أضحت مناسبة فاتح ماي العيد الأممي للعمال بالمغرب فرصة للاحتجاج، يخرج فيها المتظاهرون مطالبين بتحقيق الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية ونصرة المظلوم والقضاء على الفوارق الاجتماعية والاستغلال والتمييز والتهميش والحكرة… إلا أن الحكومة كعادتها وبدل الاستجابة لمطالبهم العادلة والمشروعة، تصر على مزيد من الاحتقان وملء كأس الغضب الشعبي، بنهج سياسة الفساد والإفساد التي أوصلت المغرب لحافة الهاوية، وفرضت على المغاربة وضعا اقتصاديا صعبا، ساهم في مزيد من ضرب القدرة الشرائية، وتوسيع رقعة الفقر والهشاشة، وضرب جودة الخدمات الأساسية. أما النقابات فقد استسلمت للأمر الواقع وتنتظر استدعاءها في أواخر شهر أبريل من كل سنة لإبداء رأيها فيما تقرر سلفا، ويسمى زورا وبهتانا حوارا اجتماعيا، وهو فاقد لمعناه التفاوضي، ولا يعدو أن يكون آلية لتأثيث المشهد ولإضفاء نوع من الشرعية على مشاريع قوانين قبل تمريرها بقوة “الأغلبية”. أما الحوار الاجتماعي الوطني الثلاثي الأطراف بالمغرب فقد ظل دائما مرتبطا بمزاجية الحكومات ومقرونا بالظرفية السياسية، ولم يكن قط حوارا ممأسسا ومنتظما.
لقد امتدت يد المخزن السوداء لتسطر ترسانة من القوانين التي تحمي في جوهرها مصالحه، والحكومة ماضية في سن قوانين ومخططات تزحف على مكتسبات الشغيلة وتصادر حقوقها الاجتماعية والمهنية والمادية، والنقابات للأسف تدير الحوار الاجتماعي مشتتة في غياب أي تنسيق فبالأحرى التوحيد، مما يضعف القوة التفاوضية ويجهض كل أحلام الشغيلة. لقد فرض على الشغيلة قانون “إصلاح” صناديق التقاعد بدون مقابل يذكر، وتم تهريب دمج صندوقي “Cnops” و”Cnss” إلى مجلسي البرلمان، وفرض على المغاربة قانونا مكبلا لممارسة الحق في الإضراب مقابل زيادة للأجراء غير متكافئة مع ارتفاع الأسعار ضمنت بها الحكومة سنتين من السلم الاجتماعي، وهذا ما يفسر الخواء الذي طبع الحوار الاجتماعي هذه السنة حيث لا جديد سوى استدعاء الحكومة المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية لجلسات فارغة بعد تعطيل دورة شتنبر للسنة الماضية.
سنة بعد أخرى أصبحت مناسبة فاتح ماي تعرف نوعا من الخفوت، بسبب الهشاشة التي يعرفها المشهد النقابي، وانحدار منسوب الثقة في التنظيمات النقابية، لقد دعونا أكثر من مرة النقابات إلى مراجعات نقدية في أفق التصالح مع قواعدها وبناء وحدة نضالية في أفق تحقيق وحدة تنظيمية قوية توحد الجهود وتصمد أمام التسلط المخزني، كما اقترحنا تشكيل جبهة نقابية تكون نواة لجبهة مجتمعية موسعة وقوية، مقتنعين بأن تشكيلها من شأنه أن يعبئ الشغيلة، ويعيد الوهج والمصداقية للعمل النقابي، ويقوي موقعها على طاولة الحوار، ويحقق المطالب، ويرفع من مستوى التفاوض ليشمل قضايا استراتيجية هي الآن بعيدة عن أجندات الحوار الاجتماعي على أهميتها؛ كميثاق العدالة الأجرية، وميثاق العدالة الضريبية، وآليات الارتقاء الاجتماعي، ومحاربة الفقر والهشاشة وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية… وها نحن اليوم نتوجه للفاعل النقابي -ولن نمل-، نتوجه لكل مناضل غيور يؤمن بتحرير القوى العاملة من كل أشكال الحيف والظلم والاستغلال، يؤمن بالتوزيع العادل للثروة، يؤمن بمغرب الكرامة والحرية والديمقراطية الحقيقية… نقول له بكل وضوح أن الفعل النقابي الجاد والمثمر يقتضي تنظيمات قوية – فلا ينتزع الحق إلا قوي -، والخيار الوحيد لتعبئة الطبقة العاملة والتأثير النضالي في قرارات السلطة، هو توحيد الصف النقابي في إطار جبهة نقابية موحدة وقوية، توحد الجهود وتصمد أمام التسلط المخزني وتعنته.
كل القوى الحية اليوم مطالبة بالمساهمة الفعالة في بلورة استراتيجية ممانعة، تحصن النقابات من مزيد من التدهور وتحافظ على خط النضال المجتمعي، كل الغيورين على هذا الوطن مطالبون بتكثيف الجهود أكثر فأكثر، فالقناعة باتت تتعمق بضعف الذات وبأهمية العمل المشترك لما له من فاعلية في مواجهة الجبهة المخزنية، إن الجميع أمام مرحلة مفصلية دقيقة تدعو إلى التعالي على الانتماءات النقابية والحسابات السياسوية والإيديولوجية الضيقة، والعمل على توحيد الجهود وتنسيق النضالات بالتأثير من الداخل على مراكز القرار النقابي والسياسي، في أفق إعادة هيكلة المشهد النقابي ودمقرطته.
إن عملية البناء النقابي الوحدوي تتطلب مجهودات كبيرة، بدءا بتحديد أهداف المشروع ومراميه وانتهاء بتحصينه، وهذا يقتضي إشراك أقصى ما يمكن من الفعاليات النقابية الوحدوية والبحث عن أقصى إمكانات التوافق والإقناع، فالمسار الصحيح نحو الوحدة المرجوة؛ أن تتوحد الجهود على أرضية محددة بتصور ورؤية واضحتين، وأن تعمل كل الأطراف على توفير شروط النضال المشترك استشرافا لتحقيق الوحدة النقابية المرجوة.
ختاما نرى أن المصالح المادية والمعنوية المشتركة للعمال تحتم أن يظل الفعل المطلبي موحدا لضمان القوة والفاعلية التدافعية، ونؤكد أن العمل الوحدوي المشترك صمام أمان، وبديل واقعي للخروج من عقم العمل النقابي المشتت، وكفيل بتوحيد الجهود وإرجاع الثقة للعمل النقابي وبناء حركة اجتماعية قوية وفعالة في مواجهة كل التحديات.