صلاة عيد الفطر

Cover Image for صلاة عيد الفطر
نشر بتاريخ

عيد الفطر يوم الفرحة والسعة

إن من منن الله تعالى علينا أن جعل لنا أياما في السنة، نفرح فيها ونبتهج ونسعد، وننسى هموم الدنيا ومشاغلها وأحزانها، وإن أهم هذه الأيام يوم العيد. روى أبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: “ما هذان اليومان؟” قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر”.

وما سمي العيد عيدا إلا لأنه يعود ويتكرر كل عام، ولأنه يعود على المسلم بالفرح والسرور، ويعود الله تعالى فيه بالفضل والإحسان على عباده، وتوزيع الجوائز على الفائزين الصائمين رمضان، المتطهرين في شهر الغفران. فالحمد لله على نعمة العيد، وكل عام وأمتنا الإسلامية الغالية بألف خير.

نغتنم هذه المناسبة لنقف على فقهيات صلاة عيد الفطر، حرصا منا وطمعا في أن يكون إحياءنا لهذا اليوم السعيد، موافقا لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: “من أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة” 1.

الاستعداد لصلاة العيد بالاغتسال والتطيب وجميل الثياب

استعدادا لأداء صلاة العيد يستحب للمسلم أن يتنظف، ويغتسل، ويقوم بسنن الفطرة؛ من تنظيف الأسنان وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة وإكرام الشعر والتطيب بأحسن الطيب… وغيرها، فإذا كانت هذه الأمور مطلوب القيام بها في سائر الأيام تحقيقا للطهارة وتقربا إلى الله تعالى، فإنها مطلوبة على وجه التأكيد صباح يوم العيد أو ليلته استعدادا لأداء صلاة العيد؛ حيث يقبل المؤمن على الله تعالى في المصلى أو المسجد ويلتقي بضيوف الرحمان هناك.

هكذا كان دأب الصحابة رضي الله عنهم، فقد جاء في الموطأ أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى، وروي مثل ذلك عن غيره.

بعد الاغتسال والتطيب، يختار المؤمن لنفسه أحسن ما عنده من الملابس ليرتديها، وحسن الثياب ليس باعتبار جدَّتها أو ثمنها الباهظ، وإنما باعتبار نظافتها، ورونقها، ومناسبتها للذوق الحسن، وإن كانت مستعملة. فإن الله ورسوله برآء من التكلف. جاء في صحيح ابن خزيمة عن جابر رضي الله عنه أنه كانت للنبي صلى الله عليه وسلم حلّة يلبسها في العيدين ويوم الجمعة، وفي رواية للطبراني أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس يوم العيد بردة حمراء. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يلبس أحسن ثيابه في العيدين. وفي ذلك شكر لله تعالى على نعمه علينا وإظهار للفرحة والغبطة، فإذا كنا نستعد لحفلاتنا العائلية بأبهى الحلل، فإن العيد هو أعظم مناسبة تجمع كل المسلمين لإظهار الفرح بالله تعالى وبعباد الله.

الفطر قبل الخروج إلى الصلاة

بعد صيام شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، يستحب للمؤمن أن يفتتح يوم العيد بالإفطار قبل الخروج إلى صلاة العيد، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعَمَ، ولا يطعَمُ يوم الأضحى حتى يصلي. رواه أحمد والترمذي.

ومن الأفضل أن يفطر على تمرات، لما رواه البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، وفي ذلك من الفوائد الصحية والنفسية الشيء الكثير، إضافة إلى ثواب اتباع الهدي النبوي.

الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله.. 

عند الخروج من البيت اتجاه المصلى أو المسجد حيث ستؤدى صلاة العيد، يسن للمسلمين والمسلمات التكبير والتهليل والإكثار من ذلك سرا وجهرا إلى أن يحضروا الصلاة: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر… لا يقولها العبد بلسانه وكفى، بل يكبِّر بتعظيم وخشوع، وإجلال وخضوع، متمعنا في سر هذه الكلمة العظيمة “الله أكبر”، فيواطئ قلبه لسانه في التكبير، فيكون الله أكبر من كل شيء يشغله في قلبه، فينعكس خضوع اللسان والقلب على الجوارح، ويعقد العزم على استحضار مراقبة الله تعالى وطاعته في سائر أيام السنة كما كان الحال في رمضان. وهذا من أعظم صور العبودية لله و هو ما كان يعيشه الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم متوجهون إلى المصلى بأرواحهم وأجسادهم مرددين جميعا: الله أكبر. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في العيدين مع الفضل ابن عباس، وعبد الله، والعباس، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، وأسامة بن زيد، وزيد بن حارثة، وأيمن بن أم أيمن رضي الله عنهم رافعاً صوته بالتهليل والتكبير فيأخذ طريق الحذاءين حتى يأتي المصلى” 2.

