عفوا غزة.. خذلناك ولا عذر لنا

Cover Image for عفوا غزة.. خذلناك ولا عذر لنا
نشر بتاريخ

عفوا غزة علـى الخذلان، فقد توارينا إلى الخلف بين متواطـــــئ لا يتورع عن دعم عدوك بالمال والسلاح والغذاء، مثلما لم يتورع فـي شيطنة مقاومتك واصفا إياها بأبشع توصيف: الإرهاب، وبين جبان لم يتردد فـي تصنيف قرار مباغتة العدو بالتهور والطيش، وبين هاو للتشكيك فـي النوايا زاعما خوضك حربا بالوكالة عن الغير. خذلناك بكل بشاعة فلم نحدّث أنفسنا بتحريك جيوش محنطة واستعمال أسلحة مكدسة صدئة مهددة بفقدان الصلاحية، وانخرطنا فـي وعيد العدو بمنع الماء والغذاء والدواء والوقود والكهرباء ليموت ببطء من نجا من أهلك من القصف الجهنمي لسلاح جو العدو. خذلناك بأنذل ما يكون الخذلان، ونحن نرى كيف استنفر الأعداء بعضهم بعضا، وتنافسوا فـي تقديم الدعم العسكري واللوجيستـي والسياسـي للكيان الغاصب، بل وسخّروا أساطيلهم الإعلامية لقلب حقائق الميدان تغطية علـى جرائم العدو، فـي وقت انشغل إعلامنا الرسمـي بمواكبة مهرجانات التفاهة إمعانا فـي اجتثاث ما بقـي فـي وجدان الشعوب من تعاطف مع قضيتك.

عفوا غزة العزة، خذلناك وما وفّينا تضحياتك حقها، إذ سرعان ما دب “فيروس” التعايش مع محنتك فـي كياننا المزكوم، ولم تُفد ملاحم كتائبك وصمود شعبك الأعزل إلا من إيمانه بعدالة قضيته فـي شحذ هممنا الناعسة، فبدت خطواتنا تتثاقل فــي مسيرات التضامن معك، مثلما تراجع تصنيف القضية فـي قائمة انشغالاتنا اليومية، وبالكاد وببرودة نتقاسم أخبارك.

عفوا غزة العزة، لم نقْوَ علـى مجاراة إيقاع صمودك، فقد رفعتِ سقفَ الرجولة بما لا تطيقه نفوسنا المثبَّطة؛ وأنت بذلك عرّيت سوءاتنا وكشفت أوهامنا، فمن مرتهنين للواقعية زعموا أن ميزان القوى مع العدو غير متكافـئ، وبالتالـي فالنزال فـي مثل هذه الشروط انتحار وتهلكة، إلــى واهمين أقنعوا نفوسهم أنهم حماة العقيدة والتوحيد، قدروا أن واجب الوقت يقتضــي تعليم السنن، إلــى دعاة الاستسلام رأوا فـي إقدامك إرباكا لمسلسل سلام بدت معالمه فـي التبلور.

عفوا غزة العزة، رفعت مستوى التحدي اعتقادا منك أننا استكملنا برنامج التأهيل، والحال أن بيننا وبينك مسافة ضوئية فـي درجة التأهيل والإعداد، فإن كنت انفطمت عن المثبطات، وتحررت من نير القعود، وأضحت الشهادة فـي سبيل الله مطلبا تشرئب له النفوس، فنحن لم نبرأ بعد من حب ملاذ الحياة الدنيا وقد أينعت مواسمها وطابت مهرجاناتها، ولسان حالنا يقول: “لا تنفروا فـي الحر”.

عفوا غزة العزة، اخترتِ أن تنوبـي عن شعوب العالم لتصحيح خلل فـي نظام عالمي قائم علـى تركة ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ خلل فـي أدوار مؤسسات حكامة افتقدت الرشد، وتنكرت لمبادئ التأسيس، واستحالت أدوات هيمنة مستكبري العالم، حيث الكيل بمكيالين، فأضحى الجلاد ضحية، وصار الضحية جلادا؛ تصحيح خلل تحملت تبعاته تقتيلا وتجويعا وخسفا وإبادة جماعية ممنهجة هب أحرار العالم من أقصـى إفريقيا لفضحها وكشف أهوالها أمام محكمة دولية هـي اليوم فـي اختبار حقيقـي لعدلها.

عفوا غزة العزة، نصرتك شرف لا نستحقه، فنصرتك شهامة لا نمتلكها، ونبل لا ندعيه. رجاءً لا تهتمـي بسقوطنا، ولا تتوقّعــي هبَّتنا، فقد خارت قوانا، وفقدنا الثقة فـي ذواتنا، وقد نصير عبئا عليك إن انتظرت لحاقنا بك، فهيهات هيهات، وكيف يقوم مخمور بشهواته مخدر بأوهامه.

عفوا غزة العزة، لست أنت من يحتاج للنصرة، بل نحن من يرجو منك الدعم والمساندة للتحرر مما كبلتنا به قرون الانقياد من قيود، وما فقدنا خلال دهور التدجين من مناعة ورجولة.