محمد ﷺ قدوتنا، فلسطين قضيتنا

Cover Image for محمد ﷺ قدوتنا، فلسطين قضيتنا
نشر بتاريخ

تحلّ ذكرى مولد سيد الخلق، محمد ﷺ، فتحمل إلى قلوب المؤمنين نفحات عطرة من سيرةٍ هي النور الذي أضاء البشرية، والرحمة التي غمرت العالمين. ليست هذه الذكرى مجرد عاطفة وجدانية أو مناسبة للاحتفال الشكلي، بل هي لحظة تربوية وحضارية، تستنهض في الأمة قيم الصبر والثبات والجهاد، وتذكّرها برسالتها الخالدة وواجبها في نصرة المستضعفين، وفي مقدمتهم شعب فلسطين المقاوم.

لقد بُعث النبي ﷺ في بيئة تموج بالظلم والجهل، فواجه منذ اللحظة الأولى صنوف الأذى والاضطهاد. عُذِّب أصحابه، وحُوصروا في الشعب ثلاث سنوات حتى أكلوا ورق الشجر. ومع ذلك لم يتراجع الرسول ﷺ قيد أنملة عن رسالته، لأن اليقين كان أرسخ في قلبه من الجبال. وهذا الدرس الأول الذي يقدمه لنا مولده الشريف أنّ طريق الحق محفوف بالابتلاء، وأن الثبات هو بداية النصر.

ولعل واقع غزة اليوم يذكّرنا بمكة الأمس، فكما حوصر النبي ﷺ وأصحابه، تُحاصر غزة برا وبحرا وجوا، وتُقطع عنها أسباب الحياة، لكنها تصمد وتزداد إيمانا ويقينا، حتى صارت أيقونة للأمة ومرآة لصبر الأنبياء.

وعندما خرج النبي ﷺ من مكة مهاجرا، لم يكن ذلك فرارا من المواجهة، بل كان إعادة تموضع لحفظ الرسالة وبناء القوة، تمهيدا للعودة يوم الفتح. وغزة بدورها تعلّم الأمة أنّ الانحناء أمام العاصفة ليس هزيمة، بل خطوة في مسار أطول، يُعيد ترتيب الصفوف ليُثمر فتحا قريبا.

وفي بدر، يوم التقى الجمعان، كان المسلمون قلة ضعيفة في العدد والعتاد، لكنهم مسلّحون بالإيمان الراسخ. فانتصروا نصرا مؤزرا، غيّر مسار التاريخ. وما بدر إلا صورة سابقة لمعركة “طوفان الأقصى”، مجاهدون قلة يواجهون أعتى قوة عسكرية في المنطقة، فيُربكونها، ويكشفون زيف تفوقها، ويثبتون أن النصر هبة من الله للمؤمنين الصادقين.

وحين اجتمع الأحزاب على المدينة، وتكالب الأعداء من كل صوب، وبلغت القلوب الحناجر، لم يفقد الرسول ﷺ الأمل، بل بشّر بفتوحات فارس والروم وهو تحت الحصار. وهذا هو الدرس للأمة اليوم أن الحصار مهما اشتدّ، لا يقطع الأمل ولا يلغي الوعد الإلهي، بل يفتح الأفق لنصر قريب، وفجر يولد من رحم الشدة.

أما صلح الحديبية، فقد علّم أن السياسة ليست ضعفا، وأن القبول بالمساومة المؤقتة قد يكون مدخلا إلى فتح أعظم. وهكذا المقاومة الفلسطينية اليوم قد تُضطر إلى هدنة أو تفاوض، لكنها لا تنسي الهدف الأسمى الذي هو تحرير القدس، وعودة الأرض لأهلها.

ثم جاء يوم الفتح، فتح مكة، بعد صبر طويل وتضحيات جسام. دخل النبي ﷺ البلد الحرام مطأطئ الرأس تواضعًا لله، ليعلن أن النصر وعد من الله لعباده الصابرين. وما فلسطين إلا مكة أخرى تنتظر لحظة الفتح، يوم يدخلها أهلها مكبرين، وتُرفع رايات النصر على أسوار الأقصى.

ومن هنا، فإن رفع شعار ”#محمدﷺ_قدوتنا_فلسطين_قضيتنا”، ليس مجرد حملة إعلامية، بل هو إعلان انتماء، وتجسيد لربط متين بين سيرة النبوة الخالدة وقضية الأمة المركزية. إنه يترجم معنى القدوة في السيرة إلى واقع حاضر، ويجعل من قضية فلسطين الامتحان الأصدق لصدق المحبة النبوية. فالمحبة ليست كلمات تقال، بل التزام برسالة، ووفاء لنهج، وانتصار للمظلومين.

إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف لا يكتمل بالمدائح والأهازيج، بل يكتمل حين نجعل من حياة الرسول ﷺ منارةً نهتدي بها في واقعنا. واليوم، لا امتحان أنقى ولا أوضح لصدق المحبة من الوقوف مع فلسطين وأهلها بالوعي، بالكلمة، بالدعاء، بالمال، وبكل ما تطيقه اليد.

فكما قال الله تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}، كذلك يظل الوعد قائما لفلسطين، ما دامت الأمة ثابتة على درب محمد ﷺ، مقتدية بقدوته، ومخلصة لقضيتها المركزية.

إن ذكرى مولد النبي محمد ﷺ تظل منارة تهدينا إلى جوهر الرسالة المحمدية بالثبات على الحق، ونصرة المظلومين، والوفاء لقضايا الأمة. وفلسطين اليوم هي ميدان الصدق في المحبة والاقتداء، ومن يقف معها إنما يقف مع روح الرسالة النبوية ذاتها. وهكذا يلتقي الشعار الجامع ”#محمدﷺ_قدوتنا_فلسطين_قضيتنا” ليجعل من الذكرى والمناسبة معا عهدا جديدا بالوفاء والالتزام حتى يتحقق وعد الله بالنصر والتمكين لعباده.