فاتح ماي 2023.. قراءة تحليلية للخطاب والسلوك واستشرافية لمعالم خارطة الطريق

Cover Image for فاتح ماي 2023.. قراءة تحليلية للخطاب والسلوك واستشرافية لمعالم خارطة الطريق
نشر بتاريخ

محمد بن مسعود، كاتب عام القطاع النقابي للعدل والإحسان

كعادته، خرج السيد وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات المغربي ليلة فاتح على وسائل الإعلام ليتلو خطابه السنوي، خطابا يتيما لا يسنده اتفاق اجتماعي، ولا بلاغ مشترك بعدما فشلت حكومة أخنوش في تهييئ ما يمكن زَفُّه للشغيلة في يومهم الأممي. وفي نفس السياق ولذات الأسباب، أعلنت النقابات فاتح ماي يوما للاحتجاج النقابي على الغلاء والزحف على  مكتسبات الشغيلة ودفاعا عن حقوقها.

إن خطاب الحكومة على لسان وزيرها بدا عاريا وفارغا؛ فلا زيادة عامة في الأجور، ولا تخفيض ضريبي على الأجر، ولا درجة جديدة للموظفين، ولا جديد يبشرهم بقرار جديد يقطع مع منهجية المشروع المشؤوم لإصلاح أنظمة التقاعد بالصيغة الموضوعة فوق الطاولة …

إنه خطاب يعكس الحصيلة السلبية للحكومة خلال هذه السنة الاجتماعية (ماي 2022- ماي 2023) في تنزيل اتفاق 30 أبريل 2022. أو قل بالدارجة “سقطت” الحكومة في امتحان الوفاء بالالتزامات الموقعة مع النقابات، وبالوعود التي رفعتها الأغلبية أثناء الحملة الانتخابية؛ لدرجة أن السيد الوزير بدا يتعسف ليغطي هذه الشمس الساطعة بغربال الحديث عن مخصصات المقاصة مَنًّا (دعم البوطا والسكر والقمح اللين والكهرباء)، وعن اتفاقات قطاعية مع موظفي الصحة والتعليم والتعليم العالي، أغلبها لم يجد طريقا بعد للتنفيذ، وهي عبارة عن إشكالات نقابية طال مكوثها في الملفات المطلبية القطاعية، ولا علاقة لها بالسياق الحالي للتضخم والغلاء … وختم السيد الوزير خطابه بالحديث عن 2 ميون ونصف تقريبا ممن استفادوا من تعميم التغطية الصحية، وهو رقم ضعيف بالمقارنة مع العدد الإجمالي للمعنيين، ناهيك عن سوء المرفق الصحي العمومي وإشكالات أخرى كبيرة ليس المجال متاحا للتفصيل فيها…

وليت السيد الوزير، وهو لا يجد ما ينمق به خطابه تحدث عن أمور أخرى ينتظرها المغاربة، ولا تحتاج جلسات الحوار الاجتماعي أصلا، فنجده تهرب من الحديث عن نتائج لجنة تقصي الحقائق حول ملف المحروقات، وعن عشرات ملايير الدراهم المنهوبة منذ ذلك الحين، وعن مصير لاسمير، وعن الإجراءات التي كان ينبغي اتخاذها لفرض عدالة ضريبية ووقف الغش الضريبي والتهرب الضريبي الذي يمارسه أكثر من ثلاث أرباع إجمالي المقاولات، وعن إجراءات للرفع من فعالية وجودة الخدمات الاستشفائية في المستشفيات العمومية الكارثية، وأخرى لوقف مسلسل الإضرابات المتتالية للفئات المحتجة بالمدرسة العمومية على مطالبها المشروعة… ولم يتحدث عن فرض احترام مدونة الشغل في أكثر من 75 في المئة من المقاولات التي لا تطبقها، ولا عن الإجراءات لضمان الحريات النقابية، ولتنفيذ الالتزام الحكومي لسنة 1996 للمصادقة على الاتفاقية 87، وحذف المادة 288 من م ق ج المجرِّمة للعمل النقابي، وعن إجراءات الإفراج عن وصول إيداع عشرات المكاتب النقابية المحرومة منها، وهلم جرا… الخطاب طبعته لغة الخشب.

