“قفا نبك..”

Cover Image for “قفا نبك..”
نشر بتاريخ

وجهك الجميل تغَضٌَن..وانقبضت أساريره..وعلى الكف انساب حزن..انساب ظمأ..انساب عُري..فضح ما سُتر وكُشف ما وُوري.
-في تلك القرية تنَهٌَد الجبل دامعا يروي مآسي الأنام: طفل حافي..أمٌُ بين النسيان تعاني.. شاب ترك آماله وفرٌَ إلى واد بين شِعابه يسرق لحظات توهٌُج سرعان ما تختفي..وعجوز..آه من عجوز مُنهك يئٌِن تحت أثقال الماضي. يوم رفع للعِز هامة وطرد مغتصبا حطٌَ برِجله وخيله وعاث فسادا في أرضه الطيبة..طرده شَرَ طِردة. .لكن ما انتبه كيف نثر المغتصب وباءه، وجعله في الجو تلتقطه صدور عفنة نشرت العدوى ولوثت جذور الأرض الطيبة.
-في البحر..على خفق الموج المتردد..على اللون الأزرق المنتشر..وصفحة الماء المالح..رُميت قوارب، على ظهرها المطاطي، اكتظ شباب إناثا وذكرانا، أطفالا وصبيانا، في يأس..يتطلعون إلى ضفة ثانية يبحثون في شوارعها عن مأوى، وقيمة وجودية تنتشلهم من حضيض تعاستهم وتفك عنهم إسار الظلم والتعسف الذي حَاطهم في بلدهم. يغامرون بين موج يدفعهم ذات اليمين وذات الشمال، وحوت يتربص بهم، وبندقية أشهرت فوهتها في وجوههم المضنكة..تقتنص منهم حياة..على عودها الغض احترقت معاني الإنسان..
-تغضن وجهك الجميل..وساحت ملامحه..وشاخت تربتك..وانحسرت في خوف تترقب يوما أسودا، يوم على مدى البصر ترى أبخرته متصاعدة نحو سماء جفلت وماء غِيضَ..ورحم جفَ عن وضع نور يبدد ظلمة الآفاق..
-علت صرخة من خلف الجدار..دٌَوت كهزيم يصُك الآذان.
على وقع إغماءة تحت الأنقاض ونصل يهدد الأحياء وظل سكن أطاحته معاول العقار وقارب اعتصره الرصاص وتعليم ينِدٌُ حياء وصِحة تساقطت أعضاؤها..تمزقت أشلاء. وذمم فسدت وقيم ديست وعفة إلى ليل الخلاعة سيقت.
-الصرخة تعلو وتعلو..والوجع صار ثقيلا يدُك الجبال، وحِدتها تمزق شتيت الآمال..تنسفه إلى ما وراء البحار…
-من داخل النبع..من سُقْيا القلب..وُلد إنسان على ثغره ابتسامة اطمئنان..وفي يده شتلة الريحان..يزرعها في تربة جفت يعيد لها الحياة..وينثر في الجو ترياقا يبدد سموم الاغتصاب..ويجر قاربا لفظته أنفاس الظلم..يعيده إلى بر الأمان..ويشد على كف حياة ينير بشهادتها الآفاق..ويُصبغ على شريد الشوارع حلل الكرامة والإباء..ويصطفي للتعليم منهج الانطلاق نحو العلم والتمدرس والاكتفاء..
ويصل ما انقطع..ويخيط ما تمزق..ويسرٌِح ضفائرا علاها النسيان..ويفتح باب العناية لجسد يتداعى لأعضائه بالسهر والامتنان..ويبسُط جناح المحبة يرفرف به على قلوبٍ ظَمِئة تاه عنها الحنان..
وجهك الجميل تلألأ وأشرقت ملامحه..وعلى كف الصٌِبا نمت أزاهيره تُوَرٌِدُ خد الصباح.