“نصيحة الوفاء” تتدارس موضوع “الصحبة” وتجمع قيادات وأعضاء الجماعة على مأدبة الذّكر والقرآن

Cover Image for “نصيحة الوفاء” تتدارس موضوع “الصحبة” وتجمع قيادات وأعضاء الجماعة على مأدبة الذّكر والقرآن
نشر بتاريخ

بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل الإمام المؤسس عبد السلام ياسين رحمه الله، نظمت جماعة العدل والإحسان مجلسا لنصيحة الوفاء يوم السبت 7 جمادى الآخرة 1444 الموافق لـ31 دجنبر 2022، خصّصته لتدارس موضوع “الصحبة في الله.. جمع وانجماع على الله”، موازاة مع برنامج تربوي متنوع بين قراءة القرآن وقيام الله والذكر والدعاء. وحضره ثلة من مسؤولي ومسؤولات الجماعة وقياداتها وأطرها وأعضائها، وتزامن مع عقد عشرات مجالس النصيحة المحلية في سائر المدن والمناطق.

وقد سيّر مجلس النصيحة المركزي عضو مجلس الإرشاد الأستاذ محمد حمداوي، وتم تدارس موضوع الصّحبة عبر تقديم عدة عروض؛ إذ عرض الأستاذ مصطفى حمور تأملات في الآية 28 من سورة الكهف، ثم بسطت الدكتورة أنيسة كركاري سيرة آل سيدنا أبي بكر رضي الله عنهم نموذجا للأسرة الناجحة، قبل أن يقوم الأستاذ عبد العزيز حقي بقراءة من كتاب الإحسان لفقرة سنة الله في التابع والمتبوع، ليكون مسك المجلس كلمة لفضيلة الأمين العام الأستاذ محمد عبادي.

في افتتاح المجلس، الذي يأتي أيضا في سياق تخليد الجماعة للذكرى الأربعين لتأسيسها، نوّه الأستاذ حمداوي إلى أن مرامي الصحبة هي جمع القلوب على محبة الله وعلى رحمة الله وعلى طاعة الله، وعلى محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اتباعه واتخاذه أسوة وقدوة ونموذجا. قال تعالى: لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا. مذكرا بأن هذه الصحبة أثبتها الله عز وجل خالدة في الكتاب العزيز للصاحب الكريم سيدنا أبي بكر رضي الله عنه في موطن فداء عظيم. موطن الليالي الثلاث العصيبة في غار ثور. والتي قال فيها سيدنا عمر رضي الله عنه: “والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر”.

والصحبة، يضيف عضو مجلس الإرشاد مخاطبا الحاضرين والحاضرات والمتابعين عبر الأثير في باقي مجالس النصيحة، محبة واتباع؛ “محبة إن كانت خالصة صادقة تبقى دائمة لا تنقطع بالموت وإن قرنت باتباع على منهاج سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم انتفع بها صاحبها وانتفعت بها صاحبتها، وفازا يوم المعاد فوزا عظيما”. وزاد موضحا بأن المحبة لا تكفي وحدها ولا يكفي الاتباع وحده. فقوم أحبوا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ولم يتبعوه ضلوا وخسروا خسرانا مبينا ومنهم أبوطالب عم النبي صلى الله عليه وسلم. وقوم اتبعوه ولم يحبوه فضلوا كذلك وخسروا خسرانا مبينا. إنهم المنافقون الذين كانوا مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وفضحتهم سورة التوبة حتى سميت أيضا بسورة الفاضحة.

وفي مداخلته، اعتبر الأستاذ المصطفى حمور في فقرة التفسير، أن القصص هو العنصر الغالب في سورة الكهف التي ارتبطت بها آيات التفسير. معتبرا أن هذا القصص يستغرق معظم آيات السورة، حيث إنه ورد في أكثر من ثلثيها، وما تبقى من الآيات إنما هو تعليق أو تعقيب على تلك القصص.

وأشار إلى أن الموضوع المحوري للسورة والذي ترتبط به موضوعاتها، ويدور حوله سياقها، هو “إثبات ربانية القرآن الكريم وصدق نبوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيان نموذج المؤمن الصالح الذي يتأسس عليه مجتمع العمران الأخوي الذي يجمع خمسة خصال”، موضحا أن كل قصة من القصص المذكورة في السورة تضمنت خصلة معينة، إذ إن قصة أهل الكهف تدور “الثبات على الإيمان”، وقصّة صاحب الجنّتين تضمنت “جعل الدنيا قنطرة للآخرة والحذر من فتنة الدنيا”، بينما قصّة إبليس مع آدم عليه السلام دعت إلى “التحصن بالله تعالى من الشيطان وأتباعه”، أما قصّة سيدنا موسى والخضر فقد بينت أهمية “طلب العلم وصحبة الصالحين”، وآخر القصص هي قصّة ذي القرنين التي نوهت إلى “خدمة الناس ودفع الظلم عن المظلومين”، يضيف الأستاذ حمور.

