مناهضة العنف ضد المرأة من الآليات الدولية إلى التطبيقات المحلية.. ندوة نظمها القطاع النسائي للعدل والإحسان

Cover Image for مناهضة العنف ضد المرأة من الآليات الدولية إلى التطبيقات المحلية.. ندوة نظمها القطاع النسائي للعدل والإحسان
نشر بتاريخ

إحياء لليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، نظم القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان يوم السبت 25 نونبر 2023، ندوة فكرية بعنوان “مناهضة العنف ضد المرأة من الآليات الدولية إلى التطبقات المحلية”، والذي جاء في سياق أحداث الإبادة الجماعية التي تنال الشعب الفلسطيني في معركة طوفان الأقصى.
وقد جاءت الندوة لتصوب العدسة حول الوضع المتدهور للمرأة في كل المجتمعات رغم الشعارت والقوانين والمواثيق الدولية التي تطال كل الميادين، ثم بشكل خاص معاناة الفلسطينية المستمرة منذ بداية الاحتلال وصولا إلى تفاقم الوضع الحالي بغزة.

أوضح الدكتور علي المغراوي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، ماهية التشريعات والآليات الدولية التي وضعت للحد من العنف ضد النساء، وتقييم جدواها وفعاليتها، في تأطيره أولا لثلاث محددات أساسية لظاهرة العنف ضد المرأة، الأولى وهي عالمية الظاهرة التي ارتبطت تاريخيا بالاجتماع البشري، والثانية عن تنامي العنف اليوم الذي كسر حدود جغرافيا دول العالم الثالث والفقيرة بل أصبح ظاهرة عالمية تغشى كذلك الحضارة الغربية والدول المتقدمة التي أصدرت المواثيق الدولية لمناهضة العنف ضد المرأة، والسبب عدم فعالية الإليات المستخدمة للحد من العنف سواء المؤسساتية أو القضائية. ثم الثالثة وهي الآليات الدولية لحماية النساء من العنف سواء الحقوقية أو القانونية (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اتفاقية سيداو، اتفاقية بيكين، اتفاقية جنيف).


ثم أوضح نائب رئيس الفضاء المغربي لحقوق الإنسان عجز هذه الآليات عن حماية المرأة من العنف، بالرغم من المقاربات القضائية والقانونية والحقوقية، مشيرا إلى انعدام الطابع الإلزامي بالقانون الدولي لهذه الإتفاقيات، حيث تم استخدام حق الفيتو مرات لتغطية الجرائم التي تطال الشعب الفلسطيني وحماية الإجرام الصهيوني.
أما الأستاذة سعاد ياسين، وهي رئيسة لجنة المرأة والتنمية وعضو المكتب الوطني للقطاع النسائي، فقد عرضت في المداخلة الثانية، نصوص التشريعات والقوانين بالدستور المغربي التي تنادي بالإنصاف والمساواة. لتبين بعد ذلك بعض الاختلالات التي تحول دون تطبيق وتنزيل هذه التشريعات بشكل فعلي، مبرزة حجم الأضرار والضحايا التي تشهدها المملكة، بكل أنواع العنف الممارس على النساء المغربيات وعلى كل المستويات إداريا، تعليميا، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.


وقد ربطت المتخصصة في التنمية الحضرية هذا الفشل في الاستراتيجيات والمشاريع التنموية لوضع المرأة بالوطن الجريح، المعترف به رسميا والبارز دوليا في ترتيبات دنيوية، بطرق التنزيل وذلك لعدم استثمار الدعامات وعدم التقاء الفاعلين والتنسيق بين المتدخلين المؤسساتيين، ثم عدم تفعيل دور الحكامة والتتبع وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومن جهة أخرى أوضحت التأثير السلبي لبيئة التنزيل التي تتسم بالاستبداد السياسي وغياب العدالة الاجتماعية واحتكار الثروة، ثم الفساد الإداري والإعلامي ومنظومة التربية والتعليم.
وفي المداخلة الثالثة، التي كانت عن بعد، صرحت الأستاذة تغريد صيداوي، المنسقة الدولية لمؤسسة نساء الأقصى، أن الإشكالية الأساسية التي تنبني عليها المواثيق الدولية هي التمييز بين الرجل والمرأة، الشيء المخالف لما تعانيه المرأة الفلسطسنية من عدوان وتعنيف، فالمصدر المعنف هو الاحتلال الذي لا يفرق في انتهاكه لكل حقوق الإنسان بين المرأة والطفل والرجل، ويعتدي على كل امرأة أما كانت أو حاملا أو زوجة أو شابة أو طفلة.


