في هذا المقال وفي مقالات أخرى تليه إن شاء الله، نسائل سيرة أمنا عائشة رضي الله عنها عن أسرار التربية النبوية الحكيمة والرفيقة. لقد كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن كما روت لنا أمنا عائشة رضي الله عنها، فبهذا القرآن خلقن، وبرفقه وحكمته هذبن وقومن.
1- أهم مناقب السيدة عائشة أم المؤمنين
سنتحدث إن شاء الله عن أمنا عائشة العالمة المفتية التي تذكر مع علماء الفتوى من كبار الصحابة أمثال أبيها الصديق، والفاروق عمر، وعلي الإمام، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين. عائشة المحدثة المكثرة التي تتقدم فتسامي كبار الصحابة جمعا للسنة ورواية لها وحفظا وتعليما.
عائشة المجاهدة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال :لما كان يوم أحد انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقزان القرب على متونهما تفرغانه في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم)عائشة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وعهد من كان من بعدهم.
عائشة التائبة العابدة المتبتلة إلى آخر رمق من حياتها، عائشة التي بلغها جبريل عليه السلام سلامه على لسان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كيف تربت هذه الفذة من نساء الإسلام ؟ كيف نشأت تلك الشابة التي كانت تحب اللهو ؟ روى لنا الإمام أحمد من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها، عن عروة بن الزبير أن عائشة قالت :والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو)كيف ترعرع إيمانها إلى أن اختارت الله ورسوله والدار الآخرة لما نزلت آية التخيير، فكانت بذلك قدوة لضرائرها الأخريات وهي أصغرهن سنا ؟روى الإمام أحمد عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت :أتاني نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال :)إني سأعرض عليك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تشاوري أبويك فقلت وما هذا الأمر قالت: فتلا عليَّ :)يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما ٌ. قالت :فقلت وفي أي ذلك تأمرني أن أشاور أبوي بل أريد الله ورسوله والدار الآخرة قالت: فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأعجبه وقال :)“سأعرض على صواحبك ما عرضت عليك”فكان يقول لهن كما قال لعائشة ثم يقول :” قد اختارت عائشة الله ورسوله والدار الآخرة”
2- شهادات في حق السيدة عائشة رضي الله عنها
خير ما نستهل به هذه الشهادات شهادة خير خلق الله رسوله صلى الله عليه وسلم.
روى الإمام أحمد عن أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :“فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام”وسأله رجل فقال : أي الناس أحب إليك؟ فقال :“عائشة”فقال ومن الرجال؟ قال :“أبوها”وقد أحصت سيدتنا عائشة في حديث لها أورده أبي حنيفة في مسنده عن الشعبي سبع خصال ميزتها عن غيرها من النساء فقالت :كن في خصال لم يكن لأحد من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم : كنت أحبهن إليه أبا، وأحبهن إليه نفسا، وتزوجني بكرا، وما تزوجني حتى أتاه جبريل عليه السلام بصورتي، ولقد رأيت جبريل وما رآه أحد من النساء، وكان يأتيه جبريل عليه السلام وأنا معه في شعاره، ولقد نزل في عذري كاد أن يهلك فئام، ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وليلتي ويومي وبين سحري ونحري)وأورد ابن الجوزي في كتابه صفة الصفوة عن أبي موسى قال :ما أشكل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما.)وعن مسروق قال :نحلف بالله لقد رأينا كبار الصحابة يسألون عائشة عن الفرائض.)وعن هشام بن عروة، قال عروة :ما رأيت أحدا من الناس أعلم بالقرآن ولا بفريضة ولا بحلال ولا حرام ولا شعر ولا نسب، من عائشة رضي الله عنها.)وعنه كان يقول عروة لعائشة :يا أمتاه لا أعجب من فقهك أقول زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة أبي بكر ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس أقول ابنة أبي بكر، وكان أعلم الناس أو من أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب،)قالت فضربت على منكبه، قالت :أي عرية، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره، وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل جهة فتنعت له الأنعات فكنت أعالجها فمن ثمٌ.)ومما اشتهرت به سيدتنا عائشة أم المؤمنين فصاحة لسان وبلاغة لم تسبق لغيرها حتى من بين كبار الصحابة رضي الله عنهم، وهذا الأحنف بن قيس يقول : سمعت خطبة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، فما سمعت الكلام من في مخلوق أحسن ولا أفخم من في عائشة رضي الله عنه.)وعن سفيان قال : سأل معاوية زيادا: أي الناس أبلغ؟ قال: أنت يا أمير المؤمنين، قال: أعزم عليك، قال فإذا عزمت علي فعائشة، فقال معاوية: ما فتحت بابا قط تريد أن تغلقه إلا أغلقته ولا أغلقت بابا قط تريد أن تفتحه إلا فتحته.)سنكتفي في هذا العدد بهذه الشهادات لنضرب موعدا في العدد المقبل إن شاء الله، وفي أعداد أخرى تليه للحديث عن كل منقب من مناقب هذه السيدة الفذة بقليل من التفصيل يلامس حياتها اليومية في بشريتها وسموها، لعله يرفع من هممنا شيئا ونحن في حضيض واقع بئيس.