جلستان حواريتان تسبران أغوار الفيلم الوثائقي “كلمة الحق لا تموت”

Cover Image for جلستان حواريتان تسبران أغوار الفيلم الوثائقي “كلمة الحق لا تموت”
نشر بتاريخ

قال الأستاذ عبد الله الشيباني أن رسائل الإمام ياسين رحمه الله إلى ملوك المغرب تَنظُمها رسالة واحدة وهي “إعداد مشروع الخلافة على منهاج النبوة، ومقدمة من مقدمات تنزيل هذا المشروع”.

صهر الإمام ياسين وعضو مجلس إرشاد الجماعة، وفي إطار مشاركته في الجلسة الافتتاحية لتقديم العرض الأول من الفيلم الوثائقي “كلمة الحق لا تموت” الذي يتناول رسائل الإمام إلى ملوك المغرب الذي بثّته قناة الشاهد، السبت 23 دجنبر 2023 في سياق مواصلة جماعة العدل والإحسان لبرنامج تخليد الذكرى الحادية عشرة لرحيل الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، اعتبر الرسالة امتداداً لنهج المجدّدين منذ إمام القائمين سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه في نصح الحكام وعموم الأمة.

وقد امتد الفيلم الوثائقي إلى قرابة خمسين دقيقة واستعرض رسائل الإمام إلى ملوك المغرب، واستنطق حيثيات “الإسلام أو الطوفان” و”رسالة القرن الملكية في الميزان” و”مذكرة إلى من يهمه الأمر”، واستمع لشهادات عدد من صنعوا أو عاصروا تلك الأحداث أو كانوا شهودا عليها.

وجوابا عن سؤال الإعلامي محمد اليقيني الذي نشط الجلستين الحواريتين، ذكر الأستاذ الشيباني عددا من أعلام الأمة الذين ساروا على نهج نصيحة الحكام والأمراء، أولهم إمام القائمين الحسين بن علي رضي الله عنه الذي قدّم رسالة عملية للقومة والقيام ضد الحكم الظالم، وربط الصدع بالحق بالتجديد في الدين (حديث يبعث الله على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها) منوّها إلى أنه على الأقل في تاريخ أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر قائما صادعا بالحق. معتبرا أن رسالة الإمام ياسين إلى الملك الحسن الثاني جاءت في محور تاريخي خاص يتميز بإعداد الأمة لمرحلة الخلافة الثانية.

وبعد عرض الفيلم، وفي جلسة الحوار الثانية رأى الباحث في الشأن السياسي الأستاذ عبد الرحمن خيزران أن الفيلم الوثائقي أتى في سياق خاص وعام؛ فالسياق الخاص في نظره هو حدث تخليد الجماعة للذكرى الحادية عشر لرحيل الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله التي عدّها ذات الباحث” تحمل بُعد الوفاء للرجل ومشروعه، وبُعدا لاستمرار الورش المفتوح للتواصل والحوار مع شركاء الوطن”. أما السياق العام فيتقاطع فيه ما هو مرتبط بموقع الجماعة في المعارضة خارج النسق الرسمي والاشتغال من داخل المجتمع ومع الشعب وهو ما اعتبره خيزران ”استمرار لجوهر رسالة الإمام رحمه الله”، وما هو مرتبط بواقع الوطن المغربي الذي لا يسرُّ أحدا سواء في شقه السياسي والاجتماعي والإعلامي والحقوقي.

من جانبه قدّم الأديب والباحث عبد القادر الدحمني، الذي شارك خيزران جلسة مناقشة الفيلم الوثائقي التي أدارها الإعلامي اليقيني، وصفا عاما للفيلم الذي تكوّن في نظره من عدة مواد متنوعة من قبيل “حوارات، مقتطفات أرشيفية، أجزاء من كبسولات تلفزيونية”، وكل ذلك “مصحوبا بتعليق سعى في نظره إلى ربط الفقرات، إضافة إلى محاولته استنطاق بعض مكتوبات الإمام رحمه الله خاصة الرسائل موضوع الفيلم الوثائقي”. الكاتب الروائي صنّف كذلك ضيوف الفيلم الوثائقي “كلمة الحق لا تموت” إلى ثلاثة وهم: “فاعلون مباشرون (الإمام وشركاؤه في كتابة الرسائل)، شهود مقربون (عائلة الإمام وعائلات شركاء الإمام ومقربوهم) ثم ثلاثة وجوه قيادية في الجماعة (الأستاذ فتح الله أرسلان بصفته التنظيمية نائبا للأمين العام للجماعة، والأستاذ مولاي عبد الكريم العلمي باعتباره رئيس مجلس شورى الجماعة، ثم الدكتور عمر إحرشان بصفته الأكاديمية التي قارب بها قراءته) ”.

