الجندية الدعوية

Cover Image for الجندية الدعوية
نشر بتاريخ

مقدمة

وردت كلمة الجنود والجند في القرآن في أكثر من موضع، فلله جنود من الملائكة ومن المؤمنين ومما لا نعلم، وَمَا یَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ (المدثر 31). ولإبليس جنود من الجن والإنس يستعين بهم على غواية الناس وإضلالهم. يقول الله تعالى: فَكُبۡكِبُوا۟ فِیهَا هُمۡ وَٱلۡغَاوُونَ، وَجُنُودُ إِبۡلِیسَ أَجۡمَعُونَ (الشعراء:94-95).

جاء في معجم المعاني: جَنَّدَ: فعل، جنَّدَ يُجنِّد، تجنيدًا، فهو مُجنِّد، والمفعول مُجنَّد. جَنَّدَ الجُنُودَ: صَيَّرَهُمْ جُنُودًا وَهَيَّأَهُمْ لِذَلِكَ (أي للجندية). جَنَّدَ الشَّبَابَ لِبِنَاءِ طَرِيقِ الوَحْدَةِ: عَبّأَهُمْ. جَنَّدَ الجنودَ: جَمَعَهَا. جَنَّدَ فلانًا: صيَّره جنديّاً. جُند: اسم، الجمع: أجناد، وجُنُود. الجُنْد: العسْكر. الجُنْد: الأنْصار والأعوان.

نستفيد من هذا التعريف: أن الجندية إعداد وتهييء، تعبئة وجمع، نصرة وتعاون.

وقد أكد العلماء والدعاة ممن تحدثوا عن الجندية في الإسلام على أنها من أسباب نجاح الدعوة الإسلامية وانتصارها في الماضي، وكذلك سيكون في المستقبل. والجندية غالبا ما تقترن بالقيادة ولا تفارقها، الجندية سلوك جهادي وعمل جهادي يدفع إلى اقتحام العقبة. يقول الإمام رحمه الله: “العقبة المراد اقتحامها في حق الفرد والجماعة تتكون من واقع مرج، متحرك، مُعادٍ لإرادة السالك. فإن لم يكن الفردُ تربّى على الجندية العنيدة (القوية)، إن لم يكن مقاتلا يستهين بالموت فما دونها، وإن لم تكن الجماعة من التنظيم وصواب الرؤية وصلاح القيادة فلن يكون جهاد” 1.

نستفيد من هذا النص: أن الجندية شرط في اقتحام العقبة، وأنها تتحقق بالتربية، وأنها لا تنفصل عن القيادة، وأنه بدونهما لا يمكن الحديث عن الجهاد.

إذا نظرنا إلى كتابات الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله سنجدها تتحدث عن الجندية من باب التجديد. فيعطي لها فهما منهاجيا كما كان على العهدين النبوي والراشدي. بمعنى أن ينخرط الجميع في هذا الميدان ويتخلق الجميع بهذا الخلُق، بطبيعة الحال ليس بنفس الفهم الذي نجده في المجال العسكري بحمل السلاح، وإنما بفهم حركي في مجالات أخرى دعوية وتربوية واجتماعية وسياسية واقتصادية وغيرها. يقول الإمام رحمه الله: “الهَدَفُ من تجنيد العامة وتعبئة المستضعفين إيقاظُ القلب إلى معاني الإيمان، ورفعُ الهمم إلى نُشدان الكرامة الآدمية وكمال الإنسان، ثم إيقاظُ الفِكر من سُبات الزمان، وبَثُّ الوعي السياسيِّ لِيَهْتَمَّ المستضعفون بما يَجري في الحَدَثَانِ” 2. ويضيف كذلك: “والمفروضُ أن المحرِّكَ للعملية، وهم جند الله جماعةُ الحق في رابطتهم الجهادية، يكونون قد تجاوزوا كل هذه المراحِل من اليقظة، والتربية، وشحذ العزائم، قبل أن يتصدَّوْا لتحريك غيرهم على النطاق الواسع” 3.

نستفيد من هذين النصّين: أن الجندية هي عملية هدفها إيقاظ القلب والعقل وبث الوعي في صفوف أفراد الأمة. وأن محرك هذه العملية هم جند مجندة في جماعة تحققت فيهم تلك المعاني ابتداء.

