غزة السكينة وسط الدمار

Cover Image for غزة السكينة وسط الدمار
نشر بتاريخ

بين يدي نصـر الله وتمكينه لدينه وعباده يسّـر الله تعالـى طوفان الأقصـى ذات سبت من أكتوبر 2023، وما وفّق فيه أهل غزة ومقاومتها من ملاحم بطولية أبهرت العالم وهـي تتصدى لعدوان أشبه بحرب كونية هبت شعوب العالم وأحراره لاستنكاره وشجبه، بما هو إبادة وتطهير عرقـي لشعب أعزل إلا من الإيمان بعدالة قضيته، فأضحت غزة قِبلة تُشدّ لها الرحال،  وأحيت الضمير الإنسانـي الذي استفاق علـى زيف شعارات المنتظم الدولـي وحقوق الإنسان، لتكتشف الشعوب ارتهان القرار الدولـي لنوازع وحشية الكيان الصهيونـي وتمكينه من الوسائل والوقت فـي مسعـى يائس لتصفية القضية الفلسطينية.

هكذا استحالت غزة محور العالم، بها تقاس مؤشـرات الإنسانية ويقظة الضمير، تنافسا فـي تقديم الدعم المعنوي قبل المادي، وكسـرا لحصار آثم ضاعف منسوب إثمه وبشاعته انخراط الجوار الغزاوي فيه بغلق المعابر ومنع وصول المساعدات ودخول وفود المتضامنين من شتـى ربوع العالم.

وحيث إن لكل قاعدة استثناء، وتخفيفا من ضغط الرأي الشعبـي، والغربـي خاصة، علـى ما يقترف الاحتلال الغاصب من مجازر وتخريب ممنهج للبنية التحتية لقطاع غزة، لا سيما المؤسسات الاستشفائية، سُمح لطواقم طبية متطوعة بدخول القطاع وتقديم المساعدة أو ما تسمح به أجواء العدوان من مساعدة لضحايا القصف اليومـي؛ طواقم طبية كان للأطر المغربية انخراط طيب فيه، توالـى خلال العدوان، وكان للدكتور عبد الكبير حسينـي شرف المشاركة وخدمة أهالينا فـي غزة فيه، وخان يونس تحديدا، ليعود بعد أسبوعـين يحكـي بعض ما رأى وعاين من حجم الدمار وأثر العدوان، ويتقاسم والمغاربة من خلال قناة الشاهد مشاعر الانبهار من المستوى الأسطوري لثبات أهل غزة، وما يغمرها من سكينة ويقين فـي نصـر الله علـى الرغم من اختلال موازين القوى وتخاذل النظام العربـي والإسلامـي فـي تقديم الدعم والإسناد.

واستثمارا لمضامين هذا اللقاء تحت عنوان: “رحلتـي إلـى غزة بلد السكينة وسط الدمار” الذي نشطته الأستاذة هاجر الكيلانـي مأجورة مشكورة، نقف عند المحاور الآتية:

– التأكيد علـى شرعية نُصرة أهل غزة، فلا عذر لمتخلف أو متردد، والدعاء أضعف الإيمان. ولْيُعِدّ كل مسلم ومسلمة الجواب علـى مسألة نصرة غزة يوم الوقوف بين يدي الله يوم الحساب، ولْيحذر الخائضون فـي نشـر الضلالات والتشكيك فـي النوايا.

– مركزية القضية الفلسطينية فـي وجدان الشعب المغربـي، فالسعـي إليها مدفوع بالشوق لزيارة أرض مروية بدماء الشهداء؛ شوق لا تبدده مخاطر الزيارة تحت القصف الذي يستهدف البشر والحجر، بل يتضاعف منسوبه طلبا للشهادة فـي أرض مباركة قيضها الله وقيض قضية شعبها لتبقـى منارة تهتدي بها الأجيال أن لا سبيل لعزة الأمة وانعتاقها من ربقة الذيلية والغثائية إلا الجهاد بكل أبوابه، وعلـى رأسها جهاد التعبئة والتربية والتعليم.

– إن ثبات قطاع غزة حاضنةً شعبية ومقاومةً، لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة لجهود التأهيل والإعداد بناء لإنسان واع تمام الوعـي بمتطلبات التدافع مع كيان غاصب دموي مدعوم غربا وعربا لاستئصال مقاومة مزعجة للاستكبار والاستبداد؛ تأهيل كان لبيوت الله دور مركزي لتنشئة أجيال معتزة بدينها تتسابق لنيل الشهادة نصرة للدين وذودا عن مقدسات الأمة؛ تأهيل شامل متوازن أكسب الرجولة الإيمانية، مثلما أكسب العلوم وآليات التدافع الميدانـي وأخذ العدة، مرورا بفنون التخطيط والتدبير، مشمولا كل ذلك بعناية الله وتوفيقه لمن ندب النفس لنصرة الدين والدفاع عن عرض أمة مستباح.

– التمسك بالحياة وصناعة أجواء الفرح بالله، ففـي غزة علـى الرغم من وحشية العدوان وبشاعته، لا مكان لمشاعر الإحباط والهزيمة فـي النفس الغزيّة، تغشاها السكينة والطمأنينة، لا يتزحزح يقينها فـي نصر الله ولا تساورها الشكوك أن الاحتلال مهما طغـى وصال وجال إلـى زوال.

– بقدر ما يحرص الاحتلال الغاصب علـى استهداف كل مقومات الحياة، فلا يُبقـي حجرا علـى حجر، كما يقال، يحرص الغزيون علـى عوامل البقاء وانتظام سير المؤسسات الخدماتية: القطاع الصحـي نموذجا، حرصٌ يوحـي وكأن أهل غزة شاهدوا شريط ما يُجريه الله تعالى من أحداث تشيب من أهوالها الوالدان وعرفوا خاتمة الصراع والتدافع، فهم أشبه بأهل بدر يخوضون معركة عرفوا نتيجتها قبل خوضها، فقد دلهم رسول الله صلـى الله عليه وسلم علـى مصارع زعماء الشرك، وبشرهم بالنصر، لذلك فأهل غزة لا يلتفتون إلـى ما يجدون من نصب، بل يحثون الخطـى لمعانقة نصر الله. ولا أصعب من مواجهة شعب هذه عقيدته: نصـر أو استشهاد.

– من دخل غزة عز واعتز، فلا يقوى علـى مغادرتها، وإن الزائرين علـى فراق غزة لمحزونون، فغزة الحياة، وغزة العزة، وغزة الكرامة، وكيف تُستساغ حياة بغير عناوين غزة. أو كما صرّح الدكتور حديث العهد بأهل الله وخاصته فـي أرض الرباط والجهاد.

تقبل الله تعالـى من كل الحرائر والأحرار الدعم والإسناد لغزة وأهلها، وسدد الله بتوفيقه وجميل عنايته  رمـي المجاهدين، وربط علـى قلوبهم، وخفف عنهم ما يجدون من تنكيل العدو وخذلان إخوة الدين والعروبة. وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. صدق الله العظيم.