خيزران أشاد باستطاعة الفيلم تحقيق الرهان انطلاقا من استيفائه لقواعد الفيلم الوثائقي “سواء في فكرته الواضحة، وحضور الشواهد البصرية المتكاملة، وكذا وضوح البيان الوثائقي وفق تسلسل نسقي وكرونولوجي واضح”. ومن جهته الدحمني نفى أن تكون “كلمة الحق لا تموت” عبارة عن “مونولوغٍ داخلي بل سعى بالمقابل إلى تحقيق هدفين؛ أولهما بحثٌ عن السند العالي أو المصدر الحقيقي للمعلومة من خلال صُنّاعها وشهود صناعتها، وثانيهما سعيٌ نحو تعميق التصور وتجذيره من خلال حضور الصفة الرسمية، ترسيخا للانتقال من الصحبة إلى الصحبة في الجماعة”. كما اعتبر ذات الباحث هذا الفيلم الوثائقي “تجديدا وإعادة قراءة لمفهوم النصيحة باعتباره منهجا إسلاميا أصيلا تخترقه وتتكامل فيه مقتضيات التربية والدعوة والسياسة”.

وقد وقف الأستاذ خيزران على خلاصات استوقفته وهو يتابع “كلمة الحق لا تموت” وفي مقدمتها “أن روح رسائله الثلاث إلى ملكي البلاد السابق والحالي سكنت كل مشروعه اللاحق وكتبه وحواراته ومرئياته”. إضافة إلى “تفرد الإمام عن معظم الناصحين الذين سبقوه بعدم اكتفائه بالنصيحة بل عمد إلى تأسيس جسم (الجماعة) يحمل روح ومضمون رسالته الأولى وتأسيس مشروع للخلاص الجماعي للأمة”. كما رأى أن الفيلم أظهر “مزاوجة الإمام بين قوة الخطاب والصدع غير المتردد بالحق، وبين رفق الخطاب وشفقة الكلمة ورحمتها”، وبالتالي فالإمام حسب الكاتب الصحفي ابتعد عن المناكفات السياسية وظهر صدق نصيحته وإخلاصها، إضافة إلى “حضور فضيلة التشاور عند الإمام”؛ فقد شاور الإمام صاحبيه وعائلته في الرسالة الأولى، بل كانت الرسالة الثالثة باقتراح من الجماعة استجاب له الإمام وشاورهم كما شاور الخبراء في متنها. وقد ختم ملاحظاته بالإشارة إلى بداهة الإمام التي أظهرها الفيلم من خلال اقتناعه، في نظره، “بمركزية الدولة والنظام السياسي في الإصلاح وسعى إلى تأسيس شرعية لهما سواء من خلال طريقة وآليات تولية الحكم أو من خلال مضمون ذلك الحكم في السياق الإسلامي دون الانغلاق عن ميزات العصر”.

بدوره ختم الدحمني مشاركته في جلسة نقاش الفيلم الوثائقي باستجلاء الرسائل التي اخترقت الفيلم الوثائقي؛ وفي مقدمة هذه الرسائل أنه “جاء في سياق ذكرى الإمام الحادية عشر ما يعني إعلانا وسعيا وفتلا في حبل الوفاء وتمتينا للصلة وتنفيذا لوصية الإمام رحمه الله التي قال فيها: لا ينبغي أن تحبس الصلة برازخ الموت”. كما ربط الروائي بين مقصدية رسالة الإسلام والطوفان خاصة رمزية الطوفان بواقع الأمة وما وقع اليوم من طوفان الأقصى في فلسطين المحتلة. ومن الرسائل التي حضرت كذلك في الفيلم بحسب الدحمني، “التذكير بالأصول المتينة تعميقا لفهم النصيحة بما هي دين، وبما هي مشروع له خصائصه في قوة الصدع بالحق، والوضوح، والابتعاد عن المجاملة، وتحمّل تبعات الكلمة الصريحة”. وهناك رسالة أخرى تطلّ، بتعبير الأديب، من طرف خفيٍّ من هذا الفيلم وهي “صدقية تحليل الجماعة ومواقفها، وجدية مقترحاتها”. والأهم بالنسبة له أنه ربط زمني هامّ ومهمّ بين الأجيال التي بنت مشروع العدل والإحسان والأجيال الحالية بما هو تأسيس لمستقبل الجماعة على هدى المنهاج النبوي.