إذا حاولنا، في تمرين ذهني بسيط، أن نفهم لماذا بدا الوزير وكأنه يشكي حاله للمواطنين باعتباره “نقابي الحكومة” وليس وزيرا مسؤولا فيها، فسنجد أنفسنا أمام ما يلي: عجز الحكومة لأنها محكومة وفاقدة للسلطة الحقيقية بنص الدستور والممارسة، ومجال المبادرة أمامها محدود بسبب محدودية الميزانية العامة لأن الثروة لا زال البحث جاري عنها! منذ أعلن الملك في خطابه: “أين الثروة؟”. ثم لأنها حكومة نجيبة في الانضباط لإملاءات المؤسسات المالية الدولية المتحكمة ونقصد أساسا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والتي تفرض تخفيض الإنفاق العمومي، والتوجه رأسا للخصخصة والتفويت كما يقع الآن مع قطاع الماء والكهرباء، وفتح الأسواق للسلع وللاستثمار الأجنبي مع الرفع من التنافسية، التي من مقتضياتها حماية هشاشة الشغل لتخفيض كلفة الإنتاج. ثم لأنها حكومة لا قدرة لها على الوقوف في وجه منظومة الفساد، والاحتكار، وضغط المخزن الاقتصادي والمرتبطين به من بعض أصحاب الشكارة. وبعد ذلك وليس قبله، يمكننا أن نتحدث عن تقلبات الاقتصاد العالمي وارتفاع معدلات التضخم نتيجة الحرب الأوكرانية ومخلفات أزمة كورونا، وغيرها من الإكراهات، التي تؤكد الخلاصات فقط وإن شككت في تأثيراتها بعض مؤسسات الحكامة الرسمية.

في هذا السياق، لم يكن أمام النقابات سوى تخصيص فاتح ماي للاحتجاج على الحكومة. لكن، وللأسف، احتجاج مشتت ومتفرق، ومكرس لأزمات وعاهات العمل النقابي، وفي مقدمتها السلبية والتشتت النقابي وغياب التنسيق والتضامن…

ثم ماذا بعد؟!                                                                          

سيعود كل إلى إلفه، ويعود العامل والموظف والمستخدم إلى ظروف العمل السيئة إن وجد عملا، وإلى الأسعار الملتهبة، وإلى المعاناة مع الخدمات الاجتماعية، ويستمر الوضع الاقتصادي والاجتماعي على ما هو عليه سائر إليه تدحرجا، وسط ضجيج الشعارات المُنَوِّمِة كالنموذج التنموي والدولة الاجتماعية. وستنتظر النقابات الدعوة إلى جولة أخرى من الحوار الاجتماعي انتظارا لتنظر ما تأتي به الدولة لتناقشه، والبقية تعرفونها…

إن المطالب تنتزع ولا تمنح. وإن السلطة مفسدة، فإذا كانت مطلقة كانت المفسدة المطلقة، فإذا تزوجت بالمال والثروة بَنَت لنفسها متارس من المستفيدين ريعا، فلا يوقفها ولا يوقف جشعها إلا قوة جماهيرية مناضلة متكاملة ومتوازنة. وهذا يطلب من كل النقابيين الشرفاء وكل المناضلين الغيورين على البلد أن يتنادوا إلى القيام بالمهام التالية:

1 – أن يعيدوا للعمل النقابي وهجه النضالي، ويدعموا المعارك النضالية تضامنا، ويسهموا في رفع الوعي النضالي لدى الطبقة العاملة، ويشجعوا كل المبادرات النضالية السلمية ما دامت تفتل في حبل ترجيح موازين القوى لصالح المستضعفين والمقهورين، وأن يغرسوا الأمل في التغيير لغد أفضل تدافعا لا عطاء لأن جشع المفسدين لا حدود له.

2- أن يقووا الديموقراطية الداخلية للنقابات في التدبير والقرار، ويتدافعوا بشكل سلمي وجماهيري مع البيروقراطية والريع النقابي، فلا يمكن مواجهة الظلم والاقصاء الاجتماعي بجسد ينخره الظلم والإقصاء النقابي.

3- أن يتداعى القادة والمناضلون النقابيون وطنيا وقطاعيا ومجاليا إلى تجميع الذات، وتنسيق الجهود وتمتين اللحمة الجامعة، وتشبيك العلاقات مترفعين عن الحسابات السياسية الضيقة والخلفيات الإيديولوجية المفرقة، فمجال الاشتغال المشترك فسيح. ذلك أن الأولوية لمواجهة الظلم والفساد واحتكار السلطة والثروة، ولانتزاع الحرية في التنظيم والتعبير والوجود. وكنا قد اقترحنا في القطاع النقابي للعدل والإحسان تأسيس جبهة نقابية موحدة ومناضلة، ولازلنا نرى صوابية المقترح، وكل تقارب تواصلي أو ميداني يفتل فيه فهو محمود ومطلوب.

4- أن ينفتحوا على كل الفعاليات الجماهيرية والقوى السياسية والحقوقية الحية والمناضلة لبناء صرح جبهة مجتمعية ممانعة تتسع للجميع بدون إقصاء.

5- أن يبادروا إلى إطلاق فعاليات نضالية للضغط على صناع القرار لانتزاع الحقوق المهنية والاجتماعية والحقوقية والنقابية. ولعل مطالب تحسين الدخل، ومواجهة الغلاء المدمر للقدرة الشرائية في ظل ارتفاع التضخم فوق 10 في المئة، ومواجهة مخطط تدمير مكتسبات الشغيلة في منظومات التقاعد، مطالب موحدة ومستعجلة وقد تشكل أرضية جامعة مؤطرة للمعركة النضالية.