التربية والرعاية أية علاقة؟

Cover Image for التربية والرعاية أية علاقة؟
نشر بتاريخ

تقديم:

كثير من الناس لا يفرقون بين التربية والرعاية؛ إذ يعتقد بعضهم أن التربية لا تعدو كونها تعبيرا عن مظهر من مظاهر الرعاية، بينما يرى بعضهم الآخر أن التربية والرعاية مفهومان مترادفان. هذا على مستوى المفهوم، أما بالنسبة لأهمية كل منهما، فالممارسة اليومية للمفهومين في الأوساط الاجتماعية وخصوصا في التعامل مع النشء، فتطغى فيها مؤشرات الرعاية لدى الآباء معتقدين أن المأكل والملبس والدراسة والحماية النفسية والبدنية… من الثوابت الضامنة لتحقيق التربية الجيدة التي من شأنها تكوين الفرد الصالح لذاته ومجتمعه، في حين تنتشر ممارسات أخرى ترتبط بالنصح والتوجيه والتربية العقدية والقيمية باعتبارها أولويات للتربية والرعاية معا.

فما معنى التربية؟ وما معنى الرعاية؟ وأية علاقة بينهما؟ وما هي الشروط الأساس لتحقيق التكامل والتوازن في ممارستهما في تكوين الناشئة؟

أولا: التربية والرعاية، مقاربة مفاهيمية

1 – مفهوم التربية: يربط الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله التربية بالجانب الإيماني فيقول:

“التربية الإيمانية عملية على نجاحها يتوقف ميلاد المسلم إلى عالم الإيمان، ثم نشوءه فيه وتمكنه ورجولته، ولا جهاد بلا تربية، ولا يكون التنظيم إسلاميا إن لم تكن التربية إيمانية” 1.

ويقول أيضا: إن التربية الإيمانية اقتحام لعقبة ثلاثية الأبعاد، ولا يتم هذا الاقتحام إلا بتحقق شروط ثلاثة، وهي: الصحبة والجماعة والذكر والصدق البذل والعلم والعمل والسمت الحسن والتؤدة والاقتصاد والجهاد.

أما الدكتور أحمد لطفي شاهين 2فيربط التربية بخمسة مبادئ أساس:

أولًا: بناء القناعات
وتشمل العقيدة.. المبادئ.. القيم.. الطموحات.. وفهم الحياة إيجابيا وطريقة التعامل النموذجية مع البشر

ثانيًا: توجيه الاهتمامات
وتشمل ما يشغل بال الإنسان وكيف يقضي وقت فراغه وكيف يصل إلى أهدافه.. دنيا وآخرة.

ثالثًا: تنمية المهارات مثل
اليدوية، الكتابية، الرياضية؛ الفنية؛ العقلية؛ الاجتماعية؛ الإدارية؛ العلمية، التقنية… الخ

رابعًا: فهم قواعد العلاقات
من تصاحب؟ من تتجنب؟ وكيفية بناء العلاقات وإصلاحها أو إنهائها.

خامسًا: اختيار القدوات
وهم المـُثـُل العليا الذين يتطلع إليهم الإنسان ليصبح مثلهم، وكذلك فِهم القوانين التي تحكم التعامل مع القدوات. 3

2 – مفهوم الرعاية:

الرعاية مصدر رعى، ومنه: “رعى الحاكم الرعيَّة: تولَّى أمرَهم ودبَّر شؤونهم، ورعى اليتيم: كفَلَه” 4، ويقال: “مركز رعاية الطِّفل: مصحَّة للاهتمام بالأطفال حديثي الولادة” 5، والفاعل “الراعي: الوالي… ورعاه: أي حفظه، رعاية ورعيًا، ويقولون: في رعاية الله تعالى: أي في حفظه” 6، وبذلك تأتي الرعاية بمعنى العناية والاهتمام والحفظ، وتولي الأمر وتدبيره من طرف الوالدين؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجِها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها” 7

وقد فصَّل النبي- صلى الله عليه وسلم- في عِظَم مسؤولية الرعاية، بقوله: “كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، الإمامُ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ راعٍ في أهْلِهِ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِها ومَسْئُولَةٌ عن رَعِيَّتِها، والخادِمُ راعٍ في مالِ سَيِّدِهِ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ قالَ: – وحَسِبْتُ أنْ قدْ قالَ – والرَّجُلُ راعٍ في مالِ أبِيهِ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، وكُلُّكُمْ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ” (البخاري).

والرعاية هي جزء بسيط من التربية، وتشمل أن يحصل الابن على متطلباته من الحياة، وأن يعيش حياة كريمة في ظل الاهتمام بصحته ومظهره، ورغم أهمية هذا الدور، فإن المربية قد تتكفل به، عكس التربية التي يقع مسؤوليتها على عاتق الوالدين على مدى سنوات طويلة، وهي تشمل العديد من المفاهيم التي ترسخ فعل كل طيب، وترك كل سيئ. 8

“ومجمل القول: إن رعاية الأطفال في الإسلام، يُقصد بها العناية بالأولاد من ولادتهم إلى حين بلوغهم، والاهتمام بشخصيتهم بشكلٍ شامل ومتوازن من جوانبها المختلفة عقليًّا وروحيًّا ونفسيًّا وجسديًّا واجتماعيًّا، وحفظ حقوقهم لمساعدتهم على الانخراط في الحياة بإيجابية وَفق أخلاق وقيم دين الإسلام.

