وانتصرت غزة

Cover Image for وانتصرت غزة
نشر بتاريخ

من سنن الله تعالى في تاريخ الإنسانية انتصار أهل الحق المستضعفين على أهل الباطل المستكبرين، قال تعالى ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين (القصص، الآية 5)، وقال تعالى ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون (الأنبياء، الآية 105)، وقال تعالى إن العاقبة للمتقين (هود، الآية 49). وهي سنة جارية إلى إن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.

ولقد بشر الله تعالى عباده المؤمنين بالنصر المبين وتوعدهم بالعاقبة والتمكين والوراثة والاستخلاف في الأرض، قال تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلكم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا (النور، الآية 55)، وقال تعالى إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم (محمد، الآية 7). وما انتصار غزة الأبية إلا تجسيد وتحقيق لهذا الوعد الإلهي لعباده المؤمنين الصادقين، فنصرهم الله عز وجل رغم قلة عدد جند المقاومة وأسلحتهم، في حرب غير متكافئة ولا متوازنة مع العدو الصهيوني الذي يملك جيشا نخبويا جرارا وأسلحة ذكية متطورة وفتاكة من دبابات وطائرات وصواريخ وقذائف، ودعم من قوى الاستكبار العالمي والمنافقين من بني جلدتنا. وها هو العالم كله شهد انتصار المقاومة الباسلة على الصهاينة وهزيمتهم شر هزيمة، إذ أخزاهم الله تعالى وأذلهم في العالمين وأدخل الفرحة والسرور على قلب المقاومة والحاضنة الشعبية لها. قال الله تعالى ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله (الروم، الآية 4)، وقال تعالى ويشف صدور قوم مؤمنين (التوبة، الآية 14).

انتصرت غزة العزة رغم تقديم الآلاف من الشهداء والجرحى ورغم التدمير الذي تعرضت له من طرف العدو الصهيوني ورغم تهجير سكانها.

انتصرت غزة العزة، وفشل مخطط العدو الصهيوني ومعه الاستكبار العالمي والمنافقين العرب الداعمين له. انتصرت غزة العزة وبقيت المقاومة المجاهدة الباسلة حاضرة شامخة مرفوعة الرأس، وفشل مخطط العدو الصهيوني للقضاء عليها، وارغمته صاغرا ذليلا على التفاوض معها من أجل تبادل الأسرى الذي سعى العدو الصهيوني لأكثر من 470 يوما من التقتيل والتدمير والتهجير لتحرير محتجزيه ولم يفلح.

انتصرت غزة العزة فعادت الحاضنة الشعبية للمقاومة مرفوعة الهامة منتصبة القامة مكبرة ومهللة بنصر من الله تعالى، وأفشلت مخطط العدو الصهيوني في التهجير وتهويد غزة وحطمت أوهام النتن الصهيوني مجرم الحرب بالنصر.

انتصرت غزة الأبية بصمودها وثباتها فأعطت دروسا لشعوب وأحرار العالم في معنى الصمود والثبات في وجه الظلم والاستكبار وأمام آلة التقتيل والإبادة.

انتصرت غزة العزة بتوحيدها شعوب العالم وأحراره في التضامن معها والمساندة، وكشفت مؤامرة المنتظم الدولي وهيئات حقوق الإنسان والأمم المتحدة وأكذوبة السامية.

انتصرت غزة المجاهدة وأيقظت شعوب الأمة المسلمة من سباتها، فهبّت لنصرتها واستعملت في ذلك جميع الأشكال التضامنية والإسنادية المتاحة لها من إسناد مادي أو معنوي أو عسكري، ومن خلال المسيرات والوقفات المسجدية والاحتجاجات والمقاطعة الاقتصادية، وأحيت القضية الفلسطينية وأفشلت مخطط التطبيع مع العدو الصهيوني وأيقظت الإرادة والعزيمة للشعب الفلسطيني في الانعتاق والتحرر، وانتصرت على دعاة الانهزامية والتشكيك والتضليل وفضحت مؤامرة المتآمرين عليها. وصدق الله تعالى إذ يقول في سورة الأنفال ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين (الآية 30).

وتحققت معجزة الرسول عليه الصلاة والسلام حين أخبر أن غزة العزة والشموخ ستقهر بني صهيون؛ أخرج الإمام أحمد رحمه الله في المسند عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.

وصدق الله تعالى حين قال يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين (المنافقون، الآية 8).

عاشت غزة حرة أبية.