أبو العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام بن الحطيئة اللخمي الفاسي 1؛ كان من مشاهير الصلحاء وأعيانهم، وكان مع صلاحه فيه فضيلة ومعرفة بالأدب، وكان رأساً في القراءات السبع، ونسخ بخطه كثيرا من كتب الأدب وغيرها.
تجاذبه القراء والنحاة، حيث جعله الإمام بن الجزري (المتوفى: 833هـ) من سادات القراء وطبقاتهم في “غاية النهاية في طبقات القراء”، فيما أدرجه جمال الدين القفطي (المتوفى: 646هـ) من علماء النحو واللغة في كتابه “إنباه الرواة على أنباه النحاة”، وترجم له الكثير، ولكني سأقتصر إلى جانب من سبق ذكرهم إلى الإمامين ابن خلكان (المتوفى: 681هـ) في “وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان” والذهبي في “تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام”، وذلك من أجل تجلية ولو وميض من سيرة هذا العالم الفذ الشامخ في سماء أعلام القراء بالمغرب الأقصى.
ولد ابن الحطيئة اللخمي بفاس في جمادى الآخرة سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، وحجّ ودخل الشَّام ولقي الكبار، ثُمَّ استوطن مصر وتصدر بها للإقراء، فقرأ بالروايات على أبي القاسم ابن الفحّام المقرئ النحوي شيخ القراء ومؤلف “التجريد في القراءات”، وقرأ الفقه والعربية، ومن أجَل تلاميذه شجاع بن محمد بن سيدهم، حيث صحبه وانتفع به، فذكر جملا من مناقبه أذكر منها اقتضابًا أنه كتب “صحيح مُسْلِم” كلّه بقلمٍ واحد، كما علَّم زوجته وابنته الكتابة، فكانا يكتبان مثل خطّه سواء، فإذا شرعوا فِي نسخ كتاب أخذ كل واحدٍ منهم جزءًا من الكتاب ونسخوه، فلا يفرِّق بين خطوطهم إلا الحاذق.
وذكر تلميذه أنه كان شديدًا فِي دين اللَّه، فظًّا غليظًا على أعداء اللَّه، وقال “كنت عنده يَوْمًا فِي مسجده بشُرَف مصر، وقد حضر بعض وزراء المصريين، أظنه ابن عَبَّاس، فاستسقى فِي مجلسه، فأتاه بعض غلمانه بإناء فضَّة، فَلَمّا رآه ابن الحُطَيْئة وضع يده على فؤاده، وصرخ صرخةً ملأت المسجد وقال: واحرها على كبِدي، أتَشربُ فِي مجلس يُقْرأ فِيه حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آنية الفضَّة؟ لا والله لا تفعل. وطرد الغلام، فخرج، ثُمَّ طلب كوزًا، فجاء بكوز قد تثلم فشرب، واستحيى من الشَّيْخ، فرأيته والله كَمَا قال اللَّه تعالى: يتجرعه ولا يكاد يسيغه.
جسد بحق المدرسة المتنقلة عبر الأجيال، حيث كان يشتغل بالإقراء إلى المغرب، ثُمَّ يدخل إلى بيته، وقد أخذ نفسه بتقليل الأكل بحيث بلغ فِي ذلك إلى الغاية، وكان يتعجب ممّن يأكل ثلاثين لُقمة ويقول: لو أكل النّاس من الضارّ ما أُكل من النّافع ما اعتلوا.
ثم عين لقضاء مصر أيام العبيديين فاشترط عليهم ألا يقضي بمذهب الشيعة فلم يمكنوه فما قبل منهم القضاء، فلم يزل على قدم المجاهدة إلى أن توفى بمصر في آخر المحرم سنة ستين وخمسمائة.
رحمك الله أيا ابن حطيئة.