لقد أثبتت الأيام أنهم كانوا يقصدون ما يقولون، وأنهم لم يرفعوا شعارا شكليا لتأثيث المشهد الاحتجاجي، فشعارهم “من المغرب لفلسطين شعب واحد مِشْ شعبين” لم يكن مجرد كلام، بل أثبتت السنون والأشهر والأيام -قبل طوفان الأقصى وبعده- أنه قناعة راسخة وعقيدة ضاربة في أعماق المغاربة ومتأصّلة في تاريخهم المجيد.
في ليلة العشرين من رمضان، التي تزامن 30 مارس الذي هو يوم الأرض الفلسطيني، وبعد 177 يوما من بدء العدوان الصهيوني الهمجي، جدد الشعب المغربي تأكيده أنه مع الشعب الفلسطيني قلبا وقالبا، وأكد، في استجابة لنداء الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع الداعي إلى الاحتجاج في يوم الأرض الفلسطيني، أن تطاول الزمن، أكان بعيدا يرتبط ببدايات القضية الفلسطينية أو قريبا عنوانه 7 أكتوبر التاريخي، لن يغير من معادلة المغرب وفلسطين شيئا، بل يزيدها ثباتا والتحاما.
ورغم المحاولات المخزنية المتعددة هذه الليلة لمنع عدد من المسيرات وتطويقها بل وتعنيف المشاركين فيها، كما في مسيرة أكادير ومسيرة سلا ومسيرة مكناس، إلا أن نداء الواجب كان أقوى، وعنفوان النساء والرجال كان أكثر مدى، ليصنع المغاربة ليلة أخرى رمضانية ملؤها الدعم والنصرة والإسناد لغزة العزّة ومقاومتها البطلة.
مسيرة قوية في مدينة سلا قرب العاصمة الرباط، وثانية في وسط المغرب بمدينة مكناس، وثالثة في أقصى الجنوب في عاصمة الأمازيغ بمدينة أكادير، ورابعة في أقصى الشرق في بركان، وخامسة بالقرب منها بمدينة الناظور، وسادسة في عاصمة دكالة الجديدة، وسابعة بمدينة ابن جرير، وثامنة بمدينة سبعة رجال مراكش. والمسيرات الثلاث الأولى تعرضت لحصار أمني وتخويف للمشاركين وتدخل وحصار وتعنيف، قبل أن تمضي الاحتجاجات صوب وجهتها وتبلغ مرادها.
وإلى جانب هذه المسيرات الحاشدة؛ وقفة بساحة سراغنة وسط العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، وأخرى في أقصى الشمال بسيدي بوحامد بالقصر الكبير، وثالثة في أقصى الجنوب بحي المويسات بمدينة ولاد تايمة، ورابعة بمسجد علي بن ابي طالب حاسي بلال بمدينة جرادة، وخامسة في شارع الحسن الثاني بمدينة الفقيه بنصالح، وسادسة في ساحة 16غشت بمدينة وجدة، وسابعة في مدينة جرسيف، وثامنة في مدينة تاوريرت، وتاسعة في ساحة الموحدين بمدينة ورزازات، وعاشرة بمدينة سطات، وحادية عشرة بساحة المركب ببني تجيت، وثانية عشرة في مدينة ميدلت، وثالثة عشرة في ساحة المارشي بمدينة الرشيدية، ورابعة عشرة في أبي الجعد، وخامسة عشرة بساحة المجاهدين في خريبكة، وسادسة عشرة في سوق أربعاء الغرب…
وهكذا، لم تمنع الأمطار ولا الرياح القوية التي خيّمت البارحة واليوم على معظم ربوع المغرب، الملتاعين مما يجري من الخروج إلى الاحتجاج، والانطلاق مباشرة بعد أداء صلاة التراويح في وقفات نوعية ومسيرات حاشدة جابت الشوارع والأزقة والساحات، رفع فيها المشاركون شعاراتهم المعهودة وجددوا رسائلهم الواضحة؛ أن أوقفوا الهولوكوست الإرهابي الذي يرتكبه هذا الكيان الإرهابي الدموي الإحلالي في حقّ البشر وضد النساء والأطفال والرجال، وكفّوا عن هذا التواطؤ الدولي المفضوح الذي يمضي بالعالم نحو الخراب، وأوقفوا هذا السقوط المريع لكل ما يمت إلى الإنسانية والآدمية بصلة، ويا أيتها الأنظمة العربية والإسلامية قد انكشف زيف ادعاءاتك وانفضحت خطابات قادتك الخاوية على عروشها، فتداركي قبل الفوت.