حرمة المسكن في التشريعات الدولية والوطنية

Cover Image for حرمة المسكن في التشريعات الدولية والوطنية
نشر بتاريخ

يأتي هذا المقال بعد إقدام السلطات المحلية بوجدة على المس بحق مدني أساسي متعارف عليه عالميا، ألا وهو حرمة المسكن، حيث قامت باقتحام بيت السيد لطفي حساني والعبث بمحتوياته، وتصويره من الداخل، ونشر الصور عبر المواقع الإلكترونية، كما أمرت بتشميعه وهدمه، طبعا دون احترام المساطر القانونية، والتي من المفروض أن تكون السلطة المحلية على علم بها، بل ومن واجبها اتخاذ جميع الآليات القانونية لحمايتها. وقد صادق المغرب على جميع التشريعات الدولية والإقليمية الخاصة بحرمة المسكن، كما ضمت تشريعاته الوطنية بنودا وآليات قانونية لحفظ هذا الحق؛ فهل تجهل السلطات المحلية القانون الدولي والوطني المتعلق بحفظ حق المواطن في مسكنه؟ أم أنها تجاهلت القانون وتعمدت خرقه، وبذلك فهي تستوجب المقاضاة بالتلبس بجريمة الشطط في استعمال السلطة؟ وما رأي السلطات التنفيذية المركزية والسلطة القضائية في النازلة؟ هل ستقوم بواجبها المتمثل في صيانة حقوق الإنسان؟ أم ستغض الطرف عن هذا الانتهاك الصارخ لحقوق المواطنين، لتنضاف قضية أخرى إلى سجل الحكومة المغربية الحقوقي غير المشرف خلال هذه السنة؟

1- حرمة المسكن في التشريعات الدولية

اتفقت جميع التشريعات الدولية على أن للمسكن حرمة خاصة، ولا يحق لأي طرف كان أن يقتحمه إلا بقانون منظم ومساطر خاصة.

أ- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

يعتبر هذا الإعلان بمثابة المرجعية الأساسية لحقوق الإنسان، وقد صادقت معظم الدول على بنوده، كما واءمت تشريعاتها الوطنية بهذه المرجعية الحقوقية العالمية، وقد أشار بوضوح للحقوق الأساسية المتعارف عليها دوليا، وحث على عدم التمييز بسبب المعتقدات والأفكار السياسية، فقد جاء في المادة 2: (لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر)، كما أقر بضرورة الحماية القانونية خاصة من السلطات في حال عدم احترامها لتطبيق القانون، جاء في المادة 7: (الناسُ جميعًا سواءٌ أمام القانون، وهم يتساوون في حقِّ التمتُّع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حقِّ التمتُّع بالحماية من أيِّ تمييز ينتهك هذا الإعلانَ ومن أيِّ تحريض على مثل هذا التمييز).
كما تضمن الحق في المسكن وحرمته، جاء في المادة 12: (لا يجوز تعريضُ أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسُّ شرفه وسمعته. ولكلِّ شخص حقٌّ في أن يحميه القانونُ من مثل ذلك التدخُّل أو تلك الحملات).
 
ب- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

نحا هذا العهد نفس منحى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فقد نص على عدم التمييز بين المواطنين على أي أساس، جاء في البند 2 من المادة 2: (تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بأن تضمن جعل ممارسة الحقوق المنصوص عليها في هذا العهد بريئة من أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب).

كما حذر من المس بالحقوق الأساسية لأي سبب كان، جاء في  المادة 5:

“1. ليس في هذا العهد أي حكم يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على أي حق لأي دولة أو جماعة أو شخص بمباشرة أي نشاط، أو القيام بأي فعل، يهدف إلى إهدار أي من الحقوق أو الحريات المعترف بها في هذا العهد، أو إلى فرض قيود عليها أوسع من تلك المنصوص عليها فيه.

