وظيفة الأسرة المسلمة عند الإمام ياسين

Cover Image for وظيفة الأسرة المسلمة عند الإمام ياسين
نشر بتاريخ

يربط الإمام عبد السلام  ياسين  رحمه الله تعالى صلاح الأمة بمصير الأسرة، لأنها  منطلق التغيير الأول، لذلك فهو يرى أن من “سمات الغثائية الكثرة التي لا غَناء فيها. ومن كان يظن أن إرضاء الذَّكَر من المسلمين والأنثى شهوة عابرة يتلوها نسل سائب تربيه الشوارع في غير مسؤولية فلا يدري ما هو العَمل الصالح، ولا ما معنى كون الولد كسبا لك أنت مسؤول عن تسليمه وصونه مما ينصره أو يشركه أو يغوثه. أم نكون نحن نغَثّي من بَعْدنا؟ على دولة القرآن أن ترفع الإنتاج ليكفي الرزق خلق الله، لكن مسؤولية الدعوة أن تربي الأبوين على تحمل المسؤولية ورعي الأمانة. ألا وإنه مصير الأجيال ومصير الأمة” (1). ويؤكد هذا الأمر محمد قطب رحمه الله تعالى بقوله: “البيت والمدرسة والمجتمع هي ركائز التربية الأساسية، لكن البيت هو المؤثر الأول وهو أقوى الركائز جميعاً، لأنه يتسلم الطفل من بداية مراحله فيبذر فيه بذوره، ولأن الزمن الذي يقضيه الطفل في البيت أكثر مما يقضيه في أي مكان آخر، ولأن الوالدين أكثر الناس تأثيراً في الطفل” (2).

وللبيت المسلم والأسرة المسلمة أهمية كبيرة في حركة التغيير، شرط أن يكون هذا البيت يسكنه الخير والصلاح إذ “من البيت الإسلامي تنطلق القومة، إن كان البيت يسكنه مؤمنون، وكانت قلوب المؤمنين يسكنها حب الله، والخوف من الله والرجاء. من البيت الإسلامي تنطلق القومة، وتمُرُّ بالمدرسة، وتستقوي بعد الله بمن سَمِع، ولبَّى، وسأل، وسُئل عنه، ولبّى النداء، والتفّ، واجتمع، وأيد، وانتظم. وكلها مراحل تربوية، تأخذ الأقرب فالأقرب السائر في الحياة بلا هدفٍ لتوقِظ فيه هم مستقبله الحقيقي الأبدي، ولتعقد له مع الله الصلح الكبير” (3).

كان الإمام رحمه الله يدرك عظم المسؤولية الملقاة على عاتق الأسرة في حركة التغيير، لأن صلاح الذرية أو فسادها هو من عمل الوالدين، هذا العمل  الذي لايخفى أثره  في كل تغيير يحصل في المجتمع إما صلاحا أو فسادا. لذلك تعظم مسؤولية الوالدين في تعهد النشء بالتربية البانية الصالحة، يقول الإمام “فجعل الولد عملا، والعمل أنت المسؤول عن صلاحه أو فساده. وقال الله عز وجل يخاطب نوحا عليه السلام لما سأله في ابنه: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ (هود، 46) فجعل الولد من عمل المرء. وذاك ولد ما قصر والده عليه السلام في إرشاده للخير إلى آخر نفس. فارتفعت مسؤولية الأب العبد نوح، وبقيت مشيئة الخالق الرب تبارك وتعالى” (4). وبهذا تعظم وظيفة الأسرة في الإسهام في حركة التغيير الراشدة، وتناط بكل فرد في هذه الخلية الصغيرة مسؤوليته التي يجب أن يقوم بها، فإذا “لم تُرضع الأم طفلها الإيمان مع الألبان، ولم يَقُدْ الأب خطى أبنائه الأولى إلى المسجد، ولم تُلَقِّن الأسرة كلمة التوحيد للصبي أوّلَ ما يلْهَجُ بالنطق، ولم يُرَدِّدْ معه الأخ والعم والخال والمـدرِّس آيات الله في غضاضة العمر، ولم تتعهده بالوصية الإيمانية القَرابة والجوار، فقد فاته إبَّان الحرث” (5).

