عبد السلام ياسين الساعي في الناس بالنصيحة

Cover Image for عبد السلام ياسين الساعي في الناس بالنصيحة
نشر بتاريخ

بقلم: محمد ضلحان

1 ـ النصيحة في اللغة

 “للنصيحة معان عدة يمكن إجمالها في: الوضوح والصفاء والربط والنضرة. تقول: “نصح الشيء: خلص، والناصح الخالص من العسل وغيره. والنصح: نقيض الغش. ونصح الثوب بالمنصحة: خاطه بالإبرة. ورجل ناصح: خائط. وأرض منصوحة: متصلة النبات بعضه ببعض… ونصح الغيث البلاد ونضرها بمعنى واحد” 1

2 ـ النصيحة في الاصطلاح

 عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الدين النصيحة (ثلاثا)، قلنا لمن (يا رسول الله)؟ قال: لله (عز وجل) ولكتابه ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) ولأئمة المسلمين وعامتهم” 2

 يقول الأستاذ منير الركراكي في كتابه سالف الذكر: “والنصيحة بما هي الدين لا تكتمل إلا بتوفير هذه المعاني الأربعة مجتمعة (المشار إليها في التعريف اللغوي): خلوص وجمال وجمع ونقاء. فهي “كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح” 3

3 ـ الأنبياء الناصحون الأمناء

 في استعراض سريع للآيات القرآنية التي تضمنت لفظة النصيحة نكتشف أن مهمة ووظيفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هي إسداء النصح لأقوامهم وإقامة الحجة عليهم.

 قال نوح عليه الصلاة والسلام لقومه: أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله مالا تعلمون[سورة الأعراف الآية، 61].

وقال هود عليه الصلاة والسلام لقومه عاد: قال يا قومي اعبدوا الله مالكم من إله غيره، أفلا تتقون قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين قال يا قومي ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين [سورة الأعراف الآيات 64-67].

وقال صالح عليه الصلاة والسلام لقومه ثمود: يا قومي لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين[سورة الأعراف الآية 78].

وقال شعيب عليه الصلاة والسلام لقومه مدين يا قومي لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين[سورة الأعراف الآية 92].

4 ـ العلماء ورثة الأنبياء

 قال النبي صلى الله عليه وسلم “… إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما إنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر” 4.

العلماء العاملون هم الوارثون الحقيقيون للأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام في هداية الخلق والنصح لهم كي يحبهم الله فيحبوه ويقتدوا برسله وأوليائه من خلقه.

 وقد عرف التاريخ الإسلامي نماذج بارزة لهؤلاء الوارثين للدعوة المحمدية، شموس الهداية الربانية، محببي اللهَ سبحانه وتعالى للخلق والخلقَ لله سبحانه؛ نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: عبد القادر الجيلاني وأحمد الرفاعي والإمام الشافعي والفضيل بن عياض وعبد الله بن المبارك وأبو الحسن الشاذلي وأبو حامد الغزالي وابن القيم الجوزية وغيرهم كثير رحمهم الله جميعا ورضي عنهم.

5 ـ عبد السلام ياسين رحمه الله وسعيه في الناس بالنصيحة

 ذكرت بعضا من الورثة المتقدمين، وذلك لا يعني خلو العصر الحديث من أمثالهم علما وخشوعا وضلوعا في مجال تربية الناس على حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وحب الخير للناس أجمعين، بل زادوا على الكثير من السابقين الجمع بين التربية الإحسانية والجهاد في سبيل الله كما كان عليه الحال في عصر النبوة و الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. ولعل أبرز الأمثلة من المتأخرين هم حسن البنا رحمه الله في مصر وأحمد ياسين رحمه الله في فلسطين وعبد السلام ياسين رحمه الله في المغرب.

 وسأحاول اختصار جهود الرجل (الأخير) رحمه الله في بذل النصح لسائر الناس على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والسياسية والثقافية؛ باعثه في ذلك حب الخير للمنصوحين ورجاؤه في الله أن يكون أسعد الناس “إن حصل في ميزان حسناتي أفواج من المحسنين كنت لهم صوتا يقول: من هنا الطريق، من هنا البداية” 5

 أ ـ النصح للملوك

 ° النصيحة الأولى المشهورة الموسومة “الإسلام أو الطوفان” سنة 1974م، للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله؛ دعاه فيها إلى توبة شاملة على شاكلة توبة سيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله ورضي عنه.

 ° النصيحة الثانية المعنونة “مذكرة إلى من يهمه الأمر” سنة 2000م، حررت باللغة الفرنسية ووجهت إلى الملك محمد السادس.

