رُهاب الامتحانات

Cover Image for رُهاب الامتحانات
نشر بتاريخ

رُهاب صيغة فُعال كصُداع وغُثاء وهُزال وهي تدل على الصوت أو الداء أو التكسر والتحطم أو الانحراف، وهي تحيل على معاني المرض والألم والمحنة والضعف، وهي طوام وهوام معششة في التقويم التربوي عندنا في المدرسة المغربية كما تجسدها الامتحانات.

الامتحانات عندنا صُداع رهيب؛ لطول مدتها وزمنها (من ماي إلى يوليوز)، ولكونها أشبه ما تكون بالموسم (بضم الميم) لكثرة ما فيها من الحشد والتعبئة والدعاية، التي تشبه صراخ الباعة وعرض البضاعة في أسواق مواسم “الصالحين”. وكذا لكثرتها، وتنوع مسمياتها، وتنوع زبنائها، وتمايز المتدخلين فيها؛ فهناك امتحان جهوي وآخر وطني، وهناك دورة عادية وأخرى استدراكية، وهؤلاء مترشحون رسميون وأولئك مترشحون أحرار، ولدينا رئيس مركز ومراقب جودة إجراء، ومراقبون داخل الفصول، ولجان لزجر الغش، وممسك بآلة كشف المعادن لضبط الغشاشين، ولجنة إقليمية، وأخرى جهوية، وثالثة وطنية، وغيرها من المتنصتين والمتشممين لنفحات الأخبار الظاهرين والمتخفين. ثم هي صداع لتعدد إجراءاتها إعدادا، وإجراء، وتصحيحا، ومسكا، وتداولا، وإعلان نتائج، وتدبير شكايات، خاصة مع تفتق “العبقريات” عن إجراءات اللصق والمسح الكودي الباحثة عن مسلك تجويد العيوب في فم البقرة عوض آلة المحراث.

والامتحانات عندنا غثاء كغثاء السيل زبدا وجفاء؛ للبهرجة التي تصاحبها، والأوهام التي ترافقها من وهم تقويم وتقويم للوهم في ظل تعلمات رتيبة غير مكتسبة، وقيم غائبة مغيبة، وكفايات ومهارات ضائعة. وكذا لضخامة هذه المفاهيم الرائجة المروجة فيها: ابتداء من مفهوم الامتحان الذي هو محنة ومحن وإحن، ومن مفهوم الغش الذي يُبحث عنه في ذات المتعلم وأذنه وسائر جسمه في بلادٍ الغشّ فيها منظومة حكامة، ومن مفهوم تكافؤ الفرص المضحى به في مدارس تجزل عطاء النقط بينما تشح بها غيرها، ومن مفهوم النجاح الذي يقتصر على جمع هذه النقط التي لا تغني ولا تسمن من جوع في سوق الكفاءة، ومن مفهوم الإطار المرجعي الذي أصبح يُغلِّب الطوابع التقنوية، ولا تسل بعدُ عن بدع الريادة التي أبدعت مسميات الفروض القصيرة والشاملة، ووقفات التقويم، ولن ننسى هنا جلسات المداولات التي تتحول إلى حصة لتلاوة الأسماء وقراءة المعدلات وسرد النتائج.

الامتحانات أيضا عندنا هُزال، على نحو يجعلها من الهدي غير البالغ المقصود في مخرجاتها ونتائجها، وما ذاك إلا لأنها عجفاء بَيِّنٌ ضلع مكتسباتها، عرجاء عن بلوغ مراتب التقدم في التقويمات المشهودة، لا تكاد تتبين طريق ولوج عوالم الإدماج المختلفة، مما يضيع فاعليتها في تحقيق تقويم علمي موضوعي ناجع يُمكِّنُ من تحقيق الوظائف التكوينية والتعديلية لأي تقويم عاقل.

يتولد عن هذا الصداع والغثاء والهزال هذا الرهاب الذي يكاد يتحول إلى إرهاب يمارس على فلذات أكبادنا، بدءا من ضغط الساعات الإضافية التي تنضاف إلى ضغط حجم المقرر الدراسي الكثيف، وكم الزمن المدرسي غير المتوازن، والضغط النفسي الذي يجد فيه المتعلم موزعا مزعا بين تحقيق رغائبه وبين إرضاء رغائب العائلة والمجتمع، وانتهاء بمحن ما بعد النجاح، إن حصل، في ظل توجيه أينما توجه لا يأت بشيء في بلدٍ التنمية فيه داخلة في سلك المرجآت المنتظرة.

إنه لا معنى في قصر معالجة إشكالات الامتحانات في المدرسة المغربية في قضية الغش من منظور زجري أمني مراقباتي في أغلب الأحيان، ولا في حصر هذه المعالجة في بهرجة موسمية تخلق من ضجيج الجعجعة أكثر مما تُدِرُّ من طحين النجاعة المثمرة. إنما الحل في إيجاد مداخل صحيحة لمقاربة شاملة مجتمعية إشراكية لمقاربة المعضلات الجوهرية المعيقة للنهوض التربوي التعليمي عوض هذا “الحك” المتكرر لأوساخ الأعراض الظاهرة المتكاثرة، والتي تبقينا في دائرة “الترقيع” و”التلميع” عوض النفوذ إلى لب التغيير والإصلاح.