2. لا يقبل فرض أي قيد أو أي تضييق على أي من حقوق الإنسان الأساسية المعترف بها، أو النافذة في أي بلد، تطبيقا لقوانين أو اتفاقيات أو أنظمة أو أعراف، بذريعة كون هذا العهد لا يعترف بها أو كون اعترافه بها أضيق مدى”.

و ذكر هو الآخر بحرمة المسكن، حيث قدم بندا خاصا بهذا الحق، تقول المادة 17:

“1- لا يحوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته.

2-  من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس”.

2-  حرمة المسكن في التشريعات الدولية الإقليمية

المغرب، كما هو معروف، عضو في المنظمات الدولية الإقليمية، وقد صادق على تشريعاتها، وهو بالتالي ملزم بتضمين تشريعاته الوطنية ما جاء في هذه المواثيق، بل ومطالب أيضا بوضع آليات قانونية لتطبيقها وحمايتها من التعسف أو خرق مضامينها.

أ- الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب

تضمن هذا الميثاق الحقوق الأساسية التي يجب على الدول حمايتها، وهي حقوق طبيعية متعارف عليها دوليا ولا يجب خرقها بأي حال من الأحوال، فقد أقام الحجة على الدول الأطراف بضمان الحد الأدنى من حقوق الإنسان، جاء في المادة 1: (تعترف الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الأفريقية الأطراف في هذا الميثاق بالحقوق والواجبات والحريات الواردة فيه، وتتعهد باتخاذ الإجراءات التشريعية وغيرها من أجل تطبيقها). وذكر بُعد التمييز بين المواطنين، حيث حثت المادة 2 على أنه: (يتمتع كل شخص بالحقوق والحريات المعترف بها والمكفولة في هذا الميثاق دون تمييز، خاصة إذا كان قائما على العنصر أو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو المنشإ الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر).

وأولت لحرمة الحياة الشخصية مادتين خاصتين، تقول المادة 4: (لا يجوز انتهاك حرمة الإنسان. ومن حقه احترام حياته وسلامة شخصه البدنية والمعنوية. ولا يجوز حرمانه من هذا الحق تعسفا). وذكرت المادة 14 بخطورة المساس بالملكية الشخصية: (حق الملكية مكفول ولا يجوز المساس به إلا لضرورة أو مصلحة عامة طبقا لأحكام القوانين الصادرة في هذا الصدد).

ب- الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان/منظمة المؤتمر الإسلامي

جاءت بنود هذا الإعلان واضحة فيما يخص حرمة المسكن، وأضافت توجيهات خاصة باعتبار مرجعيتها الإسلامية، تحدثت المادة الثامنة عشر عن هذا الحق الطبيعي:

“أ-‌   لكل إنسان الحق في أن يعيش آمنا على نفسه، ودينه، وأهله، وعرضه، وماله.

ب- ‌للإنسان الحق في الاستـقلال بشؤون حياته الخاصة في مسكنه، وأسرته، وماله، واتصالاته، ولا يجوز التجسس، أو الرقابة عليه، أو الإساءة إلى سمعته، وتجب حمايته من كل تدخل تعسفي.

ج- للمسكن حرمته في كل حال، ولا يجوز دخوله بغير إذن أهله، أو بصورة غير مشروعة، ولا يجوز هدمه، أو مصادرته، أو تشريد أهله منه”.

3- حرمة المسكن في التشريع الوطني

أ- الدستور المغربي

دبج المشرع المغربي الدستور بمقدمة يوضح فيها ضرورة بناء دولة الحق والقانون واحترام مقتضياته، جاء في أول جملة من الدستور في التصدير (إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون..)، ونص على ضرورة احترام القانون، خاصة من طرف السلطات، حيث وضح في الفصل 6: (القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له).

أما فيما يخص حق المواطن في حماية ملكيته فقد جاءت المادة 21 واضحة بقولها: (لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته)، كما حثت نفس المادة السلطات الخاصة على حماية هذه الحق والدفاع عنه: (تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع). أما الفصل 24 فقد نص على ضرورة احترام حرمة المسكن وعدم جواز انتهاكه إلا بقانون (لا تنتهك حرمة المنزل. ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات التي ينص عليها القانون).

