في عيد المرأة.. مغربيات حرائر يَدْفَعن الظلم ويُسائلن الحكم

Cover Image for في عيد المرأة.. مغربيات حرائر يَدْفَعن الظلم ويُسائلن الحكم
نشر بتاريخ

قد لا يصف الكلام واقع الحال، وقد لا تحمل الأحرف معها حجم المعاناة، إلا أن النص أدناه يكشف، على بساطته، جانبا من المأساة التي فُرضت على امرأة، ومعها زوجها وأسرتها.

“انا التي احمل هموم ابني لأتحمل بداية رحلة اخرى من العذاب المفروض علي تسلطا، حتى ازور ابني في سجن طنجة، وضمن قساوة الرحلة، بتحالف الظلام والبرد العالي برودة، ثم يفاجئني الدوار بغير استئذان بسبب الطريق الملتوية والتي تتقمص دور “الكوبرى”، ولما اصل منطقة عين الدالية بطنجة مكان المنشأة السجنية يكون الاستسلام الجسدي قد بلغ مداه”.

هي امرأة فرض عليها أن تخوض تفاصيل هذه المأساة، يوم فُجعت في فلذة كبدها الذي رمته قرارات الدولة وراء قضبان السجن سنين عددا.

حالة السيدة زوليخة ومعاناتها، لم تقف عند اعتقال وسجن ولدها ناصر الزفزافي، الذي عبّر والعديد من أبناء مدينته ذات لحظة عن مطالب الريف، بل تعدّت ذلك إلى التشهير، فالتضييق داخل السجن، ثم محنة الزيارات التي لا تكاد تطاق… حالة هذه السيدة الريفية ليست معزولة، يمكن معها لآلة الدعاية الكاذبة أن تزيّف واقع “العقوبة المزدوجة” التي تتولّد مع العديد من ملفات حقوق الإنسان في المغرب. عقوبة لا تطال الناشطين والمناضلين والمعارضين وأصحاب الرأي إلا بقدر ما تمسّ أضعافها زوجاتهن وأمهاتهن وبناتهن، لترتسم المعاناة المضاعفة التي تجمع الفقد إلى العنت الشديد.

والمغرب، كما العالم، يُخلّد الأربعاء 8 مارس 2023 اليوم العالمي للمرأة، نستحضر وجوه وقصص نساء مغربيات، تختزل واقع الحقوق وطبيعة السياسة، وتسائل قرارات الدولة ومنهج الحكم؛ فهذه أسماء الموساوي أُرسل زوجها الصحفي توفيق بوعشرين منذ خمس سنوات وراء القضبان، لتجد نفسها وحيدة وسط كلكل من المعاناة والمأساة التي لا يرى منها إلا رأس الجليد. وتلك خلود مختاري زوجة الصحفي سليمان الريسوني هي الأخرى جاء القرار قبل قرابة ثلاث سنوات بسجن زوجها لتنطلق معاناتها، والأخرى عائشة جوزي اختُطف منها على حين مكر وغيلة زوجها الدكتور محمد باعسو ليتابع بدوره في واحد من تلكم الملفات المعلومة التي تحاك في جنح الظلام، والخامسة فتيحة الشاربي أم صحفي التحقيق عمر الراضي الذي دُبّج له ما دبج لسابقيه.

هي مظلومية وقعت على هؤلاء الحرائر، وأخريات كثر؛ منهنّ أيضا عائشة البارودي أم المناضل رضا بن عثمان، وامي عائشة أم الناشط نور الدين العواج، ومعهن زوجات وبنات وأخوات، يسمعن أن المغرب يحتفي بالمرأة في يومها العالمي، وأن البلد تقدم في ترسانته القانونية وتطبيقاتها، وأن الدولة تمضي في التمكين لحقوق الإنسان، وأن المغرب قطع مع شيء اسمه الاعتقال السياسي ولا يوجد في سجونه معتقلو الرأي والتعبير. لينظرن بمزيج من الاستغراب والحسرة إلى هذا الخطاب الذي يُدَبّج من محبرة التحكّم والتسلّط.

وبقدر ما يبسط واقع هؤلاء النساء، ومن ورائهن الكثير، قصصا إنسانية تؤدي فيها نساء حرائر ورجال صادقون ضريبة الكلمة المسؤولة والصمود الصادق، ومن ذاك واقع المعتقلة بثلاث سنوات حبسا سعيدة العلمي، بقدر ما يزيح مُسوح الدعاية المخزنية الزائفة ويزيل طلاء الخطابات الرسمية الجوفاء، ليتكشّف واقع حقوق الإنسان على وقع آهات المكلومات المقهورات المظلومات. بل إن الصورة تزداد وضوحا، وقتامة، حين نستدعي مزيدا من الظلم والقهر الاجتماعي المرتبط بلقمة العيش والبطالة وظروف الشغل والاستغلال، ليتجسد الإفلاس شاخصا لا تخطئه الأبصار.

في اليوم العالمي للمرأة، ونحن نُحيّي كل النساء؛ الحاملات همّ أسرهن وأطفالهن ووطنهن، المرابطات في الأسرة تربية ونهوضا بأعباء البيت، والخارجات للعمل المسهمات في نماء المجتمع في التعليم والصحة والإدارة، والبسيطات في البوادي البعيدة وأعالي الجبال وأعماق الصحراء المُغالبات الواقعَ الصعب يبذلن مهجهن من أجل العيش الكريم، ونحن نحيّي هؤلاء النسوة، نرفع قُبّعة التحيّة عاليا لأولئك النساء اللواتي فَرَضت عليهن قرارات الدولة أن يقبع أزواجهن أو أبناؤهن أو إخوانهن أو آباؤهن في سجون الظلم والاستبداد، وننحني أمام صمودهن وصبرهن الذي يسائل الحكم ويحرج سياساته السلطوية.