ما نريد أن نصل إليه من خلال هذه المقدمة أن الجندية لا تقتصر على فرد أو تنحصر فيه ينتمي إلى مؤسسة عسكرية يوكل إليه مهماتٌ محددة، بل هي خُلق ينبغي أن يتخلق به كل فرد من أفراد الأمة بصفة عامة، وكل عضو من أعضاء الجماعة بصفة خاصة، لإنجاح المشروع المنهاجي، مشروع العدل والإحسان. بفكرته المركزية (تحرير الإنسان)، وفكرته المحفزة (صدق الطلب)، وقيمته الأصيلة (على المنهاج النبوي).

بعد هذه المقدمة سوف نعالج موضوعنا من خلال مجموعة من الأسئلة:

السؤال الأول: ما مفهوم الجندية؟

في واقع الناس اعتاد أكثرهم أن يسمعوا عن التجنيد وعن الجند والجندية والجنود، فيربطون ذلك كله بميدان خاص وبطائفة خاصة، وهي الجيش والعسكر. وبهذا الاعتياد ترسَّخ في أذهانهم أن الباقي غير معنيين بهذا الأمر. بمعنى لا حاجة لهم إلى الجندية فهي فرض كفاية. لكن في واقع الأمة الإسلامية التي تحمل الرسالة وتريد أن توصلها رحمة للعالمين فينبغي أن يكون كلُّ فرد فيها -رجلا كان أو امرأة- متخلقا بخلق الجندية. وأنتم تلاحظون بهذا الفهم العام كيف ورِثتْ جيوش من الشباب القعودَ والدعة والراحة وأُسيء إعدادُها وتربيتُها في خدمة الدين والأمة والوطن. يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “في الشعوب الميتة وفي الشعوب المكتظة المائتة بموت مشابه يتخصص طائفة من الناس في مهنة الجندية، أما في الأمة التي تحمل رسالة فينبغي أن يكون كل من له يدان وعضلات مستعدا متدربا للجهاد ممارسا للعمل الجهادي في كل يوم على قدم الاستنفار العام. وهكذا كان المسلمون عندما كانوا أمة وقبل أن يصبحوا دولا وراثية”. 4

نستفيد من هذا النص: أن مفهوم الجندية عند العامة هو مهنة خاصة، أما مفهومها في الإسلام وعند الصحابة رضي الله عنهم فهي مسؤولية الجميع.

إذا نظرنا إلى العهد النبوي والعهد الراشدي فسنجد أن الكل منخرط في الجندية، لم يكن هذا الخُلق يقتصر على فرد دون آخر، بل الكل منخرط الرجل والمرأة على حدّ سواء، بل حتى الصغار يتنافسون عليها. فإذا نودي مثلا بحيَّ على الجهاد، ترى الكلَّ يتدافع نحو الاستنفار العام بما يستطيع من جهد ووقت ومال وعدّة وعتاد، حتى الضعفاء لم يُستثنوا، بل كانت مهمتهم التضرع والدعاء، وهم نعم السند والمدد.

لكن في دول الوراثة ومع ظهور بناء المؤسسات وتقسيم مجالات العمل اختصت طائفة بهذا الميدان دون بقية الأمة. مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من مسلم إلا هو قائم على ثغرة من ثُغَر الإسلام، فمن استطاع ألاّ يؤتى من ثغرته فليفعل”. وفي رواية أخرى، عن يزيد بن مرثد: “أنتَ على ثَغْرَةٍ من ثُغَرِ الإسلامِ، فلا يُؤْتَيَنَّ مِن قِبَلِكَ”. والنداءات القرآنية للمؤمنين بالاستنفار العام والجهاد والدفاع عن الإسلام هي تخاطب الجميع من دون استثناء.

بهذا المعنى كل مسلم هو جندي لله تعالى، كل مسلم يرابط على ثغرة من ثغور الإسلام، وثغور الإسلام كثيرة ومتنوعة. ليس هناك مسلم ليس على ثغرة، فمادام هو جندي فهو يرابط على ثغرته. فمن المسلمين من يرابط على ثغرة الأمن والسّلم، ومنهم من يرابط على ثغرة التربية والتعليم، ومنهم من يرابط على ثغرة الإعلام والتواصل، ومنهم من يرابط على ثغرة القيم والأخلاق، الدعوة والتبليغ، الأسرة والطفولة، الحياة الاجتماعية، الحياة السياسية، الحياة الاقتصادية، وغيرها من الثغور. أبواب الجهاد التي ذكرها الإمام رحمه الله تعالى في المنهاج النبوي كلها ثغور تحتاج إلى مرابطة.

