صناعة الحرية (42).. مات الملك

Cover Image for صناعة الحرية (42).. مات الملك
نشر بتاريخ

في الذكرى التاسعة ومنع الحديث عن المنع

بعد سنة من حفل نادي الفكر الإسلامي في الذكرى الثامنة، وفي السنة الموالية بمناسبة مرور تسع سنوات على الحصار تم بالتنسيق مع نادي الفكر الإسلامي لتبنى النشاط. وتم استدعاء العديد من الهيآت والشخصيات الدعوية والسياسية والفكرية والحقوقية، فضلا عن الصحافة المحلية والدولية للموعد المقرر يوم السبت 21 رمضان 1419ه، الموافق لـ 09 يناير 1999م.

وقد اتخذ نادي الفكر الإسلامي كافة التدابير القانونية لتنظيم الحفل، واكترى دارا للضيافة لهذا الغرض. إلا أن السلطات مارست ضغوطها المعتادة على صاحب الدار، وهددته بأوخم العواقب إن سمح باستضافة النشاط. وهكذا فوجئ المدعوون -الذين لبوا الدعوة مشكورين- بهذا المنع، وقضوا زهاء ساعة ونصف بباب الدار تحت مراقبة أعين السلطة “اليقظة جدا” وتحت مطر غزير.

وفي هذا الجو الذي يعبر أصدق تعبير عن الحصار، ألقى العلامة إدريس الكتاني رئيس نادي الفكر الإسلامي كلمة توضيحية بيَّن فيها حرص النادي على استنفاد جميع الخطوات القانونية المقررة في قانون الحريات العامة، إلا أنه اصطدم بهذا المنع الخارق للقانون. ثم ألقى الأستاذُ متوكل كلمةً شكَرَ فيها الهيآت والشخصيات والصحافة المحلية والدولية الحاضرة، وباقي الحاضرين، وتمَّ إصدار بيان بالمناسبة، بالإضافة إلى بيان الذكرى التاسعة، وبيان الطلبة المعتقلين بسجن القنيطرة 1.

في الذكرى العاشرة مات الملك..

صورة من جنازة الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله

كان الوضع غير الوضع هذه المرة، ففي صيف 1999م مات المحاصِر رحمه الله وبقي المحاصَر رحمه الله. وما كان ينبغي في منطق السياسة التي كان ينهجها الحسن الثاني في ترتيب العرش لابنه، أن يبقى الرجل على ما هو عليه. إذ أصدر عفوا عن المنفيين والمطرودين، وسمح بالعودة إلى أرض الوطن لأغلب المعارضين (مثل المهندس أبراهام السرفاتي (ت2010م) الذي كان منفيا في فرنسا)، وأطلق سراح أغلب المعتقلين الذين كانوا لا يزالون على قيد الحياة، أما الموتى فأمرهم إلى الله، وكُلف المناضل عبد الرحمن اليوسفي من فوق بتشكيل حكومة إنقاذٍ اختار لها مهندسو المرحلة اسم “حكومة التناوب”، وسماها بعض المؤرخين بـ”قوس حكومة التناوب” 2، وألقوا على التسمية أكاليل الزهور، ونثروا الوعود يمنة ويسرة، فما من طامع إلا وشمَّ عبير الزهور الاصطناعية أو شاكته بسم شوكها، إلا من أعرض، أو غاب عن حفل التخدير.

كان الملك الحسن يريد تصفية الأجواء لانتقال سلس، لكن مات الملك الذي حاصر الشيخ، وورث مقاليد الحكم ابنه الأمير الذي صيرته تقاليد الحكم السلالي ملكا جديدا. ومثلما استمر النظام استمر الحصار. رغم الحملة الدعائية لعهد جديد ومفهوم للسلطة جديد.

الفقيه البصري أثناء حضوره الذكرى العاشرة للحصار.

وبمناسبة الذكرى العاشرة أصدرت الجماعة بيانا كان هو الأخير من نوعه، إذ كُسر الحصار بعده بخمسة أشهر تقريبا (انظر نص البيان في فصل الملاحق)، وخلال الحفل الذي نُظم يوم 27 يناير 2000م، تم توزيع نسخ من “مذكرة إلى من يهمه الأمر” بالعربية والفرنسية -لأول مرة- على الشخصيات العلمية والسياسية والفكرية والدعوية التي حضرت المناسبة، كما تم الإعلان عن إطلاق أول نسخة من موقع الأستاذ (www.yassine.net) وأول نسخة من موقع الجماعة (www/aljamaareview.com)، بالإضافة إلى توزيع قرص مدمج يضم رسالتين كان قد أرسلهما الأستاذ إلى الملك الحسن من قبل: رسالة الإسلام أو الطوفان (1974م)، ورسالة ثانية بالفرنسية (1977م) لم تنشر من قبل، بالإضافة إلى “مذكرة إلى من يهمه الأمر” بخمس لغات (العربية والانجليزية والألمانية والفرنسية والإسبانية)، ومحاضرة “من أجل حوار مع النخب المغربة”(1980م)، و”رسالة القرن الملكية في ميزان الإسلام” (1982م).

وقد تناقلت بعض وسائل الإعلام حدث الذكرى العاشرة وخبر الرسالة إلى الملك، ونشرت مقتطفات منها شكلت موضوع الغادي والرائح آنذاك، مما استفز السلطات فأقدمت على مصادرة جميع الجرائد التي نشرت المذكرة (مثل جريدة  Le Quotidienبالفرنسية، وجريدة المستقل بالعربية…)، واعتقال من يوزع نسخا منه 3 وتقديمه للمحاكمة.


[1] انظر بيان الذكرى التاسعة، وبيان منع حفل هذه الذكرى، وبيان معتقلي القنيطرة بالمناسبة في فصل الملاحق.
[2] انظر: بوعزيز، المصطفى. الوطنيون المغاربة في القرن العشرين (1873-1999م)، مطبعة إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، ط1، 2019م.
[3] من ذلك اعتقال أربعة أشخاص من مدينة سيدي سليمان والحكم عليهم بالمحكمة الابتدائية يوم 24 أبريل 2000م بشهر واحد سجنا موقوف التنفيذ و500 درهم غرامة في حق ثلاثة منهم، وبالبراءة في حق الرابع.