الأساس التربوي في فكر الأستاذ عبد السلام – مكوناته ومقاصده

Cover Image for الأساس التربوي في فكر الأستاذ عبد السلام – مكوناته ومقاصده
نشر بتاريخ

يشكل الهم التربوي حجر الزاوية واللبنة الأساس في المشروع المنهاجي للمرشد المؤسس لجماعة العدل والإحسان -رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه- إلى جانب الرسالة العلمية الناصعة والخط السياسي اللاحب.

 ذلك أن التربية الإيمانية عاصمة من القواصم السلوكية ومانعة من الزلات الفكرية وحائلة دون السقطات الحركية، تحضيرا لغد مشرق تبنيه سواعد الطليعة المجاهدة التي ترعرعت في تربة صالحة وصحبة حانية، يقول الأستاذ ياسين رحمه الله تعالى: “إننا بحاجة لبناء أمة، والشباب يكونون في مجتمعاتنا المفتونة جيشا من العاطلين الذين أسيء تعليمهم وتربيتهم. فإذا حصلوا بين أيدينا قبل قيام الدولة وبعده يجب أن نعدهم إعدادا جادا ليكونوا جند التحرير والبناء.”  1

فماهي مكونات المنظومة التربوية لدى الإمام عبد السلام ياسين؟ وما أهدافها؟

أولا: الجلسات التربوية:

 تعتبر الجلسة التربوية محطات أساسية لكل عضو في جماعة العدل والإحسان، فيها يتعلم معاني السلوك ومنها يتدرج في مدارج الإحسان، حيث يجالس أعضاءً عددهم بين الستة والعشرة ويسمى المسؤول عن حسن تسييرها وتدبير حكامتها نقيب الأسرة، يتوزع جدول أعمالها بين ذكر الله وقراءة القرآن ودروس ذات طابع تربوي وقيام الليل وتحاب وتآلف بين أفرادها. وعنها يحدثنا رحمه الله: “الشرط الأول في نجاح التربية وجود صحبة وجماعة تتلقى الوارد عليها في رحاب المؤمنين المتواصين بالصبر والمرحمة. الوجه الباش، والكلمة المبشرة المشجعة، أول ما ينبغي أن يدركه الوارد من وجود مرحمة ومحبة في الأسرة التربوية حتى يحب صحبتها والسير معها.

ومحبة الواردين، بل محبة المسلمين حين ندعوهم ليردوا علينا، لا تـأتي بتصنع ولا هي نفاق اجتماعي. إنما يجدها المؤمن، يفرح بكل رجل هداه الله على يديه”. 2

 ويزيد الأمر إيضاحا بقوله: “فيجب وجوبا أكيدا أن يربى جند الله على لزوم باب العبودية، امتثالا حريصا دقيقا لأمر الله عز وجل، ومناجاة له، وحضورا قلبيا عند ذكر اللسان وخارجه، حتى يصبح العبد المؤمن ذاكرا ربه، قائما بين يديه لا يفتر. على هذا يتوقف نجاح القومة الإسلامية، وهذا القيام بين يدي الله عز وجل هو لب القومة ومغزاها وروحها.” 3

 والبغية من التربية هو أن تأخذ الواردين برفق حتى يبرد الحماس. ثم تأخذهم بالتجربة على إنجاز المهمات، والصبر في مجلس الإيمان، والصدق في اللهجة، والوفاء، والهجرة والنصرة. حتى يتبين الذين صدقوا من الكاذبين، والتنظيم لا يقوم على الحماس المتأجج العابر، لكن يعتمد على الإرادة العازمة.

 حين تكون همة كل مؤمن أعلى من خدمة شهواته ونزواته ومصالحه الشخصية، وحين تكون ذمته صادقة يؤمن معها غائلته ويؤمن معها أن يخذل الصف أشد ما يحتاجون إليه.

ثانيا: الرباطات والمعتكفات والمعسكرات:

 وهي محطات إيمانية حافلة بالذكر والصلاة والصيام وحفظ القرآن وقيام الليل والتعليم، يجتمع فيها العدد الكثير من الأعضاء، في عزلة عن الناس، في مدة تربو على الثلاثة أيام وقد تصل إلى الأربعين، ليتدربوا على جهاد النفس بصورة جمعية والتعلم بالنظير والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.