وفي فقرة السيرة، تناولت الدكتورة أنيسة كركاري كنموذج للأسرة الناجحة؛ آل سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، في محورين؛ خصت سيدنا أبا بكر بالمحور الأول؛ باعتباره رب الأسرة وقدوتها والقيّم عليها، تطرقت فيه لخصاله الكريمة قبل الإسلام، والتي زاد رصيدها بصحبه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها، “فعلى قدر المصحوب ينتفع الصاحب. الملازمة أثمرت الموافقة، فكان أشبَهَ النَّاسِ أَخلاقًا برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ قبل أن يتعلم منه الإيمان تعلم منه صفاء الروح وصدق الفعال ونبل الأخلاق، فالمرء على دين خليله على نهجه وعلى سلوكه وعاداته وهمته”، تقول كركاري لتؤكد أن “الصحبة مفهوم مركزي ومؤثر في السلوك الإنساني، هي مفتاح الخير الكثير، وهي الملاذ الآمن. الصحبة وصلة قلبية وبيئة منهضة”.

وانتقلت الباحثة في علوم القرآن في المحور الثاني لتوضيح مجموعة من الأسس التي أقام عليها الصديق بيته، جامعة إياها في: التربية على خصال الخير والتقوى، وتقاسم المسؤولية وإشراك الأبناء والثقة في قدراتهم، والتربية المستندة على تنمية المهارات ورعاية المواهب، والتوافق حول الهدف الرسالي. واستشهدت لكل مقوّم بمجموعة من الشواهد المعززة له والدالة عليه. لتخلص إلى أنه بصلاح الآباء ينصلح حال الأبناء، وأن تحول الأسرة القلبي تحقق بفضل التربية النبوية القرآنية، وأن الصحبة في الله وصلة قلبية ورفقة منهضة وبيئة تربوية رَوِيّة دالة على الله تعالى.

بعد ذلك، قدم الأستاذ عبد العزيز حقي فقرة “سُنّة الله في التّابِع والمتبُوع” من خلال مدارسته مادة الإحسان، وذلك في نقطتين؛ الأولى ثبوتها إلى يوم القيامة، والثانية علاقتها بالسلوك الجهادي الجماعي. مورداً تطرق الإمام المجدد رحمه الله لهذا الأمر تأصيلا بكونها سنة من سنن الله التي لن تجد لها تبديلا ولا تحويلا، مع محاولة إقناع علماء الفكر بما عند الأكابر أهل الله العارفين به، من خير، مستدركا بمعارضته رحمه الله للسلوك الفردي الانعزالي. المتحدث أوضح أن دلالة رسول الله صلى الله عليه وسلم “لم تكن مجرد تبليغ، وإن كان التبليغ ركن من أركانها، وإنما معايشة وتلطف وخفض جناح أثمرت اتباعا أفضت إلى محبة الله ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلقا به”، وهي استجابة للأمر المؤسس لهذه المسيرة في قول الله عز وجل: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله. ثم بقاء النورانية شاهدها ما توارثه الصحابة رضوان الله عليهم عبر القلوب رغم غياب شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم سار على دربهم التابعون وتابع التابعين، وبقيت الوراثة القلبية والتحاب في الله بين المؤمنين جوهرا للدين في جذر قلوب أمناء الرسالة أولياءَ الله الذين أحبهم الله بعدما تقربوا إليه بالفرض والنفل.

ثم يعود المتحدث ليضع هذه المعاني العظيمة في سياقها الصحيح كما أوردها الإمام لكي تثمر ما أثمرت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم فقها جامعا، حيث بين سلوك الصحابة بكونه سلوكا جهاديا جماعيا وسلوك الصوفية بكونه سلوك فردي انعزالي مثمّنا ما حافظوا عليه، معارضا لهم في انعزالهم وانحسارهم عن ميدان الجهاد. مضيفا بأن علينا الاستئناس بما أثلوه من إرث ولكن لا يكون عبئا ثقيلا على الأمة يحول دون اكتسابها للشخصية الجهادية الصحابية.

بعد انتهاء المداخلات تقدّم فضيلة الأستاذ محمد عبادي الأمين العام للجماعة بين يدي الحضور بكلمة توجيهية، عرض فيها مواصفات الشخصية الجهادية الصحابية المطلوب اكتسابها، انطلاقا مما كتبه الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى في كتابه “إمامة الأمة”، المبثوثة في الخصال العشر الجامعة لشعب الإيمان (نذكرها بتفصيل في نص كلمته التي سننشرها لاحقا)، والتي على كل مومن ومومنة أن يجتهد في حيازتها تشوفا لمقام الإحسان، وذلك عن طريق التربية وسط صحبة دالة على الله سبحانه وتعالى، مستعينين على ذلك باستمداد القوة من القرآن الكريم “لا أن نحفظه فقط، وإنما أن يكون كل واحد وكل واحدة منا مدرسة متنقلة عبر الأجيال والأزمان والأمكنة.. موصولة جيلا بعد جيل إلى يوم القيامة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها”.

وأكد فضيلته أن “المطلوب منا أن نكتسب هذه الشخصية لنتحرك في المجتمع، لنكون رحمة في العالمين، ليقتدي الناس بنا، وليروا فينا معاني الإحسان؛ في سلوكنا وفي أخلاقنا وفي معاملاتنا وفي مواقفنا.. بل بمجرد النظر إلينا يتأثر الناس بنا إن كنا ربانيين، إن كان الذكر يطفو على صفحات وجوهنا” محيلا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (خِيارُكُمُ الَّذِينَ إذا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ).

وذكّر أعضاء الجماعة بأن “الجماعة أمانة في أعناقكم، والمراد بالجماعة، روحها، النور النبوي الذي بثه الإمام المرشد في الجماعة، هذه الروح أمانة في أعناقنا، علينا أن نتشربها أكثر فأكثر لنكون إن شاء الله تعالى رحمة وخيرا وبركة على أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم”.