فـــي رسائل كلمة ذكرى تأسيس جماعة العدل والإحسان

Cover Image for فـــي رسائل كلمة ذكرى تأسيس جماعة العدل والإحسان
نشر بتاريخ

إحياءً للذكرى الأربعينية لتأسيس جماعة العدل والإحسان، وإيذانا بانطلاق فعالياتها ألقى الأمين العام للجماعة الأستاذ محمـد عبادي كلمة مؤطرة للذكرى تناولت محاور متعددة، وتضمنّت رسائل لأكثر من طرف، نروم رصدها.

واستحضارا لخصوصية المناسبة، ووعيا بحساسية المحطة، وتفويتا لفرص التأويلات غير البريئة حُررت الكلمة بعناية فائقة، حيث تُفُودي الاستطراد، فجاءت الكلمة متماسكة أفكارا، متوازنة فِقراتٍ، رفع من منسوب قيمتها سلامة الإلقاء وجمالية الفضاء منصةً وخلفيةً.

وحيث إن المناسبة شرط، فقد جردت الرسالة حصيلة أداء الجماعة خلال أربعة عقود خلت؛ أداءٌ إيجابـيّ “نتذكر فيه ما منّ الله به علينا من نِعم خلال هذه المدة فنزداد شكرا لله طمعا فـي المزيد لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ؛ حصيلةٌ يجسدها الحضور المتميز للجماعة، ففـي الشأن المعرفي والعلمي، تزخر الجماعة بـــ“طلائع من الباحثين والكتاب والعلماء والدعاة، يشفُون الغليل في محاضراتهم وندواتهم وحواراتهم”، وفـي مجال العمل النسائي برزت “رائدات في مجالات شتى”، بفضل ما تتميز به نساء الجماعة من “استقلال كامل فـي تدبير شؤونهن التربوية والتعليمية والدعوية وغيرها”؛ أما في المجالين السياسي والحقوقي، فإسهام الجماعة لا ينكره إلا جاحد، بناءً للوعي السليم، وتعاونا في العمل الميداني المسؤول، ورفعا لسقف المطالب الضامنة للكرامة والعدالة والحرية.

هذا ويبقى أكبر إنجاز فـي تقدير كلمة الذكرى ترسيخ الجماعة لنموذج تربوي إيماني، احتضن أجيالا من أبناء وبنات الجماعة وانتشلها من فخاخ التطرف والغلو؛ تربية “أحيت أجيالا من الشباب انتشلتهم من الغواية والضلال، وغرست فيهم معاني الفضيلة والرجولة. فكثير منهم أصبحوا اليوم أطراً وكوادر يضرب بهم المثل في الجدية في العمل، والتفاني في خدمة الوطن كل حسب تخصصه”

لقد جاءت كلمة الذكرى مذكِّرةً برسائل لأكثر من طرف، ومنها:

1. تطمين الصف الداخلي وتثبيته أمام ما يستهدف الجماعة من حملات التشويش والتشهير باختياراتها وتصورها التربوي تحديدا، حيث اعتبر الأمين العام للجماعة أن الصحبة “لمؤسس الجماعة الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله من أعظم النعم التي منّ الله بها علينا…”؛  صُحبة هـي أس تربية إيمانية نبوية توفق بين الخلاصين الفردي والجماعي تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مشروع تربوي أثله الإمام المجدد رحمه الله في كتاب “المنهاج النبوي: تربية وتنظيما وزحفا” وندب حياته لتنزيله وتعهده، فربـى “أجيالا من المؤمنين والمؤمنات، ورثوا منه روحانيته، وهمته، وشجاعته، وتبَتلَه، وهمَّ لقاء الله، والاهتمامَ بأمر الله، كل حسب استعداده. وتعلموا على يديه أنجع أساليب التدبير والتسيير والدعوة، وألطف طرق التعامل الرفيق مع الوالدين والأولاد والأزواج وعامة الناس، وارتبطت أرواحهم به، وببعضهم البعض، فأصبحوا بنيانا مرصوصا…”.

2. تطمين الشعب على وفاء الجماعة لانتظاراته وانحيازها لمطالبه فــي الحرية والعدالة والكرامة: “وبهذه المناسبة كذلك نريد أن نطمئن أبناء وطننا بأننا وإياهم ذات واحدة، يسيئنا ما يسيئهم، ويسعدنا ما يسعدهم، وأننا لن نألوَ جهدا في الدفاع عن المستضعفين والمظلومين، وأننا مجندون في الدفاع عن الوطن وقضاياه، ولن يهدأ لنا بال حتى ينال كل فرد في هذا البلد حريته وكرامته وحقوقه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها”.