وفي رواية لابن أبي شيبة بسند صحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر، فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير.

ويستحب المشي إلى الصلاة سيرا على الأقدام إن أمكن، لحديث علي كرم الله وجهه قال: من السنة أن يخرج إلى العيد مشيا” 3، فإذا سلك طريقا معينة في الذهاب رجع عند عودته من طريق أخرى مخالفة للأولى، لما ثبت عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى العيدين، رجع في غير الطريق الذي خرج فيه.

وفي ذلك من الحكم الشيء الكثير عسى أن تشهد لنا أرجلنا وخطواتنا المتعددة، وتشهد لنا الأراضي والطرق المختلفة عند الله تعالى بشهادات الخير والفضل والسعي إلى مرضاة الله تعالى.

حان موعد صلاة العيد

صلاة العيد ركعتان؛ يكبر في الأولى سبع تكبيرات يرفع يديه في تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام، ويجهر بالقراءة فيهما. فقد روى الترمذي وأبو داود عن أمنا عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر والأضحى: في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمسا. يقرأ في الركعة الأولى بسورة الأعلى وفي الثانية بسورة الغاشية. أو يقرأ في الأولى بسورة ق وفي الثانية بسورة القمر، وكل ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأحاديث صحيحة.

بعد أداء الصلاة يشرع الإمام في خطبتي العيد، و هما كخطبتي الجمعة إلا أنهما تفتتحان بالتكبير، ووقتهما بعد أداء الصلاة.

من حضر الصلاة متأخرا

من حضر متأخرا فأدرك الإمام قبل قيامه من الركعة الأولى، فإنه يلحق به دون أن يأتي بالتكبيرات، ولا شيء عليه.

أما إذا لم يدرك الركعة الأولى فإنه يلحق بالجماعة، وبعد تسليم الإمام يقوم ليقضي الركعة التي فاتته، بأن يكبر سبع تكبيرات ثم يأتي بالفاتحة والسورة ويتم ركعته ويسلم.

ومن فاتته صلاة العيد جماعة يقضيها منفردا، ومن لم يشهدها في المصلى أو المسجد يصليها في بيته وفق الطريقة المذكورة، فإذا نسي التكبيرات الزائدة حتى شرع في القراءة، سقطت عنه ولا شيء عليه.

هل هناك نوافل قبلية أو بعدية في صلاة العيد؟

ليست هناك نوافل تصلى قبل صلاة العيد ولا بعدها، فقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما. ومن دخل المسجد يصلي ركعتين تحية للمسجد.

شهود النساء والصبيان صلاة العيد

صلاة العيد سنة مؤكدة على كل من الرجل والمرأة وإن كانت حائضا على حد سواء، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج الأبكار والعواتق وذات الخدور والحيَّض للمصلى لصلاة العيد، وكان يأمرهن بالخروج لشهود الصلاة وسماع الخطبة وحضور هذا اليوم المشهود والمشاركة في تبادل التهاني.

ففي الصحيحين أن أم عطية رضي الله عنها قالت: أمرنا أن نَخرُج، فنُخرِج الحُيَّض والعواتق وذوات الخدور -أي من لم تتزوج بعد- فأما الحيَّض فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم، ويعتزلن مصلاهم” وفي رواية فيكُنَّ خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته”.

تقبل الله منا ومنكم

بعد الفراغ من صلاة العيد يُسَن تبادل التهاني بمناسبة العيد السعيد، نستبشر ونبتسم، ونصافح ونعانق إخوتنا في الله، ونبارك لبعضنا البعض، بما كان يهنئ به الصحابة والصحابيات بعضهم البعض: تقبل الله منا ومنكم. ومن أعظم القربات التي نتقرب بها إلى الله تعالى في هذا اليوم بعد أداء الصلاة، صلة الرحم بدءا بالوالدين والأقارب والأرحام والأصدقاء.

تقبل الله منا ومنكم ومن سائر أمة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم صيامنا وصلاتنا وسائر أعمالنا. وجعل الله أيامنا كلها عيد وفرح بالله تعالى وبهذا الدين الحنيف. والحمد لله رب العالمين.


[1] رواه الترمذي.
[2] رواه البيهقي بسند صحيح.
[3] رواه الترمذي.