وكلما أحسن الأبوان الرعاية وقاما بوظيفتها في التوجيه والهداية – وإن كانت الهداية من الله -، تيسرت حركة التغيير. لأن “الهداية والتوجيه وتربية الشخصية لها أمومة وأبوة كما لخلق الجسم أمومة وأبوة. الخلق خلق الله، والهداية هداية الله، لكن الأم والأب يحسنان رعاية الجسد وتنشِئتَه أو يُسيئانها فتَقْوى بنيَتُه أوْ تضْوَى، ذلك مسؤوليتهما. ويتخذان للنفس الجديدة والعقل المتكون والقلب الفطري مأوىً حاضِنا فيصلُح عملا، أو يتركانه فيرعَى مع الهَمَلِ هملا” (6).

ويعظم أثر الأسرة في التربية حين ندرك عجز المدارس والجامعات في القيام بهذه المهمة العظيمة حيث “يربي الآباءُ والأمهاتُ الأبناءَ على سلوك إسلاميٍّ، وقد يكونُ في المدرسة والكليةِ أساتذة يعطون المثال الطيبَ، ويبنون الفضيلةَ. لكنَّ كلَّ ذلك يذهبُ أدراجَ الرياح أمامَ عواصف الدعاية الإعلامية، والقَنْبَلَةِ الدائمةِ للفكر والشعور. اخترعوا تلك الوسائل الجهنمية وسخَّروها لنشر ثقافتهم، وترويج بضاعتهم، ولا يُمكن اختراعُ تُرِسْ واقيةٍ من فتك تلك الأسلحة. أمامَ القَنْبَلة الإعلامية اليومية لا تُجدِي الموعظةُ، ولا المنطقُ، ولا التوبيخُ والزجرُ، ولا كسرُ الجهاز. فإنك إن كسرتَ جهاز البيت بقيتْ أجهزةُ الشارع والمدرسة. إلا أن تغلق بابَكَ على من فيه، وتظَلَّ سَجَّانَ أهلِك وبنيك” (7).

ويشير الإمام  إلى ضرورة تحسيس الآباء والأمهات بوظيفتهم العظمى في المجتمع، وفي حركة التغيير التي  تتجلى في رعاية الذرية وتنشئتها على الخير والصلاح والجمال، ذلك أن “إيقاظ الآباء والأمهات إلى مسؤوليتهم الجسيمة مرتبطة بمسؤوليتهم التربوية، وتهذيب الناس وترفيع وعيهم إلى مصلحتهم ومصلحة ذريتهم التي هي مصلحة الأمة، واجب تربوي تعليمي يبسط أمام دولة القرآن والعدل والإحسان مجالا فسيحا لبذل الجهود التربوية مقرونة بجهود الإنصاف والعدل في المعايش من توفير سكن ومدارس ومشافي ومشاغل، توفير شروط الرخاء وظروفه. كان الله في عوننا إنه هو العلي القدير” (8).


الإحالات:

(1) ياسين، عبد السلام، سنة الله، 267.

(2) محمد قطب، منهج التربية الإسلامية، دار الشروق، الطبعة العاشرة 1992،  2/93.

(3)  ياسين، عبد السلام، تنوير المؤمنات، 2/246.

(4) ياسين، عبد السلام، سنة الله، 266.

(5)  ياسين، عبد السلام، العدل، 534.

(6) ياسين، عبد السلام، تنوير المؤمنات، 2/266.

(7) ياسين، عبد السلام، إمامة الأمة، 194.

(8) ياسين، عبد السلام، في الاقتصاد، 122.