3. تطمين الفضلاء والفرقاء على حرص الجماعة وتمسكها بالمقاربة التشاركية بناء لجبهة ممانعة لسياسات التجريف التي ينهجها النظام؛ مقاربة تشاركية تدعو الجماعة لتأطيرها بميثاق وطني يُفضي لتعاون ميداني مسؤول، يروم بناء مغرب لجميع فئات الشعب، دون إقصاء أو تهميش: “نوجه النداء لأطياف المجتمع نقول لهم: هلمّوا إلى مائدة الحوار، نرسـي فيها قواعد وأسسا نبنـي عليها صرح وطن يسع الجميع، ويضمن لكل أبنائه حياة العزة والكرامة، وطنٍ تسوده الأخوة والتكافل والتعاون. ولن تجدوا منّا إلا إخلاصا وصدقا ووفاء”.

4. تجديد الدعوة لرفض التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين، المدنس لمقدساتها والتصدي لمخططات التمييع والتمكين لكل رذيلة، تخريبا لمنظومة قيم المجتمع؛ تطبيع ومخططات تمييع غدت تشكل وجهَـيْ عملة لحكامة غير راشدة تقتضي تظافر جهود الفضلاء والغيورين لإنقاذ سفينة الوطن من الغرق: “إن ما نراه من استفحال للظلم والفساد، ونلمسه من مخططات خبيثة تستهدف الإجهاز على قيمنا وهويتنا بنشر الرذيلة في أوساط شبابنا وشاباتنا، وما تعرفه بلادنا فـي الآونة الأخيرة من غزو صهيوني مكثف، طال كل مرافق الحياة، جعلنا خائفين على مصير مغربنا الحبيب، فإن لزم كل منا الصمت والحياد فسيدركنا الغرق جميعا”.

5. التأكيد على تمسك الجماعة بتصورها واختياراتها التدافعية، “ولن نتخلى أبدا عن مبادئنا ومن ضمنها اللاءات الثلاث التي رفعناها شعارا؛ لا للعنف مهما أوذينا، ولا للتبعية للخارج مهما كانت الإغراءات، ولا للسرية التي نعتبرها سلوكا صبيانيا يهدد أمن المجتمع وسلامته. فالوضوح فـي الأهداف والمواقف أمرٌ تربّينا عليه، ولن نحيد عنه أبدا إن شاء الله”.

6. دعوة علماء ومفكري الأمة الإسلامية وعموم المؤثرين المجتمعيين إلى الاضطلاع بمهامهم التوجيهية والتنويرية والتوعوية تصديا لدعوات التطرف والغلو والفُرقة على أساس طائفـي أو مذهبـي أو عرقـي أو إيديولوجي، احتضانا لشباب الأمة وإعداده ليكون لبنات بناء صرح أمة تستحق توصيف “خير أمة” القرآنـي: “نداؤنا لأبناء أمتنا، فإننا ندعوهم وإيانا أن لا نستجيب للدعوات الجاهلية التي تثير الفتن، وتشعل الحروب والعداء بين الأقطار، وبين الطوائف والمذاهب، والعرقيات والإديولوجيات. وندعو كل من له غيرة وتأثير في المجتمع من الربانيين والمصلحين، والنخب والمفكرين، أن ينزرعوا في جسم الأمة ويذكروها بالله وبالآخرة، ويبثوا في أوساطها معاني الحب في الله، ومعاني الفتوة والرجولة حتى يتحرك كل قطر للتخلص من هيمنة الاستكبار العالمي وأزلامه في الداخل”.

7. تذكير الأمة الإسلامية برسالتها التاريخية ووظيفتها الدعوية تحريرا للإنسانية من الغواية ونَيْر الاستكبار ونشرا للهداية وإقامة مجتمع العمران الأخوي، حيث يعم السلام والتعاون والأخوة الآدمية: “فمسؤولية الأمة تجاه البشرية هي تحريرها من كل طغيان وإخراجها من الظلمات إلى النور، طوعا لا كرها، هذا ما تفيده الآية الكريمة كنتم خير أمة أخرجت للناس، ووضعنا الحالي لا يؤهلنا لأداء هذه المسؤولية…”.