السؤال الثاني: ما هي شروط التخلّق بالجندية؟

في مجال التجنيد يضعون شروطا خاصة حتى يلتحق الفرد بهذا التدريب العسكري. شروط ترتبط بالسّن والمستوى الدراسي وحيثيات أخرى. أما في الجندية الدعوية فالشروط التي أراها ضرورية ليصبح أحدُنا متخلقا بالجندية، هي: الإرادة واليقظة.

أولا: الإرادة: يولد أحدنا بإرادة كاملة ومع الوقت تُسلب منه شيئا فشيئا وعندما يصير عاقلا ناضجا إما أن يبحث عن إرادته ويحررها لتعود إليه كاملة أو نسبية، وإما يبقى مسلوب الإرادة طول عمره. وأول ما من يَسلب منه إرادته: الأسرة ثم بعد ذلك المدرسة ثم المسجد ثم الدولة التي تريد منه مواطنا خادما لها وخاضعا كما تريد هي لا كما يريده هو. وفي كل مرحلة من مراحل تاريخ البشرية يُرسل الله تعالى من يُذكّر هذا الانسان بإرادته الحرة الكاملة، ويسعى لمساعدته على تحريرها. وهم الأنبياء والرسل والمجددون. فهم يحررون الإرادات يجمعونها من شتات ليُكونوا منها صفوفا متراصة ومنَظمة. يقول الله تعالى: ٱلَّذِینَ یَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِیَّ ٱلۡأُمِّیَّ ٱلَّذِی یَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِی ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِیلِ یَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّیِّبَـٰتِ وَیُحَرِّمُ عَلَیۡهِمُ ٱلۡخَبَـٰۤىِٕثَ وَیَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَـٰلَ ٱلَّتِی كَانَتۡ عَلَیۡهِمۡۚ فَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلنُّورَ ٱلَّذِیۤ أُنزِلَ مَعَهُۥۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ (الأعراف 157).

فعندما تتحرر الإرادة يصلُح الإنسان للجندية. يتحرر من الأنانية المستعلية، يتحرر من العادة الجارفة، يتحرر من ذهنية القطيع.

ثانيا: اليقظة: وهي الخطوة الثانية بعد الإرادة، أن تكون واعيا بالمهمة المطلوبة، وواعيا بكل ما قد يشغلك أو يبعدك عن هذه المهمة. فقد كان سيدنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرّ حتى لا يدركه. اليقظة ألا تؤتى من ثغرتك. اليقظة تعني المرابطة، المداومة، المتابعة، المواكبة، المحافظة على المشروع والدفاع عنه. اليقظة تُناقض الغفلة، الإهمال، التسويف، السذاجة، الالتفات، التخلّف عن الركب.

إذن لا يمكن أن نتخلق بهذه الجندية إن لم تتحقق فينا اليقظة الكاملة القلبية والفكرية والحركية.

السؤال الثالث: ما هو أفق الجندية؟

 صحيح أن نؤكد على أن أفق الجندية هو نصر دين الله تعالى والتمكين للأمة، لكن أفق الجندية من جهة صدق صاحبها ونجاحه فيها هو القيادة. فعندما يترسّخ خلُق الجندية في العضو ويَصدُق فيه ويترقى في مراتبها يكون أهلا أن يكون في القيادة ليقود جنودا كان أحدا منهم. وكما نجد في الجندية العسكرية مراتب وأنواعا، نجد كذلك في الجندية الدعوية مراتب وأنواعا. فنجد الجندي الخادم، الجندي الخفي، الجندي الحامل، الجندي الشجاع في المواقف، الجندي المحاور، الجندي الداعية، الجندي الجامع للقلوب، الجندي المتواصل، الجندي المنفذ، الجندي السخي والكريم، الجندي المتطاوِع والمتَطوّع، المتعاون، وهكذا…

 الجندية في الخدمة العسكرية مؤقتة، فيها تقاعد، لكنها في الخدمة الدعوية فيها تعاقد على الديمومة. واعبد ربك حتى يأتيك اليقين. الجندية في الإسلام هي الطرف الثاني الذي به قوام هذه الأمة والذي يشد أزر القيادة ويقويها ويدافع عنها ويحميها. والجندية هي الدرع الواقي والحصن المنيع للإسلام والمسلمين. الجندية هي الجزء المتمّم للقيادة، فلا وجود لهما ما لم يجتمعا، فلا قيادة بدون جندية ولا جندية بدون قيادة. القيادة تنظم وتخطط، والجندية تتلقى وتُنفذ. بهما قامت الأمة في أول عهدها وسادت وانتصرت وانتشرت وتوسعت، وبهما ستقوم ثانية إن شاء الله لتحقيق الخلافة على منهاج النبوة.

