الطهارة

Cover Image for الطهارة
نشر بتاريخ

تعتبر الطهارة واحدة من المطالب التي نادى الدين الإسلامي بتوفرها وتحقّقها للمسلم في كافّة مظاهر حياته، بحيث لا تقتصر طهارته على أوقات الصلاة بل يتوجّب عليه الإسراع لطهارة جسده في حال مسّه شيء من مبطلات الطهارة، بالإضافة إلى المحافظة على طهارة مسكنه ومأكله ومشربه، وكافّة ما يستخدمه في تسيير شؤون حياته اليومية، وذلك بالحفاظ على طهارة الأواني والقدور والملابس والأغطية من خلال غسلها وتنظيفها بشكل دائم، وإبعادها عن القاذورات والنجاسة.

أولا- تعريف الطهارة

الطهارة – بفتح الطاء – لغة: هي النزاهة والنظافة من الأدناس والأوساخ الحسية والمعنوية. وتستعمل مجازاً في التنزيه عن العيوب فيقال: فلان طاهر العرض.

الطهارة شرعاً: هي تنظيف الجسم بالماء أو الأتربة النظيفين الطاهرين مع إزالة النجس والخبث من الجسم، بحيث يصبح خالياً من كلّ ما يمنع الصلاة.

ثانيا- حكمها

الطهارة من الحدث والخبث فريضة واجبة على كل من لزمته الصلاة.

دليلها: من القرآن:

قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (سورة المائدة الآية: 6).

وقوله تعالى: وثيابك فطهر (سورة المدثر، الآية 4).

وقوله تعالى: لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (سورة التوبة، الآية: 108).

ومن الحديث: عن أبي مالكٍ الحارث بن عاصمٍ الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن – أو تملأ – ما بين السماء والأرض، والصلاة نورٌ، والصدقة برهانٌ، والصبر ضياءٌ، والقرآن حجةٌ لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائعٌ نفسه فمعتقها أو موبقها) رواه مسلم.

ثالثا- أنواعها

1- الطهارة المعنوية: وهي طهارة النفس من الشرك والذنوب والمعاصي، وذلك بالإيمان بوحدانية الله، والقيام بالأعمال الصالحة، والعبادات المفروضة، وتعتبر طهارة النفس مكملة لطهارة البدن، حيث لا تقبل طهارة الجسم مادام الشرك (الشرك الأكبر) موجودا في النفس.

2- الطهارة الحسية: وتنقسم إلى قسمين؛

1) طهارة من الحدث تختص بالبدن، وتتحقق بالماء وما يقوم مقامه من تراب وغيره، وهي ثلاثة أصناف؛ وضوء وغسل وبدل منهما وهو التيمم. والوضوء يشمل المفروض وغيره؛ كالوضوء على الوضوء، والوضوء لأجل النوم. والغسل كذلك يشمل المفروض وغيره، فالأول كغُسْل الجنابة وغسل الميت، والثاني كالاغتسال للجمعة أو العيدين فإنه مستحب.

2) وطهارة مِن الخبث؛ وتعني إزالة النجاسة عن ثوب المصلي وبدنه ومكان صلاته، وهي إما غسل أو مسح أو نضح.

رابعا- أقسام المياه

الماء أقسام ثلاثة؛ طهور، وطاهر غير طهور، ومتنجِّس.

1- فالطهور هو الطاهر في نفسه المطهِّر لغيره، وهو: ما نزل من السماء، أو نبع من الأرض، أو جرى في الأنهار، أو مكث في البحار، ولم يتغيَّر لونه، ولا طعمه، ولا ريحه، ‏قال تعالى: وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به‏ (سورة الأنفال، الآية: 11).

أما تغيُّر الماء بما يُلازمه، أو بما يتولَّد منه، أو بطول مكثه، أو بجريانه على بعض معادن الأرض، فإن هذا كله لا يضره ولا يَسلبه طهوريته؛ وذلك كالطين، والملح، والكبريت، والطحلب “الخضرة التي تطفو على وجهه”، وكذلك إذا تغيَّرت ريح الماء بما جاوره ولم يختلط به، فإنها لا تضره، وهذا هو الذي يزيل الحدث والخبث.

2- والطاهر غير الطهور هو: ما تغيَّر أحد أوصافه الثلاثة بطاهر  يفارقه في غالب الأوقات، وليس من أجزاء الأرض؛ مثال ذلك الطاهر كالصابون، والورد،  والزعفران، واللبن، والروائح، وغيرها؛ وهذا يستعمل في العادات من طبخ وشرب وعجن، دون العبادات من وضوء وغسل وإزالة نجاسة.

وفي هذا يقول الشيخ محمد البشار في متنه الفقهي ‘أسهل المسالك’:

وَإِنْ يَكُنْ مُغَيَّرًا بِطَاهِرٍ

يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِباً كَالسُّكَّرِ

فَطَاهِرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْعَادَهْ

مِنْ طَبْخٍ أَوْ عَجْنٍ خَلَا الْعِبَادَ

3- والماء المتنجِّس هو: الطهور الذي حلَّت به نجاسة غيَّرت أحد أوصافه؛ فهذا نجس لا يستعمل في عادة ولا عبادة.

وقال المالكية بطهورية الماء الذي حلت به نجاسة قليلة ولم تغيره في أحد أوصافه الثلاثة، وحُكم هذا الماء عندهم أنه مكروه استعماله ولا يرفع الحدث ولا يُزيل الخبث، ولا يجوز الانتفاع به إلا في الضرورة.

خلاصـة هـذا المبحث أن الماء يكون إمـا طهـورا بـاق علـى أصلـه لم يتغيـر بـشيء يفارقـه.

أو متغيـرا؛ فـإن تغيـر بطاهـر كزيـت أو سـكر فهـو طاهـر يسـتعمل في العـادات كالطبـخ وغيـره ولا يسـتعمل في العبـادات، وإن تغيـر بنجـس كبـول أو دم فإنـه نجـس لا يسـتعمل لا في العـادات ولا في العبـادات.

ويجـب العِلْـم أن المغيِّر الطاهـر نوعـان: إمـا مـلازم للـماء لا يفارقـه، فهـذا النـوع لا يضر تغيـر الماء بـه كالتـراب والمعادن وغيرها.

وإمـا غـير الملازم؛ والـذي يفـارق الماء كالسـكر والزيت والزعفران، فهـذا إن سـقط في الماء وغيَّره حـوّل الماء مـن طهـور إلى طاهـر.