لتفصل الباحثة الأكاديمية في مجال المرأة الفلسطينية، في مداخلتها، في أنواع التعنيف وأساليبه قائلة أن الكيان الصهيوني قد حكم على الأراضي الفلسطينية وفق تقسيم رباعي، ليجعل كل جزء منه له أوضاع خاصة، لكن الشيء الموحد على التراب الفلسطيني هو الظلم والعدوان الذي تعانيه المرأة الفلسطينية، وتفسر على أن الاستهداف الذي يلغي خصوصية المرأة راجع إلى الدور الذي يراه بها الاحتلال الغاشم، فهي بالنسبة له جبهة المقاومة وقوة المقاوم، وعنصر حياة المنظومة الديمغرافية الفلسطينية.
لتسرد بعد ذلك مجموع الحقوق المنتهكة، بداية من حق الحياة الذي يتجلى في استهدافها بالقصف والقنص والحرمان من العلاج، مرورا بحق الحرية ومظاهره شتى، منها ما هو بارز كالاعتقالات والحصار ومنها ما لا يصل المتابعين من خارج أسوار عدوان الاحتلال، كالتضييق السياسي وحرمان الأسيرات من ممارسة أمومتهن وتعنيفهن داخل السجون، ثم حق الصحة والتعليم وغيرها من الحقوق المهضومة.


بعد مداخلات الأساتذة، فتح باب التعقيبات التي جاءت أولا على لسان الأستاذ محمد الطيفي، محامي بهيئة مكناس، حيث ناقش ضرورة الإحاطة بتحديد مصدر العنف لمناقشة ظاهرة العنف، فأبرز اختلاف تفعيل الاتفاقيات الدولية وحصره في العنف الذي يمارسه الفرد في حين وجب على الدولة أن تتحمل تفاقم هذا الاستغلال العرضي، والأهم منه أن تضع هذه القوانين والتشريعات الدولية حدا للاستغلال الممنهج المسلط من طرف أجهزة الدولة كالاستغلال السياسي وغيره.


أما الأستاذة صفاء الشرادي فقد أثارت في تعقيبها قضية المرأة الفلسطينية على وجه التحديد، مسائلة عن جدوى القوانين الدولية في ظل ازدواجية معاييرها وصمت المنظمات وتغاضي الأمن الدولي عن محاسبة المعتدين. ليضيف الأستاذ عبد الفتاح بوسار في تعقيبه أيضا أن الحقوق الدولية لا قيمة لها في سياق هذا الهولوكوست الإسرائيلي على مرأى ومسمع العالم، وانتشار الظاهرة الذي تجاوز الحدود الجغرافية لتضمن ركائز الاستكبار العالمي، ليمر بعد ذلك لتقييم الوضع في المغرب ويركز على تشعب القوانين وغياب مؤسسات التنزيل ذات البعد الوقائي والعلاجي، مع طغيان البعد الجزري بالإضافة إلى تسجيل فراغ قانوني مرتبط بالتنفيذ.


وفي التفاعل مع أسئلة وإضافات الحاضرين، أدلت الأستاذة ياسين بكلمة أخيرة عن مداخيل اجتثاث العنف ضد النساء بالمغرب، والذي يتغذى على ضعف الإدارة السياسية والتملص من المسؤولية، وجمعتها في 5 مداخل؛ سياسية تحارب ممارسات الاستبداد والفساد كاعلى تجليات للظلم، واقتصادية بالتقسم العادل للثروة ومحاربة الفقر والهشاشة، واجتماعية تضمن الحماية والحقوق الأساسية للفرد، وتربوية تعالج العنف الموروث وأزمة الذكورة، ثم ثقافية تحمي قيم المجتمع المغربي وتنبني على أسس ديننا الحنيف.
فيما أضاف الأستاذ المغراوي أن المقاربة القانونية أو التشريعية وحدها قاصرة على الإجابة وحماية حق المرأة، بل يجب تجميع المداخل لعلاج هذه الظاهرة والمسارات الممكنة، مستندا في ذلك على مشروع الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله. وحدد هذه المسارات في ثلاثة، الأول وهو الميثاق الإنساني الذي ينصف الإنسان وتتوافق فيه الإنسانية جمعاء على احترام حقوق أبنائها بعضهم بعضا، ومسار العدل الدولي لبناء إنسان متوازن ومجتمعات تحاصر هذه الظاهرة، ثم مدخل التراحم الدولي، مشيرا إلى أن العالم اليوم في حاجة إلى الرحمة العالمية الإحيائية.