السؤال الرابع: ماهي معالم الجندية؟

معالم الجندية كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

1-العبودية والاستقامة: من خلال الإقبال على يوم المؤمن وليلته، ذكرا لله تعالى وتلاوة للقرآن، وقياما لليل وصياما بالنهار.

2-الشكر والصبر: إذا حالف الجندي المسلم التوفيق والنصر في عمله وجهاده أكثرَ من حمد الله تعالى وشكره، وإذا لم يُوفّق فلا ييأس بل يصبر ويمضي في طريقه وكله يقين وثقة في الله تعالى.

3-الأمل والعمل: الأعداء سلاحهم أن يزرعوا في نفوس الأمة اليأس والقنوط. والجندية تقول لهم: نحن أمة البأس وليس أمة اليأس، نحن أمة القنوت لا القنوط، أمة العمل لا الجدل، أمة الإقدام لا الإحجام. الجندية تعيش على الأمل دائما.

4-الوفاء بعهد الصحبة والجماعة: محبة وسلوكا، وثباتا على الحق وانتصارا له.

5-الإعداد المتواصل: إنها مدرسة في تهييء الخلف، والتخطيط، والمشاريع والرؤى المستقبلية. يقول الله تعالى: وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِینَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ یَعۡلَمُهُمۡۚ (الأنفال:60). لم يقل أعدوا لهم ما أعدوا لكم، بل ما استطعتم. وكما تعلمون فإن عدونا ماكر ينقض العهد في كل مرة، فلا بد من إعداد متواصل ومستمر.

6-العطاء والسخاء: الجندية هي بيعة مع الله على تقديم الغالي والنفيس في سبيل دعوته. يقول الله تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَ ⁠لَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ (التوبة:111).

7-الطاعة للقيادة: بحسن التلقي والتنفيذ، وحسن الثقة بها والمشاورة معها.

السؤال الخامس: ما هي أخلاق الجندية ومهامّها؟

يمكن أن نجملها في هذه الأخلاق التالية: اليقظة الدائمة عند سماع نداء حي على الصلاة، وحيّ على الجهاد، وحيّ على الرباط، وحيّ على النفير، الصبر والتحمل، القوة والشجاعة، حسن التلقي والتنفيذ، الطاعة والنصيحة، الفهم والوعي بالمهمة، الرجولة والثبات، حسن السمت، الانضباط والضبط، اليقين، الاتقان، التواضع، الحكمة والرحمة، الرفق والبشاشة. وذه الأخلاق كلها عبادة.

أما مهامّها فهي الوقوف على ثغرة من الثغور، تنفيذ برنامج عمل، خدمة الدعوة، تحمل المسؤولية، استطلاع أمر، الحفاظ على الأسرار، بذل وعطاء.

السؤال السادس: كيف نصنع هذه الجندية؟

لا بد من التربية. وبما أن الجندية يغلب عليها الحركية فهي الأحوج إلى تربية تخلق لها التوازن المطلوب. وعمليا تتم هذه التربية من خلال المدخلات وهي عبارة عن برامج ودورات وتكوينات وتدريبات. ثم العمليات وهي عبارة عن مواقف ومجالس والمشاركة الميدانية. ثم المخرجات وهي الجنود المؤهَّلة للعمل والتوظيف والاستثمار. وأخيرا جهاز التحكم في المتابعة والتقويم والتقييم.

ومع العملية التربوية ينبغي للقيادة أن تقوم ببعض الأمور تُسهم بها في صناعة هذه الجندية، منها:

أولا: تحرير المبادرات وقبولها وتشجيعها.

ثانيا: الدفع بهذه الطاقات لتحمل المهام للتدريب عليها وتهيئة الخلف.

ثالثا: التنويه بالموفقين في مبادراتهم وأعمالهم، فإن ذلك مزية لتقوية روح التنافس الشريف.

رابعا: استعمال الألقاب والكنى فإن ذلك سنة نبوية.

خامسا: ترديد النشيد الحماسي المحفِّز أثناء العمل أو بين ثنايا المجالس.

سادسا: التكريم والتوشيح للصادقين في الجندية، فإن ذلك سنة نبوية.

