صناعة الحرية (36).. مسيرة 19 غشت

Cover Image for صناعة الحرية (36).. مسيرة 19 غشت
نشر بتاريخ

مسيرة 19 غشت

بعد فشل المفاوضات تم اعتقال طلبة كلية الطب من جديد وأثناء محاكمتهم محاكمة سياسية وتلفيق تهم جنائية في حقهم قد تصل عقوبتها إلى 20 سنة سجنا! نظمت الجماعة مسيرة احتجاجية ضخمة يوم 19 غشت 1991م بشارع الجيش الملكي بالبيضاء، لترد السياسي بالسياسي.

ويحكي الأستاذ عبد العزيز حنون -أحد الطلبة المعتقلين آنذاك-: “تم إصدار الحكم بالإدانة في حق جميع أعضاء التعاضدية، ولم يطلق سراح أي أحد منهم، وتمت متابعتهم جميعا بتلفيق تهم جنائية خطيرة، وحاولت الدعاية الرسمية المكتوبة والمسموعة والمرئية تصويرنا كمجرمي الحق العام. بل تم الإصرار على متابعة حتى من لم يتم القبض عليهم في تلك اللحظة. واستئنفت المحاكمات الصورية في السنة الجامعية الموالية، حيث استمرت من شتنبر وحتى دجنبر، وكانت على محطات ولم تكن فقط محاكمة واحدة تلك التي كانت في يوليوز 1991م، حتى تم استكمال اعتقال جميع أعضاء التعاضدية. وقد كان الهدف من تسييس ملف مطلبي بسيط جدا من طرف الدولة وتحريك آلة القمع هو توزيع مزيد من الترهيب واستدامته في صفوف الطلبة بعد مجهوداتنا لرفع الحظر العملي عن المنظمة الطلابية “الاتحاد الوطني لطلبة المغرب” في كلية الطب معقل الروطاري وقتئذ، وفي الحي الجامعي والجامعة عموما.

وبالمناسبة لا أنسى ثبات الطلبة وحجاجهم المقنع حول عدالة القضية أثناء المحاكمة، وكذا المواقف الجريئة الداعمة من طرف أكثر من مائة من المحامين والحقوقيين من جميع الأطياف السياسية، وكذلك بعض الإعلاميين الذين ساندونا بنشر الحقيقة حيث كانوا متابعين قريبين من الحدث، وأخص بالذكر الصحفي نبيل عربي عن جريدة opinion وجريدة العلم 1 2.

أما عن لحظة انطلاق المسيرة وبعض تفاصيلها فيحدثنا الأستاذ عبد الصمد فتحي قائلا:

“في الساعة 11 و57 د كانت الساحة فارغة إلا من السيارات العابرة، لكن بمجرد ما أن أشارت الساعة إلى 12 تحديدا، وبمجرد رفع أحد الإخوة المكلفين جريدة في يديه حتى امتلأت الساحة عن آخرها في لحظة، فلا ترى فيها موطئ قدم، إنما يرتد إليك بصرك بآلاف الهامات تغطي الساحة برمتها، وسط اندهاش وتعجب من المارة ورجال الأمن الذين التحقوا متأخرين.

بعد التجمع شقت المسيرة طريقها في شارع الجيش الملكي، واختارت أحد الأرصفة للسير بدون إعاقة حركة المرور، بشكل منظم ومسؤول، متجهة نحو محكمة الاستئناف حيث يحاكم أبناء الجماعة من كلية الطب جنائيا في محاكمة صورية.

بعد أن قطعت المسيرة نصف المسافة، حضرت الأجهزة الأمنية متأخرة لتعيق حركتها ولتوقف سيرها، وسط تراشق وتبادل الاتهامات بين الأجهزة الأمنية المتنافسة، كل منها يتهم الآخر بالتقاعس عن واجبه، ويزدري بعضها ويسخر من جهاز المخابرات (الديستي) متسائلين أين كانوا دون علم منهم بما يجري وما يحدث؟

توقفت المسيرة قبالة فندق “سفير” وشركة النقل “ستيام”، لتبدأ المفاوضات والتهديدات من أجل فض هذه المسيرة، لكن كان الجواب بأن هذه الجموع تريد السير إلى المحكمة لحضور الجلسة لمؤازرة إخوانهم هناك، وهم لا يعيقون المرور، ولا يتسببون في فوضى، وسيرهم نحو المحكمة سلمي. وبقيت الجموع معتصمة حتى أيقنت القيادة التنظيمية أن هدف المسيرة قد تحقق وأن الرسالة قد وصلت، لتدعو المشاركين إلى الانسحاب في هدوء، داعية الله بالقبول وإطلاق سراح المعتقلين والانتقام من الظالمين. فما هي إلا دقائق حتى انفض الجمع في انتظام وانسيابية” 3.

واستمرت المعاناة… واستمرت المقاومة…


[1] من حوار الكاتب مع الأستاذ عبد العزيز حنون (طبيب).
[3] فتحي، عبد الصمد. “مسيرة 19 غشت والانتفاضة البيضاء: السياق والدلالات”، مرجع سابق.