ب ـ النصيحة للمثقفين والسياسيين

“حوار مع النخبة المغربة” وهي عبارة عن محاضرة باللغة الفرنسية ألقيت بدار الثقافة بالرباط سنة 1980م.

كتب حوارية: “حوار مع الفضلاء الديمقراطيين”، و”حوار الماضي والمستقبل”، و”حوار مع صديق أمازيغي”، و”الشورى والديمقراطية”.

بالإصافة إلى كتب تتناول قضايا معاصرة مثل “محنة العقل المسلم” و”الإسلام والحداثة” و”الإسلام والقومية العلمانية”.

ج ـ نصيحة للعلماء

 “وإنكم فرسان الميدان لو عقلتم الدور الذي خص الله به العلماء في المجتمع الإسلامي بصلاحهم يصلح أمر الأمة، وإن فساد مجتمعاتنا المسكينة ناتج عن تراكم الأمراض الخلقية والسياسية، التي كان يعالجها سلفكم الصالح أيها العلماء بطب الإيمان في مجالس القرآن يوم كان العلماء يجالسون الشعب في المسجد يتعهدون كل يوم مشاعره ويقاسمونه همه” 6».

د ـ نصيحة لعامة الناس

 سلك في هذا المجال كل السبل المتاحة؛ فبدأ باللقاءات مع عامة الناس في المسجد بمراكش، إلى أن مُنع من ذلك ففتح بيته للناس يلقونه فيه فيعظهم ويرشدهم ويدعوهم، ثم سجل الأشرطة المسموعة ثم المرئية راجيا أن تصل إلى الكثير من الناس الذين لم يتمكنوا من لقائه أو السماع منه مباشرة، ثم لما رفع عنه الحصار الذي دام زهاء عشر سنوات، قام بزيارات لمختلف مدن المغرب الكبيرة لقيه فيها فئات من عموم المواطنين كالطلبة والتلاميذ والأئمة ورجال التربية والتعليم وغيرهم، كل فئة منهم يخاطبها بالخطاب المناسب ولب الخطاب للكل النبأ العظيم: مصير العبد بعد الموت وأهمية الاستعداد للرحيل عن هذه الدنيا الفانية ولقاء الله يوم الحساب.

 وما لبث أن فتح بيته مجددا للقاء أبنائه أعضاء جماعة العدل والإحسان، حاملة دعوته للناس كافة والساعية لتنزيل مشروعه التربوي و الدعوي والسياسي في أرض الواقع، فكانت زيارات الأحد المباركة التي يتابعها الأعضاء في ربوع القطر وتلامذة مدرسة العدل والإحسان في مختلف بقاع العالم ومن قدر الله له ذلك من عموم الناس مباشرة عبر الشبكة العنكبوتية.

ولحرصه رحمه الله على إسماع الفطرة الإنسانية خطاب بارئها لم يدخر جهدا إلا بذله ولا أسلوبا حكيما إلا نهجه ولا لغة إلا استعملها في ذلك، فخاطب الناس بالعربية الفصحى نثرا وشعرا واللسان الدارج واللهجة السوسية، فضلا عن اللغات الأخرى خاصة الفرنسية والتي شهد له أربابها بإتقانها (مثال على ذلك صحافي فرنسي في الندوة الصحافية بعد رفع الحصار عنه قال له ما معناه: تنطق بلغة فرنسية جميلة).

خاتمة: تلك باختصار شديد بعض معالم حرص الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله على النصح لكافة الناس على اختلاف مستوياتهم، وما ذلك إلا لحبه الخير للناس وسعيه لأداء أمانة التبليغ؛ تبليغ رسالة الإسلام للعالمين.

ونحن نحيي ذكرى الوفاء الحادية عشرة لرحيل الإمام، فاللهم جدد عليه الرحمة والغفران وأجزل له العطاء وحقق رجاءه في جماعته وأمته يا كريم.


[1] مجلس النصيحة، ذ منير الركراكي، ط1، مطبوعات الهلال وجدة، ص10 نقلا عن لسان العرب لابن منظور وقياس اللغة لابن فارس وتعريفات الجرجاني ومفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني والقاموس المحيط للفيروز أبادي.
[2] رواه مسلم.
[3] مجلس النصيحة، ذ منير الركراكي، ط1، مطبوعات الهلال وجدة، ص10.
[4] رواه أبوداود والترمذي وابن ماجه وابن حبان وغيرهم.
[5] كتاب الإحسان، ذ عبد السلام ياسين، ط1، مطبوعات الأفق الدار البيضاء، ص 23.
[6] مجلة الجماعة العدد 9 ص 3