رمتني بدائها وانسلت

Cover Image for رمتني بدائها وانسلت
نشر بتاريخ

“رمتنـي بدائها وانسلّت”، مثل عربي يعنـي: عيّرتنــي بما فيها وليس فـي. ويضرب هذا المثل تعبيرا عن انعدام المروءة حيث لا يُتورَّع فـي اتهام الغير بما ليس فيهم، فلا يجد بعض الأشخاص حرجا فـي إدانة خصومهم أو منافسيهم بما ليس فيهم من نقائص وعيوب، كأن يتهم السارق المسروق بالسرقة، ويتهم الفاشل الناجحين بالفشل. 

وقد جرت العادة فـي المجتمعات التي اختلّت فيها الموازين أن ينبري للترافع عن الفضيلة والعفة المتورط في الانحراف والرذيلة، لأنه بلغ درجة من التطبيع مع الفساد، وأضحى الحريصُ على مروءته واستقامته يشكل عقدة لتيار الفساد واللامروءة. يقول جل وعلا في سورة “الأعراف”: وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قريتكم إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ. التهمة هـي التطهر وعدم الانغماس في تيار الرذيلة.

وهذا حال الاستبداد عبر التاريخ، لا يتورع في اتهام الخصوم والمعارضين في رأس مالهم الأخلاقـي عساه ينال من مصداقيتهم ويخدش في رصيد شعبيتهم، مصورا إياهم بأبشع صورة؛ ولأنه لا تعوزه وسائل الإثبات والتشهير بل وإنفاذ التهم زورا وبهتانا، فقد راكم المخزن ملفات استهدف فيها من يراهم يغنون خارج جوقته، ويسيرون في غير واديه من صحفيين وحقوقيين وسياسيين ومطالبين بحظهم من التنمية.

فــي هذا السياق، وتزامنا مع انطلاق فعاليات الذكرى الأربعين لتأسيس جماعة العدل والإحسان، واستباقا لزخمها، وتشويشا على برنامجها، سارعت السلطات الأمنية تنفيذا للتعليمات لاعتقال الدكتور باعسو أحد رموز جماعة العدل والإحسان في مكناس، حيث تابع الجميع كيف انفضح جناح المقاربة الضبطية في دوائر القرار المخزني، فمن تهمة الخيانة الزوجية إلى تهمة الاتجار بالبشر، حيث لم يبق في جعبة المخزن من التهم إلا تهمة الخيانة العظمى الموجبة للمؤبد.

وحيث إن من طبيعة الاستبداد الغباء، فلا يسع كل عاقل إلا أن يتملكه الخوف على مستقبل البلاد، وقد بلغ العبث مداه فـي “تدبير” شؤون العباد؛ عبث يتجاوز آلية سحب الثقة إلى سلوك مساطر “الحَجْر” على العابثين بالاستقرار والسلم الاجتماعي في ذروة الاحتقان الشعبي جراء الغلاء وتداعيات سوء تدبير فترة جائحة كورونا.   

فكل التضامن مع الدكتور باعسو وعموم ضحايا المتابعات المخزنية المفبركة مصادرة لحرياتهم، وتشهيرا بهم، واضطهادا لذويهم، وترهيبا لغيرهم، ذنبهم وتهمتهم غِـيرتهم على أمن واستقرار البلد وكرامة أبنائه.

للباطل جولة أكيد، ولكن فجر يوم العدالة والحرية والكرامة قريب، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والعاقبة للمتقين والحمد لله رب العالمين.