رحيل خالد

Cover Image for رحيل خالد
نشر بتاريخ

يأبى أن يخرج شهر المرأة لهذا العام إلا ويأخذ معه قدرا من الله تعالى سيدة عزيزة على قلوبنا، سيدة كانت بالفعل نموذج المرأة التي شيدت وبنت وأسهمت في تغيير فصول من تاريخ جهاد، رسمت معالمه بصبر وكفاح، ساندت فيه الزوج المجاهد، واحتضنت وآوت دعوة الله، بقلب الأم الحانية المحبة لأبنائها وبناتها من أهل العدل و الإحسان وكل من يدعو إلى الخير، خديجة المالكي، الشريفة، الكريمة، الذاكرة، الحليمة…

اسم على مسمى…، نحسبها كذلك، ولا نزكي على الله أحدا، إنما نشهد بما عهدنا من نبل أخلاقها، و طيب معشرها، ولطف حديثها…

اتخذتها قدوة في صبرها وبذلها وعطائها… والطموح في الطلب… طلب ما عند الله، فاستحقت أن تكون الصاحبة والرفيقة الوفية… لرجل ليس ككل الرجال، إمام باع نفسه لله بسلوكه دروب الصعاب وبحمله لواء التغيير سيرا على المنهاج النبوي، فاستحقت أن تكون بصبرها و صحبتها له تلك العظيمة التي لا نحسبها إلا مع كل عظيم.

امرأة سجلت بمداد المحن والابتلاء و الصبر، تاريخا لن ينتهي بموتها. فالله تعالى شاء أن يكتبها مع الخالدات الكاملات، ويبدأ لها مولدا جديدا، ليفتح الباب على مصراعيه للتأريخ لها. يقول الله تعالى: ويمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين.

إنه شهر المرأة الذي شاء الله تعالى أن يحفر في سجله اسم صنع حياة المجاهدين الأفذاذ بصمت الطالب لوجه الله تعالى و رضاه. فأبى الله الكريم إلا أن يخلد هذا الاسم ليتعرف عليه القاصي والداني.

نعم، أرادت لها قلوب محبيها تشييعا عاديا، لكن مشيئة من يعلم ما لا يعلمون، أرادت تصريف أمر آخر.

أراد سبحانه وتعالى أن تزف روحها إليه في سابقة لم يسجل التاريخ نظيرا لها. ومن منطلق الإيمان بالله تعالى، نؤمن أن أقداره سبحانه، مهما كانت مؤلمة في ظاهرها، إلا و تحمل في طياتها الخير الكثير.

يأبى الله تعالى إلا أن يرفع الحيف على المرأة في شخص هذه السيدة الفاضلة… وإنها رسالة تحمل من المعاني ما تعجز عن فعله أو ترتيبه يد البشر القاصرة.

إنها المرأة التي جاهدت في صمت، لم يشأ سبحانه أن يتم تشييع جثمانها الطاهر في صمت دون أن يشارك فيه العالم، و يتعرف عليها و على مناقبها.

إنه احتفاء من نوع آخر، احتفاء بتدبير مدبر حكيم، هو أعلم بقيمتها و فضلها.

احتفاء يظهر الله تعالى الواقع المرير الذي يعيشه هذا البلد من خروقات في الحريات العامة، و التي أظهرت زيف التغني بشعارات حقوق المرأة و تكريمها، و شهر المرأة ليس ببعيد، بل في قلب الاحتفاءات بها.

إنه الواقع المرير لبلد الشعارات الزائفة، الذي يحاصر فيه جثمان امرأة و تمنع من أبسط حقوقها الإنسانية التي كفلتها كل الشرائع السماوية والوضعية لكل إنسان على وجه هذا البسيطة كيفما كان انتماؤه و توجهه، حق الدفن و امتلاك قبر يأويه.

نعم إنها سابقة نحتسب مرارتها، وما ضمته من هبات عند الله تعالى. جعلها في ميزان هذه المرأة الكريمة، ومعها كل امرأة تسعى إلى التغيير وطلب ما عنده تعالى.

رحم الله السيدة الفاضلة المجاهدة، و تقبلها بقبول حسن، وأعلى مقامها في زمرة الأنبياء والشهداء والصالحين، و حسن أولئك رفيقا.