 يقول عنها الأستاذ ياسين: “من أهم ما يربط المؤمنين أيام وليال أمضوها في فسحات الإيمان والأخوة والتعاون الجاد والمثمر بعيدا عن ضوضاء الناس. ينفع كثيرا خاصة المبتدئين من الشباب أن يشاركوا في معسكرات خارج البلد ما أمكن. وعلى كل شعبة أن تعد لوازم المعسكر ووسائل إقامته، تستقل بها، تكون جاهزة لتنظيم معسكرات دورية لأسرها. وينبغي تنظيم برنامج كل معسكر بدقة. فيركز فيه على موضوع للدراسة معين وتوزع أوقات الليل والنهار لقيام الليل والتلاوة والوعظ والرياضة والتعارف وتبادل الخبرات وإعداد المستقبل. وفي فترات غير متباعدة يجلس المؤمنون في رباط يعكفون فيه على ذكر الله عز وجل ليتجدد الإيمان وتتقوى العزائم.” 4

ثالثا: العمل الفردي من خلال يوم المؤمن وليلته

 ما تلقاه المؤمن وتدرب عليه وتشربه من صحبة الآخرين يجتهد ليطبقه بصورة فردية مستقلة حتى يسمو إيمانه ويترقى في مدارج الإحسان من جهة ويبتعد عن النفاق والمراءاة من جهة أخرى، حيث يحفل يومه منذ استيقاظه إلى نومه بعبادات معينة وفق جدول مرسوم سلفا سماه الأستاذ ياسين في مكتوباته “يوم المؤمن وليلته” من قبيل ذكر الكلمة الطيبة ثلاثة أرباع الساعة في اليوم والليلة وجلسات للصلاة على رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم، وصيام الإثنين والخميس وجلسة الشروق بعد قيام الليل وصلاة الصبح… 5

 ما ذكرته من مكونات إنما هو ما كان منظما في مجالس مجدولة محددة بين الأعضاء وإلا فإن الأستاذ ينأى بمشروعه عن الانزواء في زوايا أو جبال كما هو حال بعض التيارات الصوفية، ويؤسس في المقابل لجماعة متحركة في الواقع تعيش آلام الشعب وآماله كما كان الحال في العهد النبوي والخلافة الراشدة، وكل عمل العضو فهو عبادة وكل تدافع فهو يفتل في حبل السلوك الجهادي الذي يتنوع بين جهاد الكلمة وجهاد التعبئة والبناء وغيرها من أبواب الجهاد كما أثلها في المناج النبوي. 6

تتغيا الأنشطة التربوية – الفردية منها والجماعية – في المشروع المنهاجي لجماعة العدل والإحسان، باعتبارها حركة مساهمة إلى جانب التيارات التغييرية والإصلاحية الأخرى، تحقيق أهداف ومقاصد جمة نذكر منها على سبيل التمثيل والإيجاز:

* تحقيق معاني الصحبة استمداد المؤمنين بعضهم من بعض.

* التحلي بشعب الإيمان.

* تحقيق دستور المحبة وتنمية الوعي الفردي والجماعي.

* الترقي في منازل الإحسان في العاجل والآجل معا.

* إعداد الطليعة المجاهدة وترصيص الصف المتماسك العرى.

* التواصي بالحق والصبر.

* تعلم القرآن وتعليمه.

* التمرس على تطبيق يوم المؤمن وليلته.

 وختاما نسأل الرحمة المتجددة والفضل المتعاظم للأستاذ عبد السلام ياسين على جهده الحثيث في تربية أفراد الشعب المغربي وتنشئته على الفضيلة وحب الإيمان وأن يجزل له المثوبة ويحقق أمنيته في مجتمع فاضل طاهر يسوده العدل والكرامة والعمران الأخوي. والحمد لله رب العالمين.


[1] المنهاج النبوي: الشركة العربية للنشر والتوزيع – القاهرة، ط1، سنة 1989، ص 49.
[2] المنهاج النبوي، ص59-60.
[3] المنهاج النبوي ص 43.
[4] ص48-49 المنهاج النبوي.
[5] (ينظر خصوصا في رسالة مطبوعة على حدة تحمل العنونان ذاته لمعرفته بالتفصيل).
[6] (ينظر المنهاج النبوي الصفحات من 382 إلى 420).