النقابة التي تريدها العدل والاحسان

Cover Image for النقابة التي تريدها العدل والاحسان
نشر بتاريخ

تطرقت الوثيقة السياسية التي أصدرتها الدائرة السياسية لجماعة العدل والاحسان في المحور السياسي لبناء حكم المؤسسات وضمنها النقابات، فاعتبرت العمل النقابي واجهة أساسية للدفاع عن حقوق الشغيلة ضد الجور والظلم والاستغلال والإقصاء الاجتماعي، والإسهام في تحقيق السلم الاجتماعي والتعبئة الاقتصادية، والحفاظ على التوازن بين قوة العمل والقوة الضاغطة للمشغل، وبين مؤسسات الدولة (برلمانا وحكومة) المسؤولة عن إرساء وتطبيق القوانين التي تخدم الصالح العام..

حاولت الوثيقة أن تجمع بين التصور الاستراتيجي للعمل النقابي وبين الخطوات العملية التي يمكن تبنيها في هذه المرحلة، مما شكل صعوبة لدى البعض في فهم هذا الطرح، ومن ضمن هذه المفاهيم المستعصية: ذكرت الوثيقة “التوازن بين قوة العمل والقوة الضاغطة للمشغل والدولة “؛ “ندعو لتجاوز منطق الصراع المنتصر للمصلحة الخاصة إلى منطق التعاون لتحقيق المصلحة العامة لكل الأطراف..”، هذا التعاون الذي اعتبره بعض المنتقدين تبنيا صريحا لنقابة التعاون بين الطبقات الاجتماعية وتكريسا لدولة الرأسمالية!

يبدو أن المنتقد يصعب عليه التفكير خارج النسق الحالي والتطلع لما تطرحه الجماعة، فحين يحصر تفكيره داخل الحلم المركسي في بناء مجتمع البروليتاريا اعتمادا على العنف والديكتاتورية والبطش… فمن الطبيعي أن يكيل اتهامات مجانية للجماعة ويتهمها بالموقف المنافق وبالفهم الزائف للديمقراطية وبالجهل التام بطبيعة الدولة في المجتمعات الطبقية…

لقد غاب عن المنتقد أن الوثيقة في بعدها الاستراتيجي تتحدث عن النقابة في ظل دولة العدل، حيث لن تكون أداة من أدوات الدولة ولن تسلك أسلوب الضغط والعنف والتخريب، ويجب أن تكون النقابة أسمى من وكالة همها الوحيد بيع قوة العضلات بأغلى الأثمان، وأرفع من أن تسمح بالفوضى وتشيع الحقد.

العدل والاحسان تريد في الأفق، نقابات تفاوض وضغط معنوي قانوني، لا نقابات رفض وتخريب، وعلى دولة العدل أن تقدر المصلحة، وتحمي العسيف، لتلتقي بواجبها في الجمع بين مصلحة الأمة كلا ومصلحة المستضعفين عضوا حيويا في الأمة، تضيع الأمة بضياعه. وظلم العسيف خراب.

غاب عن المنتقد أن جماعة العدل والإحسان تعارض النسق برمته وتسعى لبناء مشروع مجتمعي جديد بمطامح جديدة، تسعى لتغيير النسق بأكمله في مختلف مجالاته، يكون أكثر عدلا وإنصافا، واستقامة ومشروعية. فالجماعة تؤسس لمفهوم النقابية المنهاجية كمذهب وتوجه في العمل النقابي، فهي جملة مبادئ تضمن التناصر والتعاون على البر دون الإثم، والتداعي إلى الخير والآمرة بالمعروف التناهي عن المنكر والشاهدة بالقسط والمدافعة عن العدل والإنصاف.

أما في ظل التدافع الحالي، فخط الجماعة النقابي هو ترجمة لخطها السياسي، المبني أساسا على خيار التغيير السلمي من داخل المجتمع وحركيته الاجتماعية والسياسية، بعيدا عن أوهام الإصلاح من داخل منظومة المؤسسات الصورية، التي تسهم في إطالة عمر الاستبداد والفساد، وبعيدا عن الثورة العنيفة المبنية على إيديولوجية الحقد الطبقي، التي تدمر ولن تبني مجتمع العمران الأخوي المنشود.

فالنضال النقابي وفق تصور جماعة العدل والاحسان يتم على قاعدة رفض الاستضعاف لا على قاعدة الصراع الطبقي، حيث يستوجب إزالة كل معاني العنف والرفض الأعمى وقيم الحقد بين فئات المجتمع، مقابل علاقات اجتماعية تقوم على قواعد الرفق والحلم والحكمة التي تنجز واقع القوة من خلال ركائز العدل الشامل.

تحدثت الوثيقة أيضا عن تراجع الأداء النقابي أمام تغول المخزن، واقترحت رؤية سياسية ومشروعا يؤطر الممارسة ويساهم في متانة بناء الفاعلية النقابية، فعرجت على الأسباب الموضوعية المتمثلة في الاستبداد الجاثم، وواقع العولمة وإملاءات المؤسسات المالية الدولية الضاغطة، التي ساهمت في تقويض الحركة النقابية والحد من فاعلية رموزها. كما حملت النقابات مسؤولية التخلي عن المبادئ والقيم النقابية، الأمر الذي سهل على المخزن اختراق النقابات كما سهل على التوجهات الانتهازية والبيروقراطية تمييع العمل النقابي وتحويل الإطارات النقابية إلى دكاكين انتفاعية.

وخلصت الوثيقة في هذا الباب، إلى أن الفاعل النقابي مدعو لتخليق الحياة النقابية، بالثبات والصمود في خط النضال المطلبي، الدؤوب الهادف المبدئي، والحامي من الانزلاق في اتجاه الانحراف نحو الخبزية أو البيروقراطية أو الذيلية. وأنه مدعو للانخراط في الحراك المجتمعي لمواجهة استبداد السلطة واحتكار الثروة وتفشي الفساد والنهب، ومطالب بأن يعمل من أجل تحقيق دولة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وهذا لن يتأتى إلا بتشبيك النضال في جبهات مجالية وموضوعاتية.

وبالتالي فالفاعل النقابي مدعو للانخراط في عملية البناء النقابي الوحدوي، وفي بلورة المشروع الوحدوي، وتحديد أهدافه ومراميه، بالبحث عن أقصى إمكانات التوافق والإقناع، والعمل على توحيد الجهود على أرضية محددة وبتصور ورؤية واضحتين، مع العمل على توفير شروط النضال المشترك في أفق تحقيق الوحدة النقابية المرجوة.