رمضان ومقام الإحسان

Cover Image for رمضان ومقام الإحسان
نشر بتاريخ

علمنا حديث جبريل عليه السلام أن الدين مراتب إسلام وإيمان وإحسان، ولا ينتقل السالك إلى الله تعالى من درجة إلى أخرى حتى يستوفي مقتضياتها، فلا يرتقي العبد إلى مرتبة الإحسان إن لم يوقن بأركان الإيمان، ولا تتحقق له مرتبة الإيمان إلا إن أحكم أركان الإسلام. ولا يكون الارتقاء إلى منازل الإحسان إلا بمجاهدة النفس وترويضها وتزكيتها وتنميتها حالا فحال حتى تصل الكمال، ولا يصل إليه إلا من فتح الله له مغاليق القلب وأنار بصيرته بنور الفهم عن الله فعرفه حق المعرفة.

لكن في شهر رمضان شهر الصيام، يكون بلوغ مقام الإحسان متاحا لكل من صام وقام إيمانا واحتسابا، هو عرض استثنائي يقدمه الله لعامة المسلمين في كل عام طيلة شهر  ليصلوا إلى مقام الإحسان بمعانيه الكلية: التعبدية والمعاملاتية والعملية.

إحسان التعبد

فالصيام يتحقق به مقام الإحسان التعبدي، حيث يتعبد المرء بالصوم وهو يعلم يقينا أن الله يراه، فإن لم يكن يرى الله فإنه يستحضر نظر الله إليه، فلا يجرؤ على ما لم يحله الله في نهار صومه  لا في الخلوة ولا في الجلوة، بل يحرص على صدق التوجه إليه، ويطمع  في القبول ويخشى فساد صومه بأي سبب من الأسباب. فالصيام سر خاص بين العبد وربه، يكشف عن أسمى مظهر من مظاهر إخلاص التعبد لله.  خوفا ورجاء ومحبة  وإجلالا ورضا ويقينا في نيل الجزاء الأوفى . قال صلى الله عليه وسلم: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به) 1

إحسان المعاملات

رمضان شهر الإحسان إلى الناس وأداء حقوقهم، شهر التراحم بين الأهل وذوي الأرحام، شهر الكرم والسخاء والبذل والعطاء، تتخلص فيه النفس من أنانيتها فتجود بما جاد الله عليها شكرا لله على نعمه وأفضاله، تأسيا بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود الناس وأجود ما يكون في شهر رمضان حيث يكون كالريح المرسلة. سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ فقال: (إدخال السرور على مؤمن، أشبعت جوعته، أو كسوت عورته أو قضيت له حاجة) 2.

شهر الصوم  شهر الوصل والعفو فمن عفا وأصلح فأجره على الله(الشورى 40)، الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل بالإحسان وحسن السلوك، ولا يعيثون في الأرض فسادا.  يكف فيه المؤمن عن الرذائل فتزكو تصرفاته باستحضار حقوق الله عليه وحقوق العباد، يكف أذاه عن خلق الله، ويسلم المسلمون من سقط لسانه وظلم يديه. وسوء نواياه.

إحسان العمل المعاشي

لئن كان المؤمن يحرص على حسن التعبد إلى الله في رمضان والتعامل مع الناس بالحسنى، فهو كذلك يحرص على إتقان  أعماله المعيشية في رمضان  فلا يستثقلها بحجة الصيام ولا يعتبرها عناء ولا شقاء، بل يزيد من مستوى الإنتاج  ويدفع الصائم للسعي في طلب الرزق عبادة لله تعالى وتزلفا لديه، لأنه يعلم يقينا أن إحسان الأعمال وإتقانها من موجبات  محبة الله تعالى . عن  عائشة رضي الله عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) 3، وإذا كان العمل يشرف بشرف المكان والزمان ، فالقيام به في رمضان على وجه الإحكام يزيد المؤمن شرفا وعزة وقربا ومنشطا.

فالله نسأل الإخلاص في القول والعمل والمداومة على فعل الخيرات.

 


[1] أخرجه أحمد في مسنده رقم 9224.
[2] أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط رقم 2081.
[3] رواه البيهقي في شعب الإيمان من حديث عائشة رضي الله عنها.