أسس مشروع بناء نقابي وحدوي بالمغرب

Cover Image for أسس مشروع بناء نقابي وحدوي بالمغرب
نشر بتاريخ

مع كل مناسبة للعيد الأممي للطبقة العاملة، نقف لنسائل الوضع النقابي المغربي وما يتسم به من تدهور وتراجع على المستوى النضالي والتنظيمي، في الوقت الذي تفترس فيه الدولة المخزنية كل حقوق ومكتسبات الشغيلة وتعمل على الحد من الإنفاق الاجتماعي.

صحيح أن هناك أسبابا موضوعية قاهرة، فواقع الاستبداد الجاثم على صدر الأمة لقرون، وما أنتجته آلته القمعية على مدى عقود من الزمن كان لها الأثر الكبير في تقويض الحركة العمالية وإجهاض رموزها الأحرار وتدجين من تبقى، أضف الى ذلك واقع العولمة وإملاءات المؤسسات  المالية الدولية الضاغطة… كلها عوامل ساهمت في تقويض الحركة النقابية والحد من فاعلية رموزها، لكن غياب الوعي النقابي الذي يعطي للمبادئ والقيم النقابية مضمونها، سهل على المخزن اختراق النقابات كما سهل على التوجهات الانتهازية والبيروقراطية تمييع العمل النقابي وتحويل الإطارات النقابية إلى دكاكين انتفاعية.

هذه التجليات تؤكد أكثر من أي وقت مضى أن الحركة النقابية في وضع مترد وقد يصيبها الشلل الكامل إن لم يبادر الجميع في تحديد الموقع والموقف الذي ينبغي أن تبنى على أساسهما الحركة النقابية والوعي النقابي، فتغير الأداء من تغير الموقف وتغير الموقف من تغير الموقع.

في تقديرنا، الفعل النقابي يجب أن يظل في صلب المجتمع  وهو جزء لا يتجزأ من منظومته، فهو عمل غير معزول عن السياق الاجتماعي السياسي، الاقتصادي، التنموي… والفاعلية النقابية تقاس بمدى تأثير الفاعل النقابي على القرار السياسي.

خطوات أساسية في تصحيح المسار:

على كل القوى الحية المساهمة في بلورة استراتيجية نضالية تجعل من النقابات قوة اقتراحية فاعلة ومانعة من تدهور الأوضاع الاجتماعية وتحافظ على خط النضال المجتمعي.

استراتيجية ترتكز تصوريا على:

· النضال على قاعدة رفض الاستضعاف لا على قاعدة الصراع الطبقي، حيث يستوجب إزالة كل معاني العنف والرفض الأعمى وقيم الحقد بين فئات المجتمع مقابل علاقات اجتماعية تقوم على قواعد الرفق والحلم والحكمة التي تنجز واقع القوة من خلال ركائز العدل الشامل.

· تحقيق المطلب في إطار القيام بالواجب.

· مركزية الإنسان/ فاعلية الانسان  (لن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

· الجمع بين هم المعاش وهم المصير، والمصير مصيران: فردي وجماعي.

· تخليق الحياة النقابية باعتماد نكران الذات، والتخلي عن المصلحة الذاتية ومحاربة الريع النقابي والكف عن جعل النقابة ملحقةً دورها هو تصريف أجندة الحزب.

· الثبات والصمود في خط النضال المطلبي والاجتماعي، ومقاومة الاختراق المخزني الاستبدادي بما هو العامل الأساس في واقع التشرذم والتمزق النقابي.

· النضال الدؤوب الهادف المبدئي، والحامي من الانزلاق في اتجاه الانحراف نحو الخبزية أو البيروقراطية أو الذيلية.

بعض شروط بناء نقابي وحدوي:

عملية البناء النقابي الوحدوي تتطلب مجهودات كبيرة في بلورة المشروع الوحدوي وتحديد أهدافه ومراميه وإشراك أقصى ما يمكن من الفعاليات النقابية الوحدوية والبحث عن أقصى إمكانات التوافق والإقناع، فالمسار الصحيح نحو الوحدة المرجوة، أن تتوحد الجهود على أرضية محددة بتصور ورؤية واضحتين، وأن تعمل كل الأطراف على توفير شروط النضال المشترك في أفق تحقيق الوحدة النقابية المرجوة، ولتحقيق ذلك نرى من اللازم:

· وعي الإطارات النقابية بالوضع الهجين والمخترق، والاقتناع بالعودة للدور الأصيل الذي أسست من أجله.

· الاقتناع طواعية بضرورة هذه الوحدة المنشودة، بعد استشعار خصوصية المرحلة ودقتها.

· فتح نقاش مجتمعي عميق حول المسألة الاجتماعية، يشارك فيه الجميع بعيدا عن الحسابات السياسوية الضيقة من أجل تقريب الرؤى وتقليص الفجوة وإذابة الحواجز النفسية وتصحيح المواقف المعادية.

· تعميق التواصل والحوار بين النقابات، يبتدئ بفتح نقاشات في قضايا وملفات مشتركة، تتبعها خطوة توحيد المطالب القطاعية ثم المركزية، ثم توحيد الهيئات التفاوضية قطاعيا ثم مركزيا فيما بعد.

· القطع مع فلسفة الصراع الإيديولوجي وتخوين المخالفين.

· الدعوة للوحدة النقابية لا تستقيم بأن يدعي كل فاعل وصلا بليلى (الشرعية التاريخية- الزخم الجماهيري- العدد…) ثم لا يرى العمل الوحدوي سوى في إدماج الآخرين داخل عباءته، كأن يخطو خطوة منعزلة ويطلب من الآخرين الالتحاق به، ومنهم من يعتبرون بأن لا وحدة نقابية يمكن أن تتحقق خارج نفوذهم وقيادتهم لأنهم يتصورون أنفسهم أوصياء على العمل النقابي وعلى الحركة العمالية.

ختاما نرى أن القناعة باتت تتعمق بضعف الذات وبأهمية العمل المشترك وفاعليته في مواجهة الجبهة المخزنية، فيجب على كل الفاعلين المجتمعيين أن يكونوا في الموعد، فالعمل الوحدوي المشترك بديلا واقعيا للخروج من عقم العمل النقابي المشتت، وكفيل بتوحيد الجهود وإرجاع الثقة للعمل النقابي وبناء حركة اجتماعية قوية وفعالة في مواجهة كل التحديات.

على الجميع المساهمة في إنضاج شروط تأهيل هذه الجبهة المنشودة وأولوياتها، مع تحديد الخطوات بدقة وفاعلية حول الدفع  بتنزيل وتحقيق هذه الشروط.