة أقسام: أحداث، وأسباب، وما ليس بواحد منهما.

فالحدث: ما ينقض الوضوء بنفسه؛ كالخارجِ المعتاد من المخرجين المعتادين. وهو ستّة: البول، المذي، الودي، الغائط، الريح، السلس.

والسبب: ما كان مؤديا إلى الحدث؛ كالنوم المؤدي إلى خروج الريح مثلا. وهو ثمانية: الجنون، الإغماء، السُّكر، النوم، اللمس للذة، القبلة للذة، وإلطاف المرأة، ومسُّ الرجل ذَكره.

وما ليس بأحداث ولا أسباب: ويشمل أمرين:

1- الشك في الحدث.

2- الردة، أي الكفر.

أما الأحداث فهي:

1- البول: وهو ناقض للوضوء لحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا في سفر ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط، وبول، ونوم” رواه الترمذي في سننه وقال هذا حديث حسن صحيح واللفظ له.

2- الغائط: لقوله عز وجل: أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ المائدة.

3- الريح: لحديث عباد بن تميم عن عمه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة؟ فقال: “لا ينفتل – أو لا ينصرف – حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا” رواه البخاري.

4- المذي: لحديث علي كرم الله وجهه قال: كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: “يغسل ذكره ويتوضأ” رواه النسائي.

5- الودي: قال ابن زيد في الرسالة: وأما الودي فيجب منه ما يجب من الوضوء، قياسا عليه لأنه خارج من السبيل، ودليله: قول ابن عباس رضي الله عنهما: “هو المني، والمذي، والودي، فأما المذي والودي فإنه يغسل ذكره ويتوضأ”. ولقول ابن مسعود – رضي الله عنه – : “في الودي الوضوء”. رواه البيهقي في سننه.

6- السَّلس: وهو استرسال الشيء وعدم استمساكه، كمن به سلس البول أو الودي أو المذي أو الريح أو الاستحاضة، وغيره، وشرطه أن يكون نادرا لخفة المشقة في الوضوء منه، أما إن كان إتيانه أكثر من انقطاعه فلا ينقض ولكن (يستحب) منه الوضوء، فعن عمر رضي الله عنه قال: “إني لأجد المذي ينحدر مني مثل الجمان أو اللؤلؤ فلا التفت إليه ولا أباليه” رواه مالك في الموطأ.

قال بن عبد البر: وهذا يدلّ على أن عمر استنكحه أمر المذي، وغلب عليه وسَلِسَ منه، كما يسلسُ من البول، فقال فيه القول…

أما الأسباب فهي ثمانية:

1- النوم الثقيل: قصيرا كان أم طويلا، وأما الخفيف قصُر أو طال فلا ينقض، والنوم ناقض وذلك لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة.. المائدة، الآيه 6.

ولحديث صفوان بن عسال السابق “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا في سفر ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن غلا من جنابة، ولكن من غائط، وبول، ونوم”.

وحديث علي – كرم الله وجهه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “العين وِكَاءُ السَّهِ، فمن نام فليتوضأ” رواه أحمد بن حنبل في المسند، وهو حديث حسن.

2_3_4- السكر والإغماء والجنون: هذه من الأسباب المؤدية إلى خروج الحدث،  فوجب منها الوضوء، لأنه إن زال العقل بها انتقض الوضوء إجماعاً، وقد ألحقوها بالنوم المستثقل لجامع التغطية بينهم للعقل، فهي ناقضة بطريق الأولى.

5- اللمس: باليد أو المس بغيرها من الأعضاء، للزوجة أو الأجنبية مع اللذة إن قصدها ووجدها، أو وجدها ولم يقصدها، أو قصدها ولم يجدها؛ ففي هذه الأحوال تنقض الوضوء لقوله سبحانه تعالى: .. أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء.. المائدة.  واللمس يطلق على الجسِّ، فعن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: “قبلة الرجل امرأته، وجسها بيده من الملامسة، فمن قبل امرأته أو جسها بيده، فعليه الوضوء” رواه مالك في الموطأ.

أما إذا لمس أو لُمس بلا قصد لذة، ولا وجودها، فلا ينتقض وضوءه لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: “كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورِجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتها، والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح” رواه البخاري.

6- القبلةُ إذا كانت بلذّة: لحديث ابن عمر رضي الله عنهما المتقدم في اللمس، ولقول ابن مسعود رضي الله عنه: “من قبلة الرجل امرأته الوضوء” رواه مالك في الموطأ.

وأما إن كانت بدون لذة فلا نقض، لحديث عروة عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: “إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، قال عروة: فقلت: ومن هي إلا أنت؟ فضحكت” رواه النسائي في سننه وهو حديث حسن.

7- إلطاف المرأة: وهي أن تدخل يدها في شفري فرجها، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ” أحمد بن حنبل في مسنده.

8- مس الذكر: بباطن الكف أو باطن الأصابع أو بجنبهما، لا من فوق حائل كثيف أو خفيف، وذلك لحديث بسرة بنت صفوان – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ” رواه النسائي.

ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: (من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب، فقد وجب عليه وضوء الصّلاة) رواه البيهقي في سننه.

وأما ما ليس بحدث ولا سبب، فهو اثنان:

1- الشك في الحدث: من تيقن الطهارة وشك في الحدث فليعد وضوءه، وفرق بعضهم بين الشك في الطهارة داخل الصلاة وفي الشك في خارجها، فتجب على من شك خارج الصلاة، أما بعد الدخول فيها فلا يقطع إلا بيقين، وقد دل على هذا حديث عبد الله بن زيد – رضي الله عنه- قال: شُكِي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم: “لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا” رواه البخاري.

أما إن تيقن الحدث وشك في الطهارة فإنه يلزمه الوضوء وهذا بإجماع المسلمين.

2- الكفر: نعوذ بالله تعالى منه – فمن كفر بعد أن كان مسلما فإنه ينتقض وضوءه وغسله، لأن الكفر محبط للعمل، والوضوء من جملته، وذلك لقوله تعالى: لئن أشركت ليحبطن عملك (الزمر الآية 65)، وقال تعالى ولا تبطلوا أعمالكم (سورة محمد 33).

المرجع: كتاب “العرف الناشر في شرح وأدلة فقه متن ابن عاشر”، تأليف المختار بن العربي مؤمن الجزائري.