لو تكرمت بها؟

Cover Image for لو تكرمت بها؟
نشر بتاريخ

كثيرا ما نسمع قوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا (سورة البقرة، من الآية 83) وقوله عز وجل: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (الإسراء، من الآية 53)، وإن نحن أنصتنا له علمنا أن القول أمر، والأمر عام لم يخصص ولم يستثنى منه شيء، وما يمتثل له إلا من ارتضى لنفسه أن يكون عبدا لله بحق، فرّوض لسانه على القول الحسن الذي تألفه الطباع السوية وتميل إليه النفوس السليمة، هو الذي يرضي الناس فيدخل السرور عليهم، ويرضي الله فيجزى الجزاء الأحسن، فماذا نخسر إن ألجمنا هذه العضلة البسيطة الخفية الخطيرة في جسمنا، الكفيلة بأن تهوي بنا في دركات فوت النجاة في الدنيا والآخرة أو ترفعنا إلى الدرجات العلى في الدنيا والآخرة كذلك؟ بل لننظر ماذا سنربح إن نحن سخرناها لأن تكون عابدة لله، وروضناها على أن تتلذذ باختيار الكلمات النيرات، وتجعل خير عطيتها وأفضل هديتها كلمة مبشرة تورث لذة في القلب، وانشراحا في الصدر، واطمئنانا في النفس، قلب وصدر ونفس القائل والسامع على حد سواء؟ فأسعد الناس أسعدهم للناس. فلذة كل على حسب قدره وهمته وشرف نفسه، فأشرف الناس وأرفعهم قدرا من يتلذذ بطاعة أوامر الله والتودد إليه بما يحبه ويرضاه، وأحطهم قدرا من يتلذذ بذكر الكلام الفاحش المشين المستنكر.

الكلمة الطيبة عبادة

إن بذل القول الحسن والسخاء والكرم في الكلم الطيب الصادق عبادة من متممات ومكملات الإيمان، فكمال الإيمان يقتضي من المرء أن لا يقول إلا كلاما مرضيا، وأن يتعفف عن الكلام النابي الساقط المسقط في جهنم، والكلام الذي يمس بمشاعر الغير وينغص عليهم حياتهم. ومن ثم سيحصل على متعة ولذة في الدنيا توصله إلى لذة الحياة في الآخرة. وهذا لا يجب أن يكون مقصودا لذاته أو لنيل مودة الناس، وإنما هو وسيلة لمقصود أعظم هو رضى الله والدخول في زمرة عباد الله والفوز بالحسنى وزيادة.

الكلمة الطيبة صدقة

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والكلمة الطيبة صدقة” (متفق عليه)، والصدقة برهان صدق المؤمن في إيمانه والعابد في عبادته، فالكلمة الطيبة لا تصدر إلا من قلب طيب مريد لله صادق في طلب مولاه.

الكلمة الطيبة نور وبشرى

إن الكلمة الطيبة تضفي على صاحبها نورا يمشي به في الناس فيقتبسون منه ما يضيئون به قلوبهم وأنفسهم وحياتهم، وتغيرهم من حال إلى حال، وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (النور،من الآية 40)، إنه نور الله الذي لا يخبو يهبه لمن يشاء ولمن ألح على الله بالدعاء أن يهبه الحكمة، وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (البقرة، من الآية 269)، ولا خير ينبت في كدر.

الكلمة الطيبة دعوة

إذ تفعل فعلها في القلوب والعقول ما لا يفعله غيرها، وتكسب مودة الناس، وتجذبهم إلى الامتثال إلى الحق بكل طواعية، بخلاف قول السوء الذي يورث العداوة والبغضاء والنفور، في حين أن المرء منا محتاج إلى استكثار المعارف من المؤمنين عساهم يكونون له إخوانا في الآخرة.

فالخير كله فيمن يألف الناس ويألفه الناس، إذ يتلقاه الناس بالبشرى والقبول في الدنيا وتتلقاه الملائكة في الآخرة أن لا تخف ولا تحزن وأبشر بالجنة التي كنت توعد.

القول الحسن حصن

يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى في المنهاج النبوي: من التؤدة امتلاك اللسان وهو أخف الجوارح حركة، وكفه برهان على قدرة المؤمن على امتلاك زمام نفسه فلا يصدر منها عمل أهوج، وأن الله لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم، ولا يحب الفحش ولا التفحش، فرب كلمة عابرة لا يحسب قائلها لها حسابا تجر علية من الآلام والآثام ما لم يخطر على البال، وتترك آثارا سلبية مدمرة، فالجهر بالسوء من القول سهل على اللسان وإذا ألفه صاحبه يصبح من الصعب أن يتخلص منه إلا أن يجاهد نفسه حتى يعتاد لسانه القول الحسن فيصبح يستثقل غيره وتتألم منه نفسه. ومن ثم يصبح قادرا على كبح جماح نفسه وجوارحه كلها.

القول الحسن وقاية من النار

عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة” (متفق عليه). إنها مجرد حركة يقوم بها اللسان لا تكلفه إلا أن تنبع من قلب صادق تزحزحه عن النار، ومن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز فوزا أبديا.

اللهم ارزقنا لسانا ذاكرا حكيما يعرف بالله في كل حركة يتحركها.