السؤال السابع: ما هو فضل الجندية؟

يكفي أن نستشهد على فضلها بهذا الحديث، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: هل تدرونَ أوَّلَ مَن يدخُلُ الجنَّةَ مِن خلْقِ اللهِ؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: أوَّلُ مَن يدخُلُ الجنَّةَ مِن خلْقِ اللهِ الفقراءُ المُهاجِرونَ، الذين تُسَدُّ بهم الثُّغورُ، ويُتَّقى بهم المَكارِهُ، ويموتُ أحدُهم وحاجتُه في صدرِه، لا يستطيعُ لها قضاءً، فيقولُ اللهُ ﷿ لمَن يشاءُ مِن ملائكتِه: ائْتوهم فحيُّوهم، فتقولُ الملائكةُ: نحن سُكّانُ سمائِكَ، وخِيرتُكَ مِن خلْقِكَ، أفتأمُرُنا أنْ نأتِيَ هؤلاء، فنسلِّمَ عليهم؟ قال: إنّهم كانوا عِبادًا يعبُدوني، لا يشرِكونَ بي شيئًا، وتُسَدُّ بهم الثُّغورُ، ويُتَّقى بهم المَكارِهُ، ويموتُ أحدُهم وحاجتُه في صدرِه، لا يستطيعُ لها قضاءً، قال: فتأْتيهم الملائكةُ عند ذلك، فيدخُلونَ عليهم مِن كلِّ بابٍ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبى الدّارِ (الرعد: 24) 5.

السؤال الثامن: ماذا لو اختلّ شرط الجندية؟

يقول الله تعالى: وَلَقَدۡ سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلۡمُرۡسَلِینَ. إِنَّهُمۡ لَهُمُ ٱلۡمَنصُورُونَ . وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلۡغَـٰلِبُونَ﴾ (الصافات 171-173). يؤكد الله تعالى بأن جندَه هم الغالبون، سنة إلهية ماضية إلى يوم القيامة. رأينا هذه الجندية الغالبة في غزوة بدر، لما صدقت في نيتها وجهادها، كتب الله لها النصر رغم قلة عددها وعتادها. يقول الله تعالى: وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرࣲ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةࣱۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (آل عمران 123). (أذلة أي قليلون). ثم رأيناها لما اختلَ شرط هذه الجندية كيف كانت النتيجة. انهزم المسلمون وفيهم القائد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكانت غزوة أحد درسا كبيرا في الجندية إذا اختلّ شرطها. فقد أصيب المسلمون فيها بقرح شديد وهزيمة خطيرة بسبب مخالفة الجنود الرماة لأمر القيادة واندفاعهم نحو جمع الغنائم.  أصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشيع أن محمدا قد مات، فأصبح المسلمون في موقف صعب من حيث المعنويات. يقول الله تعالى: وَلَقَدۡ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۤ إِذۡ تَحُسُّونَهُم بِإِذۡنِهِۦۖ حَتَّىٰۤ إِذَا فَشِلۡتُمۡ وَتَنَـٰزَعۡتُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِ وَعَصَیۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَاۤ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَۚ مِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلدُّنۡیَا وَمِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلۡـَٔاخِرَةَۚ ثُمَّ صَرَفَكُمۡ عَنۡهُمۡ لِیَبۡتَلِیَكُمۡۖ وَلَقَدۡ عَفَا عَنكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ (آل عمران 152).

وما هذه الهزائم التي توالت على الأمة عبر التاريخ إلا بسبب اختلال في الجندية. وذلك من ناحيتين:

الأولى: ليس هناك انخراط كلي للأمة في هذه الجندية.

والثانية: أن من يُحسب على مهنة الجندية لا علاقة له بالتربية الإيمانية.

خاتمة

من خلال ما سبق تبين لنا:

-أنَّ الجندية خُلق من أخلاق المؤمنين الصادقين، فهي شرف عظيم بحكم انتسابها إلى الله تعالى (جندنا، جنود ربك)، وهي تكليف بحكم الثغرة التي يقف عليها كل مؤمن في سبيل خدمة دينه ونصرة دعوته وإعزاز أمته (ألا يُؤتى من ثغرته).

-أنَّ إعادة النظر في هذه الجندية هو الذي جعل الأئمة المجددين من أمثال حسن البنا وأبو الحسن الندوي وعبد السلام ياسين رحمهم الله تعالى يعطون لها معنى تجديديا في دعواتهم. الانخراط الكلي للأمة في الجندية، ثم التربية حتى تَصدق ويكتب الله لها الغلبة والنصر والتمكين.


[1] مقدمات في المنهاج ص:53.
[2] إمامة الأمة :42.
[3] نفس المرجع والصفحة.
[4] الإسلام غدا ص:395.
[5] أخرجه أحمد (6570) واللفظ له، وعبد بن حميد (352)، والبزار (2457)، إسناده جيد