وقد اعتنى الإسلامُ بالأطفال عنايةً خاصةً، وحثَّ على الاهتمام بهم براعمَ وصبيانًا، حتى قبل ولادتهم ومجيئهم إلى هذه الحياة، بتهييء بيئة أسرية مناسبة لهم، كما أوجب على الوالدين حسن رعايتهم وتربيتهم وَفق مبادئ وأسس تُسهم في بناء شخصيتهم بشكل متوازن” 9

ثانيا: التربية والرعاية أية علاقة؟

يرى الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله أن التربية والرعاية عنصران متكاملان: فلا تربية بدون رعاية ولا رعاية بدون تربية مما ينعكس على تحقيق التكامل الوظيفي في شخصية الإنسان:

إن الهدف الأسمى الذي يجب أن نسعى إلى تحقيقه هو تربية الطفل “لتكوين مُواطِنٍ قوي في جسمه، مكتمل في عقله، مستقيم في سلوكه، نافع لنفسه ولمجتمعه”. ولإتمام العملية التربوية لا بد من توافر مجموعة من العناصر التي تقوم فيما بينها علاقات تفاعلية، وكذلك لتهيئة جيل متعلم يساير ركب التطور العلمي والثقافي، قادراً على خدمة مجتمعه، وطامحاً إلى مستقبل زاهر مملوء بالإنجازات والنجاحات. وأولى هذه العناصر: الكمال الوظيفي. يقول الإمام المجدد رحمه الله: فإن كمالَ المرأة الوظيفي وكمال الرجل، أبوَين مسؤولين مُرَبيين، هو غاية ما يراد منهما تحقيقه حفظا لفطرة الله، ونشراً لرسالة الله، وخدمة لِأمة رسول الله. ما يرفَع المرأة إلى القداسة إلا أمومتها، وما يرفع الرجل إلا أبوته، يُذْكَر حقهما بعد حق الله مباشرة في قوله تعالى 10: وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا[سورة الإسراء، 23].

ومن هذا المنطلق يتعين اعتماد مبدأ التكامل والموازنة بين التربية والرعاية في تكوين شخصية متكاملة ومتوازنة عقلا وجسدا وروحا لتتحمل الأمانة والرسالة التي خلق ووجد من أجلها.

“إن الموازنة بين الرعاية والتربية أمر ضروري للأبناء، فما قيمة توفير المأكل والمشرب والملبس دون التربية وتهذيب السلوك، ما قيمة تنمية ذلك الجسد الذي لا يعلم خيرا ولا يُنكر شرا، ولا يعمل من أجل رضا الله سبحانه وتعالى ثم الجنة، فإذ كانت رعاية الطفل تعني حمايته من المخاطر، فالتربية هي إعداده لمعرفة كيف يحمي نفسه من مصير السوء في الدنيا والآخرة.

فلا بد من أن يدرك الآباء والأمهات والمربون أهمية التوازن بين رعاية الطفل وتربيته، ومعرفة أن التربية ليست توفير الاحتياجات الأساسية، فهذه رعاية ضرورية ومسؤولية جسيمة وحق من حقوق الأطفال، لكن التربية هي السلوك والتعامل والأخلاق والدعم وتعزيز سلوكيات الطفل الإيجابية، وتحفيزه على المشاركة، وتوفير الفرص التي تسهم في التنمية المعرفية وتنمية الشخصية ومهارات التفكير.” 11

خاتمة:

من شأن الموازنة بين التربية والرعاية تكوين فرد قادر على تحقيق التوافق بين ذاته ومجتمعه حيث ينشأ الفرد على الاهتمام بجميع الجوانب في حياته، الروحي، أو العقلي، أو الجسمي أو الاجتماعي، فيحقق التوازن بينها جميعًا دون إهمال جانب على حساب الآخر، في إطار ما تسمح له العقيدة والقيم الإسلامية بذلك، كما تنشأ لديه القدرة على عقد الصلات الاجتماعية القائمة على الرضا والمحبة والود والتسامح، بعيدة عن العدوانية والكبر والخيلاء وغيرها من الأمور التي تعكر صفو العلاقات الاجتماعية، امتثالًا لأمر الله – تعالى- في قوله: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ[سورة القصص، آية:83] مما يوصله للرضا والسعادة والاستمتاع في حياته بعمله وأسرته وعلاقته وشعوره بالأمن والاستقرار في أغلب أحواله، فلا يخاف من المستقبل ولا يقلق من أخذ حقه ونصيبه من الدنيا لأن همه الوحيد العلو في الدنيا والآخرة وأن هدفه الوحيد الوصول إلى الجنة والفوز بنعيمها. 12


[1] المنهاج النبوي للإمام عبد السلام ياسين، الشركة العربية للنشر والتوزيع – القاهرة، الطبعة الثانية 1989م، ص: 55.
[2] مستشار وخبير تدريب تنموي، فلسطين المحتلة.
[3] https://epsycho.com.kw.
[4] معجم اللغة العربية المعاصرة، د. أحمد مختار عبد الحميد عمر بمساعدة فريق عمل، عالم الكتب، ط:1، 1429 هـ-2008م، 2/ 909.
[5] معجم اللغة العربية المعاصرة، 2/ 910.
[6] شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، نشوان بن سعيد الحميرى اليمني، تحقيق: د حسين بن عبد الله العمري وآخرون، دار الفكر المعاصر-بيروت-لبنان، ط: 1، 1420 هـ – 1999م، 4/ 2547.
[7] صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، ط: 1، 1422ه، 3/ 120.
[8] المنتدى الإسلامي العالمي للتربية: www.ikhwanonline.com
[9] محمد بن داود: رعاية-الأطفال-في-الإسلام-وحقوقهم https://www.alukah.net/
[10] تنوير المؤمنات ج:2، ص: 220.
[11] الموازنة بين الرعاية والتربية في الإسلام – www.ikhwanonline.com
[12] مجموعة من المؤلفين، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، صفحة 20. بتصرّف.