ب- قانون المسطرة الجنائية

أحاط المشرع المغربي مسطرة اقتحام المسكن بآلية قانونية واضحة، بل وحدد عقوبات في حال انتهاك حرمة المسكن من أي طرف كان؛ وهكذا نص قانون المسطرة الجنائية على شروط خاصة فيما يتعلق باقتحام البيوت أو تفتيشها، ووضحت المواد 59، 60 و62 هذه الشروط كما يلي:

“- لا يقوم بالتفتيش إلا ضابط الشرطة القضائية أو قاضي التحقيق أو الوكيل العام للملك أو وكيل الملك؛

– ينبغي تفتيش المنزل بحضور صاحب المنزل أو من ينوب عنه؛

– ينبغي حفظ السر المهني”.

أما إذا كانت الجريمة غير متلبس بها فقد أضاف المشرع ضرورة موافقة صاحب المنزل كتابيا؛ وقد نص المشرع في المادة 631 من قانون المسطرة على بطلان التفتيش في حال خرق الشروط السابقة.

أما الفصل 230 فقد رتب العقوبة على كل من قام بخرق قانون حرمة المنزل، إذ جاء فيه ما يلي: (كل قاض أو موظف عمومي، أو أحد رجال أو مفوضي السلطة العامة أو القوة العمومية يدخل بهذه الصفة مسكن أحد الأفراد، رغم عدم رضاه، في غير الأحوال التي قررها القانون، يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة، وغرامة من 200 إلى 500 درهم).

ج- حماية الحياة الخاصة للأفراد في ظل القانون رقم 103.13

قامت السلطات المحلية بوجدة بتصوير بيت السيد لطفي حساني، كما قامت بتسريب هذه الصور ونشرها عبر المواقع الإلكترونية، وهذا تحد سافر للقانون المنظم للحرية الشخصية؛ فقد قام السيد محمد عبد النبوي، رئيس النيابة العامة، بتوجيه  الوكلاء العامين للملك بالمحاكم الاستئنافية، والابتدائية، إلى ضرورة التطبيق الصارم والسليم للقواعد القانونية، لحماية الحياة الخاصة للأفراد، بتطبيق المتابعات القضائية والتي تتراوح عقوبتها ما بين ثلاث وخمس سنوات حبسا؛ وعممت النيابة العامة منشورا موجها إلى المسؤولين القضائيين أشارت فيه إلى أن القانون رقم 103.13، المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء جاء بصيغة عامة، أي أنه يعم الرجال والنساء، وذكرت بالمقتضيات الجنائية المرتبطة بحماية الحياة الخاصة، والتي تمنع التقاط وتسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها، كما تمنع تثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص دون موافقته، سواء تم ذلك باَلة تصوير أو بهاتف نقال أو حاسوب، أو غيره من الوسائل التي تمكن من تثبيت الصورة أو تسجيلها أو توزيعها.

على سبيل الختم

يتبين مما سبق أن المشرع الدولي والوطني قد أحاط المسكن الشخصي بعناية  خاصة، واتفقت جميع التشريعات على حرمة انتهاك الحياة الشخصية للأفراد، ومنعت من اقتحام المسكن إلا بقانون واضح وبشروط مسبقة؛ ويبدو أن السلطات المحلية بوجدة قد تعمدت خرق هذه الترسانة القانونية الدولية والوطنية، والمفروض أنها القائمة على فرض احترام القانون. ويظهر خرقها للقانون من خلال الأسئلة الآتية:

– هل توجد جريمة أصلا تستدعي اقتحام بيت السيد لطفي حساني؟

– هل احترمت السلطة المحلية مسطرة اقتحام البيت؟

– من أعطى الأمر بتصوير البيت من الداخل؟

– من قام بتسريب هذه الصور إلى المواقع الإلكترونية؟