“مجالس النصيحة” مجالس إيمانية تأسست منذ أزيد من اثنتين وعشرين سنة، وهي المجالس التي استهدفها التضييق المخزني سنة 2006 بما عرف في محاضر المتابعة بالمجالس غير المرخص لها. ومجالس النصيحة لا تأخذ الصبغة الإلزامية في الحضور بل التطوع والرغبة والقابلية والاستعداد صبغتها الأساسية، مادتها الرئيسة ذكر الله والتذاكر فيه، والتفكر في آلائه ونعمه، فيها يُتعلم تمام الافتقار إلى الله عز وجل وحبه والتوكل عليه والاعتماد عليه سبحانه وتعالى…) 1 ، وهي مجالس صحبة في الله وذكر لله وصدق في طلب وجهه الكريم، فيها تحيى قلوب وتستيقظ همم وتشحذ الإرادات… وهي مجالس تفقه في الدين، وأخوة خالصة يجليها الصفاء، وترقٍّ في الدين إلى أعلى مقامات الإحسان حتى لقاء الله) 2 .
وهي مجالس تعاون على البر والتقوى… توزع فيها الأرزاق المعنوية، ويصبر فيها المؤمن نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه. وفيها تنشرح الصدور ببركة الصحبة والذكر، وبركة صدق المتجالسين في الله عز وجل عبادا لله مفتقرين إلى رحمته) 3 .
وفي مجالس النصيحة تذوب بفضل الله كل الفوارق العمرية والتنظيمية والاجتماعية. تهفو إليه قلوب الشباب والشيوخ… طِلبة الجميع اللهُ، وبغيتهم تزكية أنفس وإعداد قلوب للقاء الله، ورفع عيون أفئدة إلى مقعد الصدق عند مليك مقتدر…) 4 .
في إطار البرنامج التربوي للجماعة، انعقدت يوم السبت فاتح ربيع الثاني 1438 هـ الموافق لـ 31/12/2016 مجالس النصيحة في مختلف حواضر المغرب تحت شعار: “الوقت والسلوك” متفيئة في ظلال قوله تعالى: فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ 5 .
مجالسُ رُسمت لها أهداف ثلاثة:
أن يُشَحَّ بالوقت فلا يُصرف في الغفلة وفيما لا ينفع.أن يُقتصد في وقت النفس ووقت الغير، فلا يُهدر بالزيارات الطويلة وقلة ضبط المواعيد.أن يُحرَص على الحظ الوافر من عمل اليوم والليلة.
وقد تُوسِّل لتحقيق هذه الأهداف وغيرها إضافة إلى مدارسة الآية 130 من سورة طه بمواد السيرة والإحسان والموعظة. وإذا كان محور الآية هو الدعوة لعمارة الوقت بالتسبيح لله تعالى، بما هو رأس العبادة وأسُّها، فقد تكفلت بقية المواد بتوضيح قيمة الوقت في حياة المؤمن المتشوف لأعلى درجات القرب من مولاه والتأكيد على حسن استثمار الوقت وصرفه فيما يفيد، بل إن كيفية التعامل مع الزمن مؤشر نجاح أو فشل الأفراد والمجتمعات، فلا غرو أن يحظى عنصر الزمن بقيمة متميزة في كتاب الله وسنة نبيه.
وعن قيمة الوقت في حياة المؤمن والأمة يقول الإمام المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله: يعيش المؤمن على إيقاع صلوات خمس محددة في الزمن… أما الانسان الحديث فلا يملك وقته: تتقاذفه قيود مواقيت العمل وتستعجله، فيسارع إلى التحرر منها حالما تواتيه الفرصة ليخصص وقت فراغه لإشباع غرائزه والانغماس في لهوه وعربدته… إن المسلم الذي يعيش إسلامه كاملا يتردد على المسجد للصلاة والتخشع… خمسة مواعيد محددة يجدد فيها المؤمن طاقته، وإلا تشتت في غمرة الغفلة عن الله، وتاه في دروب الزمن السائب، ثم ارتمى في أحضان الارتخاء والغفلة. إن التعبئة الدائمة والتحكم في الوقت لازمان للْفرد المُنْجمع وللمجتمع اليقظ…) 6 .
مجالس نصيحة هدفها بعد تجديد معاني الصحبة والتجالس والتزاور والتناصح والتحاب في الله الانخراط في برنامج يوم المؤمن وليلته؛ برنامج يستحضر فيه المؤمن ربه طيلة يومه، حتى يبقى مع الله ولله وبالله، يختار صفوة الأعمال لصفوة الأوقات، وحتى يمسك زمام نفسه عن التسيب في الأوقات، فيخرج من ظلام الغفلة إلى نور اليقظة، ومن زمن العادة إلى زمن العبادة، فمن لا ورد له لا وارد له. بهذا البرنامج يكون المؤمن بوقته شحيحا ينفق فيه بمقدار ولا يضيعه فيما لا يعني) 7 .
أجواء إيمانية وروحانية عالية غمرت مجالس نصيحة وافقت ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة (2017) وما يميزها من صخب وضجيج وهوس؛ موافقة لطيفة تكشف المسافة بين ما يجب أن يكون عليه الإنسان من إقبال على مولاه فيغنم وقته وعمره ونشاطه وفراغه وماله فيما ينمي رصيده من التقوى استعدادا للقاء ربه، وبين ما يتلظى به الغافل المنغمس في هوسه ونزواته من ضنك الإعراض عن صراط الهداية والاستقامة.
فالحمد لله على جميل فضله والرحمة المتجددة على من نذروا الأعمار لدلالة الخلق على الخالق ووصلوا الأجيال بحبل الهداية ونور النبوة. والحمد لله رب العالمين.
[2] من “رسالة المعتقلين الإثني عشر بالسجن المركزي بالقنيطرة”.\
[3] العدل والإحسان: الهوية، الغايات، المواقف، الوسائل.\
[4] “هذه هي المجالس التي يحاربون”. مقال للأستاذ عبد الكريم العلمي (2006).\
[5] سورة طه. الآية: 130.\
[6] الإسلام والحداثة للأستاذ عبد السلام ياسين رحمة الله عليه. ص: 248، 249.\
[7] العدل والإحسان: الهوية، الغايات، المواقف، الوسائل.\