فقه الطهارة (الغسل -1-)

Cover Image for فقه الطهارة (الغسل -1-)
نشر بتاريخ

الحمد لله الذي جعل الطهارة مفتاح الذكر، وحثّ المسلمين على العناية بها، ووضع لها آدابا وشروطا، لا تصح الصلاة إلا بها، ولا تكمل إلا بتحقيقها، ومن أهم هذه الشروط الغسل الذي لا يقبل الله صلاة إلا بتحقيقه بعد الحدث الأكبر. فما هو الغسل وماهي فرائضه؟ وسننه؟ ومندوباته؟

تعريف الغسل

الغسل لغة: بفتح الغين اسم الفعل، وبضمّها اسم الماء، لا خلاف في ذلك.

واصطلاحا: إفاضة الماء الطهور على جميع البدن على وجه مخصوص..

وهو واجب لقوله تعالى: وإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا (المائدة، 6).

فرائض الغسل

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:

فَصْلٌ فُرُوضُ الْغَسْلِ قَصْدٌ يُحْتَضَرْ * فَوْرٌ عُمُومُ الدَّلْكِ تَخْلِيلُ الشَّعَرْ

فَتَابِعِ الْخَفِيَّ مِثْلَ الرُّكْبَتَيْنْ * وَالِابْطِ وَالرُّفْغِ وَبَيْنَ الَالْيَتَيْن

وَصِل لمَا عَسُرَ بِالمِنْدِيلِ * وَنَحْوِهِ كَالْحَبْلِ وَالتَّوْكِيلِ

شرع الناظم رحمه الله تعالى في بيان الغسل وما يتعلّق به فبدأ بفرائضه، وهي أربعة:

1- النية: وهي القصد الذي يطلب حضوره عند الشروع في الغسل، لحديث عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إنما الأعمال بالنيات – وفي رواية: بالنية – وإنما لكل امرئ ما نوى” رواه البخاري.

2- الفور: وهو المعبر عنه بالموالاة وقد تقدم معناه، لثبوت فعلها صلى الله عليه وسلم في غسله، بحيث يفعل الغسل كلّه دفعة واحدة عضوا بعد عضو إلى أن يفرغ، والتأخير اليسير مغتفر، والكثير إن فعله عامداً غير مضطر لذلك مبطل لما فعل، والطّول هنا قدر ما تجفّ فيه الأعضاء المعتدلة في الزّمان المعتدل.

3- الدّلك: وهو المشهور من مذهب مالك، أنه لا يجزئه الغسل حتى يتدلك، وقد ذكروا لذلك بعض الأدلة إلا أنها ضعيفة ومنها ما يتقوى بغيره، نذكر منها عن عائشة – رضي الله عنها – (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل، ثم أمرها أن تدلك وتتبع بيديها كلّ شيء لم يمسّه الماء من جسدها، ثم قال: “يا عائشة أفرغي على رأسك الذي بقي ثم ادلكي جلدك وتتبعي”، قاله الغماري في مسالك الدلالة، وذكره ابن حزم في المحلى..

فإن لم تصل يده لبعض جسده دلكه بخرقة أو حبل ونحوهما، أو استناب غيره على ذلك.

4- تخليل الشعر: لحديث عائشة رضي الله عنها: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة، بدأ بغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كلِّه” رواه البخاري.

سنن الغسل

قال الناظم:

سُنَنُهُ مَضْمَضَةٌ غَسْلُ الْيَدَيْنْ * بَدْءاً وَالاِستِنْشَاقُ ثَقْبُ الُاذْنَيْنْ

سنن الغسل خمسة، وعدّها الناظم أربعاً لاستلزام الاستنشاق للاستنثار:

1- غسل اليدين في ابتداء الغسل وقبل إدخالهما في الإناء.

2- المضمضة.

3-4- الاستنشاق والاستنثار.

5- مسح ثقب الأذنين، وأما جلدة الأذنين فلا خلاف في غسلها، وقد وردت في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن أمّنا ميمونة – رضي الله عنها – قالت: “وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلاً فأفرغ بيمينه على يساره فغسلهما، ثم غسل فرجه، ثم قال بيده الأرض فمسحها بالتراب، ثم غسلها، ثم تمضمض، واستنشق، ثم غسل وجهه، وأفاض على رأسه، ثم تنحى فغسل قدميه، ثم أُتِي بمنديل فلم يَنفُض بها” رواه البخاري.

وعن عائشة رضي الله عنها “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة” مالك في الموطأ.

مندوبات الغسل

قال الناظم:

مَنْدُوبُهُ الْبَدْءُ بِغَسْلِهِ الاذَى * تَسْمِيَةٌ تَثْلِيثُ رَأْسِهِ كَذَا

تَقْديمُ أَعْضَاءِ الْوُضُو قِلَّةُ مَا * بَدْءٌ بِأَعْلَى وَيَمِينٍ خُذْهُمَا

أي أن مستحبات الغسل سبعة وهي:

1- البدء بغسل الأذى عن الفرج: لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل بدأ بيمينه فصب عليها من الماء فغسلها، ثم صب الماء على الأذى الذي به بيمينه، وغسل عنه بشماله، حتى إذا فرغ من ذلك صب على رأسه” رواه مسلم في صحيحه واللفظ له.

2- التسمية: ودليل الاستحباب حديث رباح بن عبد الرحمان ابن حويطب، وقد تقدمت الأدلة في الوضوء مبسوطة.

3- تثليث الرأس: وهو أن يغسله ثلاثاً قبل أن يصب على جسده لحديث عائشة رضي الله عنها في صفتها لغُسله صلى الله عليه وسلم “… ثمّ يخلّل بيديه شعره، حتى إذا ظنّ أنه قد أروى بشرته، أفاض الماء عليه ثلاث مرات…” رواه مالك في الموطأ.

4- تقديم أعضاء الوضوء: وذلك لشرفها، وليجمع بين الطهارتين الصّغرى والكبرى، لحديث أمنا عائشة رضي الله عنها “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم يتوضأ كما توضأ للصلاة” سبق تخريجه.

5- تقليل الماء من غير تحديد في ذلك: وهو سنة مستحبة في الغسل والوضوء، لحديث أنس رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصّاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمُدِّ” رواه البخاري.

6-7- البدء بأعلى البدن وباليمين:  لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحِلابِ فأخذ بكفّه، فبدأ بشقّ رأسه الأيمن، ثم الأيسر، فقال بهما على وسط رأسه” رواه البخاري.

المرجع: العرف الناشر في شرح وأدلك فقه متن ابن عاشر.

– يتبع –